ظاهرة عروض الزواج في لبنان تشهد منافسة في ابتكاراتها

أحدثها جرى في حفل هبة طوجي لمناسبة عيد الأضحى

TT

ظاهرة عروض الزواج في لبنان تشهد منافسة في ابتكاراتها

«هل تقبلين الزواج مني؟» هي العبارة التي قد لا تضاهيها أخرى أهمية نظراً للوقع الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه على الشابات عادة. ولأن هذه اللحظة تحمل في طيّاتها معاني مؤثّرة فقد صار تنوع أساليبها يمثل ظاهرة رائجة في لبنان يعتمد فيها على التميّز المترجم بأفكار مبتكرة من أجل الفوز بقلب فتاة الأحلام التي ما عليها سوى أن تلفظ كلمة «نعم»، ليكتمل المشهد السعيد.
ويلعب كلّ من الزمان والمكان دوراً أساسياً في هذا الموضوع لا سيما أنهما صارا يدوران في فلك الغرابة، بعد أن طالت خياراتهما أعماق البحار والفضاء والندوات السياسية وشاشات التلفزة وغيرها من الأفكار، التي تصبّ في مبدأ التميّز بعيداً عن الكلاسيكية والحميمية التي كانت تغلّف هذه اللحظة في الماضي القريب.
ولعلّ أحدث فكرة عرض زواج أو (proposal) عرفها اللبنانيون أخيراً هي تلك التي جرت في حفل الفنانة هبة طوجي الذي قدّمته في «مهرجان أضحى بيروت». فبعيد ختامها القسم الأول من حفلها بدّلت هبة طوجي فستانها الأبيض إلى آخر أسود، وأطلت على المسرح طالبة من النساء أن ينظرن إلى أسفل كراسيهنّ للحصول على مغلّف. وفيما الجميع كان منشغلاً بطلب الفنانة اللبنانية تمّ اصطحاب إحدى الشابات الموجودات في الحفل معصوبة العينين إلى المسرح، وليقف حبيبها بين الجموع الغفيرة يطلب يدها للزواج وليصفّق الحضور حماساً للمشهد.
أما الجندي الجريح سيبوه غيراغوسيان وعلى الرغم من إصابة تعرّض لها في معركة «فجر الجرود» بحيث عاد منها جريحاً، فإنه لم يستطع تمالك فرحته عندما زارته حبيبته (ريتا ختشادور) للاطمئنان عليه إثر حصول سوء تفاهم بينهما. فطلب من أحد أقاربه بأن يشتري له خاتم خطوبة مغتنماً فرصة وجود حبيبته إلى جانبه على سرير المستشفى ليطلب الزواج منها. وافقت ريتا ولبست الخاتم لتصبح «معركة الجرود» عنواناً رئيسياً لقصة حبّهما الطويلة. وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تابع اللبنانيون أخيراً قصة حبّ من نوع آخر جرت على متن طائرة تابعة لخطوط «الشرق الأوسط» (MEA)، عندما وقف الشاب جاك بين مقاعد المسافرين يطلب منهم الانتباه، وليتوجه بعدها مباشرة إلى حبيبته سارين التي كانت ترافقه طالباً منها الاقتراب منه، وروى للحضور قصّة حبّهما التي بدأت منذ نحو السنتين. وليفاجئ الجميع وهو ينحني أمامها حاملاً خاتم الخطوبة سائلاً إياها: «هل تقبلين الزواج منّي؟». وتردد أن الشركة المذكورة قدّمت للخطيبين بطاقات رحلة شهر العسل على متن خطوطها.
