الحكومة التونسية تستعرض برنامجاً اقتصادياً طموحاً أمام البرلمان

تسعى لتحقيق نمو سنوي 5 % مع نهاية 2020

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد متحدثا أمام البرلمان أمس عن البرنامج الاقتصادي (أ.ب)
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد متحدثا أمام البرلمان أمس عن البرنامج الاقتصادي (أ.ب)
TT

الحكومة التونسية تستعرض برنامجاً اقتصادياً طموحاً أمام البرلمان

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد متحدثا أمام البرلمان أمس عن البرنامج الاقتصادي (أ.ب)
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد متحدثا أمام البرلمان أمس عن البرنامج الاقتصادي (أ.ب)

عرضت الحكومة التونسية يوم أمس على البرلمان برنامج إصلاح اقتصادي طموحا يمتد إلى سنة 2020، ويتميز بالسعي إلى استعادة المبادرة الاقتصادية ومزيد تهيئة مناخ الاستثمار والضغط في كل الاتجاهات لتعديل مختلف المؤشرات الاقتصادية.
وقدم يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية بمناسبة تصويت البرلمان على منح الثقة لأعضاء جدد إثر التعديل الوزاري الأخير، تفاصيل هذا البرنامج الاقتصادي الهادف إلى تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن 5 في المائة مع نهاية سنة 2020، وقال إن «النمو الحالي لا يفي بالحاجة»، مشيرا إلى أن «تونس وضعت خلال المخطط التنموي الجديد معدل نمو سنوي في حدود 3.5 في المائة خلال الفترة المتراوحة بين أعوام 2016 و2020، إلا أنها قد تحقق نسبة نمو في حدود 5 في المائة إذا استعادت الدولة المبادرة الاقتصادية ونفذت برنامجا إصلاحيا يمس عددا هاما من القطاعات الاقتصادية من بينها النظام الجبائي (الضريبي)، ومنظومة الدعم المالي لعدد من المواد الاستهلاكية ومقاومة التهريب ومكافحة الفساد».
وتوقعت تونس أن تكون نسبة النمو الاقتصادي مع نهاية السنة الحالية في حدود 2.3 في المائة، وهو ما ثبتته هياكل التمويل الدولية، وطموحها لتحقيق 5 في المائة مع نهاية 2020 يعني أكثر من مضاعفة لمجهودها الاقتصادي والاستثماري الحالي.
وبشأن وضعية المؤسسات العمومية التي يعاني الكثير منها من العجز المالي، فقد أكد الشاهد على أن الحكومة بصدد إعداد برنامج لإعادة هيكلتها من جديد حتى تكون فاعلة وذات مردودية اقتصادية.
وفي معرض تناوله لتلك الإصلاحات الاقتصادية الهامة، قال الشاهد إن الحكومة ستعمل على تقليص كتلة الأجور إلى حدود 12.5 في المائة سنة 2020، علما بأنها تمثل حاليا نسبة 40 في المائة من ميزانية الدولة. كما تسعى الحكومة إلى التقليص من العجز على مستوى الميزانية إلى حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام حتى سنة 202، وذلك مقارنة مع مستوى ستة في المائة متوقعة هذا العام.. وتعمل الحكومة كذلك على ألا تتجاوز نسبة المديونية 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام بعد نحو ثلاث سنوات.
وتطرق الشاهد أمام أعضاء البرلمان إلى بعض المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تم تحقيقها منذ بداية هذه السنة، ومن ذلك ارتفاع إنتاج مادة الفوسفات خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الحالية بنسبة 34 في المائة، وارتفاع المداخيل الجبائية بنسبة 15 في المائة.
وتوقع رئيس الحكومة أن سنة 2020 ستكون «سنة تعافي المالية العمومية بصفة كاملة» على حد تعبيره، واعتبر أن الاستقرار السياسي ضروري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وفي هذا الشأن، قال عز الدين سعيدان الخبير المالي والاقتصادي التونسي إن جزءا هاما من البرنامج الاقتصادي المعلن عنه من قبل رئيس الحكومة يتوافق مع توصيات صندوق النقد الدولي خلال زياراته المتكررة إلى تونس.
