تركيا تبدأ «المرحلة الحاسمة» لعملية عسكرية في عفرين وإدلب

مصادر دبلوماسية أكدت لـ«الشرق الأوسط» وجود تفاهمات حولها مع موسكو وطهران

القوات التركية والفصائل السورية المعارضة على مشارف مدينة الباب شمال سوريا فبراير الماضي (رويترز)
القوات التركية والفصائل السورية المعارضة على مشارف مدينة الباب شمال سوريا فبراير الماضي (رويترز)
TT

تركيا تبدأ «المرحلة الحاسمة» لعملية عسكرية في عفرين وإدلب

القوات التركية والفصائل السورية المعارضة على مشارف مدينة الباب شمال سوريا فبراير الماضي (رويترز)
القوات التركية والفصائل السورية المعارضة على مشارف مدينة الباب شمال سوريا فبراير الماضي (رويترز)

كشفت مصادر عسكرية تركية عن بدء استعدادات جادة لتنفيذ عملية عسكرية موسعة تستهدف مناطق سيطرة الميليشيات الكردية في عفرين ومحيطها، وتوجيه ضربة إلى «جبهة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) في إدلب، لافتة إلى أن العملية التي يجري تمهيد الأرضية الدبلوماسية لها باتت أمراً محسوماً.
وأعلنت أنقرة مراراً في الأشهر الماضية أنها قد تطلق عملية موسعة في الشمال السوري، على غرار عملية «درع الفرات» التي انتهت أواخر مارس (آذار) الماضي، بالتعاون مع فصائل من «الجيش السوري الحر»، وهي العملية التي أطلقت عليها وسائل إعلام تركية «سيف الفرات»، ولفتت إلى أن تركيا ستشارك فيها بقوات أكثر عدداً من تلك التي شاركت في عملية «درع الفرات»، إلى جانب توسيع مشاركة فصائل الجيش الحر والقوات العربية التي تولت تركيا تدريبها أخيراً، لتصل إلى 20 ألف مقاتل.
ونسبت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة التركية إلى مصادر عسكرية، أمس، أنه تم نقل كتيبتين من الوحدات العسكرية في غرب البلاد إلى بلدة إصلاحية، التابعة لمحافظة غازي عنتاب، الواقعة شمال المنطقة الحدودية مع سوريا، بمواجهة مدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب، الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
وأكدت المصادر العسكرية التركية نقل الكتيبتين، لتضافا إلى التعزيزات الموجودة أصلاً في بلدة إصلاحية، مشددة على أن شن العملية العسكرية في الشمال السوري بات أمراً محسوماً، وأن هناك محادثات دبلوماسية جارية حالياً بشأنها، قد تستغرق من أسبوعين إلى 3 أسابيع قبل انطلاقها.
وأشارت المصادر إلى أنه من المنتظر أن تشارك كتائب المدرعات التابعة لوحدة المدفعية المتمركزة في محافظة غازي عنتاب في العملية الوشيكة.
وقالت الصحيفة، نقلاً عن المصادر، إنه رغم الانتشار الروسي في كل من تل رفعت ومطار منغ العسكري، والبلدات والقرى التابعة لها في منطقة ريف حلب الشمالي، فإن العملية العسكرية قد تبدأ بالتعاون مع قوات «الجيش السوري الحر»، الموجودة في كل من حلب وإدلب من منطقة تل رفعت وجوارها، لتنتقل بعد ذلك إلى كل من عفرين وإدلب.
وكانت معلومات سابقة لـ«الشرق الأوسط» قد أشارت إلى أن تركيا اختارت هذا المحور لإطلاق العملية المرتقبة، التي ستشمل أيضاً مناطق في جنوب أعزاز تسيطر عليها الميليشيات الكردية التي تحظى بدعم قوي من واشنطن، وتتعاون معها موسكو في الوقت نفسه.
وقالت الصحيفة التركية إن روسيا ستبقى العامل الرئيسي في المنطقة، ومن المنتظر أن تحدد موقفها من العملية في الفترة المقبلة. ورجحت المصادر العسكرية عدم اعتراض روسيا على العملية العسكرية في عفرين، ولم تستبعد أيضاً إمكانية تقديمها الدعم لها ضمن شروط معينة، حيث يسعى النظام السوري، بعد سيطرته على حلب، إلى تكريس وضع جديد في منطقة إدلب، التي تعتبر آخر قلاع المعارضة.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك تفاهمات بين أنقرة وموسكو بشأن العملية المحتملة، وإن الاتصالات بين الجانبين لم تنقطع خلال الفترة الماضية، وقد يزور رئيس الأركان الروسي أنقرة قريباً لبحث الأمر، لافتة إلى أن موسكو تتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) الكردية، في إطار التنسيق لكن دون إمداده بالسلاح، أو اعتباره حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه، كما تفعل واشنطن.
وقالت المصادر العسكرية التركية إن «عملية آستانة» جديدة قد تبدأ بعد الانتهاء من عملية تطهير منطقة إدلب من حركة «تحرير الشام»، إذ إن روسيا لم تعد مهتمة ببقاء قوات «الاتحاد الديمقراطي» في عفرين.
ولفتت المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إلى التنسيق الثلاثي التركي الروسي الإيراني، سواء فيما يتعلق بمناطق خفض التوتر في سوريا، أو بالنسبة لأي عمليات محتملة من جانب تركيا ضد الميليشيات الكردية، لافتة في هذا الصدد إلى اللقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني، على هامش القمة الإسلامية في آستانة، السبت الماضي، ومن قبلها زيارة رئيس الأركان الإيراني لأنقرة.
وقالت صحيفة «تركيا» إن واشنطن تبدو غير متحمسة للعملية العسكرية التركية ضد قوات الاتحاد الديمقراطي في عفرين، وتعمل على إعاقة التحركات المشتركة الروسية التركية الإيرانية في كل من عفرين وإدلب.
وعبرت أنقرة من قبل عن مخاوف بشأن احتمال إطلاق الولايات المتحدة عملية باسم التحالف الدولي للحرب على «داعش» في إدلب، بعد أن تحدثت واشنطن عن نشاط لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في إدلب، وعن احتمالات شن عملية مشابهة لعملية تحرير الرقة من «داعش»، التي تنفذها بالتعاون مع تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، الذي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية غالبية قوامه.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.