وما فعله جاك أمام عدسة مصوّر هاوٍ حمل هاتفه الخلوي ليوثّق تلك اللحظات، لا يفوق فكرة بلال المير غرابة، لا سيما أن لحظة طلب هذا الأخير الزواج من حبيبته دينا درويش جرت أمام الملايين من المشاهدين خلال حفل إفطار رمضاني أقامه قطاع المهن الحرة في «تيار المستقبل» منذ عدة أشهر، وكانت تنقله شاشات تلفزة محليّة وفضائية في بثّ مباشر. واللافت أن الرئيس سعد الحريري الذي كان من بين الحضور، شارك الحبيبين فرحتهما عندما دعا الفتاة لاعتلاء المنصة التي كان يلقي كلمته منها، وعندما استغربت دينا دعوة الرئيس الحريري لها، أخبرها وهي تتّجه نحوه بأن شاباً يدعى بلال المير «بدّو يقلّك كلمتين». فما كان من بلال إلا أن ألقى قصيدة شعر ختمها بمقطع يقول فيه «تكرّمي واقبلي الولهان يا دينا». وعندما سألها الرئيس الحريري عما إذا هي توافق على طلب حبيبها، ردت عليه بالإيجاب وهي تهز برأسها علامة الرضا. فما كان من الحبيب إلا أن انحنى أمامها وهو يحمل خاتم الخطوبة وليلبسها إياه شخصياً طابعاً قبلة على جبينها.
وتتوالى أفكار عروض الزواج الخارجة عن المألوف ليترجمها أحدهم في منطقة عين الرمانة في السابعة صباحا، عندما استفاق أهالي «الشارع العريض» فيها ليجدوا يافطة عملاقة تتوسّطه مقابل إحدى العمارات التي تسكنها الشابة ناتالي عازار كتب عليها: «ناتالي هل تقبلين الزواج بي؟»، وقد وقّعت من قبل حبيبها يوسف الرامي الذي كان يقف تحت شرفة منزلها منتظراً منها الردّ.
وتختلف قصص عروض الزواج بين العشّاق في لبنان لتأخذ أحياناً من منصة حفل تخرج في الجامعة اللبنانية الأميركية مكاناً وزماناً لها، أو ليغطس الحبيبان في بحر صيدا، ويحتفلا بخطبتهما على عمق 10 أمتار على وقع أغنية «رسالة من تحت الماء» للراحل العندليب الأسمر، أو ليأخذ الشاب عادل حبيبته إلى غابة الأرز عارضاً عليها الزواج في طقس بارد ومثلج ليؤكّد لها أن حبّه لها سيكون أزلياً وسرمدياً وناصعاً تماماً كالمكان الذي يقفان فيه.
وكذلك لم ينسَ اللبنانيون دموع المذيعة التلفزيونية (على قناة «إم تي في») أورسولا دكاش، عندما فاجأها حبيبها ودخل الاستوديو وهو يحمل باقة ورود عارضاً عليها الزواج أمام ألوف المشاهدين فبكت تأثّراً.
أما قصة عرض الزواج التي تلقّتها الشابة اللبنانية ستيفاني فهي مغايرة تماماً لسابقاتها إذ كانت في رحلة مع والدتها إلى تركيا عندما واعدهما حبيبها التركي الأصل (مرات) مع والدته على مأدبة عشاء رومانسية أقامها لهما على متن باخرة سياحية تجول في مضيق البوسفور في إسطنبول. وفي منتصف الطريق توقّفت الباخرة أمام جسر البوسفور وليقفز أمام عيني ستيفاني نصّ كتب بواسطة تقنية الليزر يقول لها فيه: «ستيفاني لقد سرقت قلبي منذ أن التقيتك في ميكونوس، يومها اختليت مع نفسي وصلّيت طالبا من رب العالمين أن تتحقّق أمنيتي فهل ستجعلين هذا الحلم حقيقة؟».
اليوم تحقق ستيفاني حلم حبيبها في حفل زفاف يقام في برلين حيث سيستقرّان معاً لبناء عائلة سعيدة.
أما عرض الزواج اللافت، الذي تكلّل بحفل أسطوري منذ نحو الأسبوع، فهو ذلك الذي تقدّم به رجل الأعمال اللبناني محمد الترك طالبا يد حبيبته نائب رئيس مجلس إدارة تلفزيون «نيو تي في» كرمى خياط. فصعد إلى سطح مبنى قناة «الجديد» الكائن في وطى المصيطبة وتدلّى بواسطة الحبال نحو نافذة مكتب خياط الموجود في الطابق السابع من المبنى عينه، حاملاً يافطة كتب عليها عبارة: «Would you marry me؟» فكانت معالم الصدمة واضحة على خياط التي عادت ووافقت على عرض الزواج وقد جرت مراسيمه في مدينة موناكو الفرنسية واستمرت لمدة ثلاثة أيام متتالية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».