وأشار سعيدان في هذا المجال إلى دعوة ممثلي الصندوق حكومة الشاهد إلى احتواء كتلة الأجور، واعتبار هذه العملية «أولوية قصوى». وقال إن كتلة الأجور بلغت العام الماضي مستوى من أعلى المستويات في العالم، وذلك بنسبة 14.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. كما أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي قد دعا إلى «إجراء تعديلات هامة في العام الحالي والسنة المقبلة لتعويض التجاوزات وإعادة كتلة الأجور إلى مسارها الصحيح حتى تصل إلى النسبة المستهدفة البالغة 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي سنة 2020». وبذلك يعد البرنامج الإصلاحي معتمدا في جانب كبير مهم على توصيات الصندوق، باعتبار أنها تمثل شروطا لحصول تونس على قروض مالية لتمويل ميزانيتها السنوية.
تواجه تونس تحديا كبيرا بخلق فرص عمل للعاطلين من الشباب والبالغ عددهم أكثر من 600 ألف شخص، أكثر من ثلثهم من خريجي الجامعات. بالإضافة إلى حلحلة مشاريع التنمية في المناطق الداخلية الفقيرة.
وفيما يتعلق بنسبة النمو التي تحدث عنها رئيس الحكومة والمقدرة بنسبة 5 في المائة بحلول سنة 2020، قال سعيدان إن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا توحي بتحقيق هذه النسبة، ولكنها تبقى ممكنة إذا ما اعتمدت الحكومة على برنامج اقتصادي يراعي طاقات البلاد الفعلية ويسعى إلى تأكيد الانتعاشة الاقتصادية الحاصلة.
تجدر الإشارة إلى أن يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية قد كشف خلال الجلسة البرلمانية عن الإعداد لقانون يمكن التونسيين ممن لهم أموال بالعملة الصعبة من فتح حسابات بالعملة الصعبة ضمن المنظومة البنكية التونسية. وقال إنه من المنتظر أن تتم إحالة مشروع القانون إلى البرلمان نهاية الشهر الحالي. كما أشار إلى سعي تونس لإقرار قانون للعفو في جرائم الصرف. ومن شأن هذه الإجراءات أن تساهم في توفير السيولة المالية الضرورية من العملة الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد التونسي، كما تهدف الحكومة لاحتواء السوق السوداء التي تزايد نشاطها بشكل واضح.
وفي الشهر الماضي هبط احتياطي تونس من العملة الصعبة بشدة وأصبح يغطي ما لا يزيد على واردات 90 يوما، وهو أضعف مستوى في نحو ثلاثة عقود، قبل أن يعاود الارتفاع إلى ما يكفي واردات 103 أيام بعد صرف البنك الدولي قرضا بقيمة 500 مليون دولار.
وأكد الشاهد كذلك على ضرورة إصلاح منظومة الدعم، وقال في هذا السياق إن الحكومة ستعمل على إصلاح هذه المنظومة التي تشكو من الفساد، خاصة أن الكثير من أصحاب المشاريع الاقتصادية استفادوا من المواد الاستهلاكية المدعمة من قبل الدولة وكوّنوا ثروات هائلة بفضلها. وأشار إلى أن «منظومة الدعم غير عادلة»، وأن «الدعم لا يصل إلى من يستحقه».
وفي مجمل استعراضه لبرنامجه، أشار الشاهد إلى أن حكومته ستقدم برنامجا اقتصاديا للبرلمان بعد أن تنتهي من بعض النقاشات مع الأحزاب والمنظمات التي يتوقع أن تثريه ببعض الاقتراحات. وأضاف أن برنامج الحكومة حدد أربعة أهداف في أفق عام 2020 بالتوازي مع الإصلاحات المقررة في قطاع الضرائب والوظيفة العمومية والمؤسسات الحكومية والصناديق الاجتماعية، وتتضمن الخطة إصلاحات اقتصادية وصفها بأنها «ضرورية لإعادة التوازنات للمالية العمومية وإنعاش الاقتصاد». موضحا أن حزمة الإصلاحات ستمس الوظيفة العمومية والقطاع المصرفي والصناديق الاجتماعية إضافة إلى منظومة الدعم التي قال إنها أهم الإصلاحات المنتظرة في الفترة المقبلة.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.