إعلان «الطوارئ» في الدومينيكان وكوبا وفلوريدا تأهباً لـ«إيرما»

الإعصار دمّر 95% من الجزء الفرنسي لجزيرة سان مارتن... وإجراءات بريطانية لمساعدة المناطق المتضررة

جانب من الدمار الذي خلّفه إعصار «إيرما» في الجزء الفرنسي من جزيرة «سان مارتن» أمس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلّفه إعصار «إيرما» في الجزء الفرنسي من جزيرة «سان مارتن» أمس (أ.ف.ب)
TT

إعلان «الطوارئ» في الدومينيكان وكوبا وفلوريدا تأهباً لـ«إيرما»

جانب من الدمار الذي خلّفه إعصار «إيرما» في الجزء الفرنسي من جزيرة «سان مارتن» أمس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلّفه إعصار «إيرما» في الجزء الفرنسي من جزيرة «سان مارتن» أمس (أ.ف.ب)

شهدت جزيرتا سان مارتان وسان برتيليمي في منطقة البحر الكاريبي «مشاهد رعب»، كما وصفها سكانها، في حين بدأت أمس عمليات الإغاثة فيها بعد أن ضربها الإعصار «إيرما» الذي تسبب في وفاة تسعة أشخاص ويهدد حاليا جمهورية الدومينيكان.
ورصدت المملكة المتحدة 13 مليون يورو (15.6 مليون دولار)، وأرسلت بارجة عسكرية لمساعدة المناطق المتضررة من الإعصار إيرما المدمر في الكاريبي، بحسب ما أعلنت الحكومة البريطانية أمس.
وقال وزير الدولة للشؤون خارجية، ألان دونكان، أمام البرلمان البريطاني «نحن قلقون على الجميع، وخصوصا على أراضينا المتضررة ما وراء البحار». وأضاف: «خصصنا بشكل فوري 12 مليون جنيه إسترليني عبر آلية التدخل السريع للمساعدة وإعادة الأعمار في حالات الكوارث». وبحسب المسؤول ذاته، فإن البارجة «آر إف إيه ماونتس باي» الموجودة في الكاريبي، ستصل «في وقت لاحق اليوم (أمس)» إلى الجزر البريطانية المتضررة، في حين تستعد طائرات للإقلاع لتقديم المساعدة عند الضرورة. وأشار إلى تضرر جزيرة أنجيلا «بشدة»، مع أضرار كبيرة «في بعض الأماكن»، موضحا أن مطارها وميناءها لا يزالان مغلقين. وأضاف، أن الجزر العذراء البريطانية تضررت أيضا، وسُجلت فيها أضرار كبيرة.
من جهته، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس من أثينا، أن «فرنسا بأسرها متأهبة»، مشيرا إلى ضرورة التحرك «ضد الاضطرابات المناخية». ورأى ماكرون، الذي التقى نظيره اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس خلال زيارة رسمية لأثينا، أن «فرنسا هي التي تأثرت» بالإعصار الذي ضرب جزيرة سان برتيليمي الفرنسية والجهة الفرنسية من جزيرة سان مارتان في منطقة الكاريبي.
وأفادت معلومات أولية بأن تسعة أشخاص قتلوا في الإعصار إيرما، ثمانية في جزيرة سان مارتان وشخص واحد في جزيرة باربودا. وقال ماكرون، إن «الأضرار هائلة... ومرة جديدة تضرب كارثة هؤلاء الذين يعيشون في ظل أصعب الظروف». وتابع: «بالإضافة إلى تأهبنا الفوري، يجب أن نتأهب ضد الاضطرابات المناخية؛ لأن هذه الكارثة ناتجة من المناخ».
وأشار إلى أن الحكومة الفرنسية يجب أن تصدر بيانا عن الخسائر المادية، مؤكدا منذ الآن أنها «كبيرة جدا».
بدوره، قال الإليزيه صباح أمس، إن ماكرون «سيزور المناطق المنكوبة جراء الإعصار عندما سيكون ذلك ممكنا، من دون عرقلة عمليات الإغاثة، وعندما تسمح الظروف المناخية بذلك». وقدم بافلوبولوس ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس تعازيهما إلى الرئيس الفرنسي والفرنسيين. وبعد المؤتمر الصحافي المشترك بين ماكرون وبافلوبولوس، قلد الأخير الرئيس الفرنسي أرفع وسام فخري يوناني.
وأعلنت أجهزة الإغاثة الفرنسية أن الإعصار العنيف أسفر عن «مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 21 آخرين» في الجزء الفرنسي من جزيرة سان مارتان الفرنسية - الهولندية. وسجلت حالة وفاة تاسعة على جزيرة باربودا المجاورة التي تعدّ 1600 نسمة، ولحق بها «دمار كبير» حسب ما قال رئيس وزراء أنتيغوا وبربودا، الجزيرة المستقلة.
أما بالنسبة للقسم الهولندي، فلم تسجل أي حالة وفاة، لكن الإعصار تسبب، بحسب رئيس الوزراء الهولندي مارك روتيه «في خسائر هائلة»، خصوصا في المطار والمرفأ «عازلا الجزيرة عن العالم».
ولم يترك الإعصار «إيرما» سقف بيت في شمال الأنتيل إلا واقتلعه، خصوصا في سان مارتان التي «لحق بها دمار هائل بنسبة 95 في المائة» من جهتها الفرنسية، حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رئيس المجلس الإقليمي الفرنسي دانيال جيبس. ويروي شهود عيان على هذه الجزيرة، التي تعدّ نحو 70 ألف نسمة، ما رأوا من «مشاهد مروعة». وقال الصحافي في قناة «اوتر مير بروميار» الفرنسية ستيفن برودنت «كنا أمام ظاهرة غير مسبوقة»، مضيفا أن «كل ما لم يكن له الحدّ الأدنى من الصلابة لم يعد موجودا».
وقالت صحافية أخرى في «غوادولوب بروميار» إنه «كابوس».
وأشار بول ويندت، المسؤول في صحيفة «دايلي هيرالد» المحلية في الجهة الهولندية من جزيرة سان مارتان، للتلفزيون الألماني «آر تي إل» إلى أن «جبالا من الحطام انتشرت في الشوارع. ليس لدينا لا تيار كهربائي ولا وقود للسيارات». وروى كيفن لتلفزيون «بي إف إم تي في» عبر الهاتف أن في سان برتيليمي، الجزيرة الفرنسية التي تعدّ عشرة آلاف نسمة: «كل شيء محطم، المشاهد مرعبة، إنه أمر فظيع».
وأكد ممثل الحكومة الفرنسية في غوادولوب، إيريك مير، أن «الوضع مأساوي». فالجزيرتان تعانيان انقطاعا في التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب، كما أن المباني غير صالحة للاستخدام والمنازل مدمرة، في حين الأشجار مقتلعة وخدمات الإغاثة بحد ذاتها مقطوعة.
ووصلت وزيرة مقاطعات ما وراء البحار الفرنسية، أنيك جيراردان، صباح أمس إلى جزيرة غوادولوب الفرنسية التي تتبع إداريا إلى جزيرة سان مارتان، ومعها «تعزيزات بشرية ومادية» بلغت ما يقارب 200 عنصر من رجال إغاثة وجنود ورجال إطفاء وأطباء.
وأشادت الوزيرة بإعادة فتح قسم من مدرج المطار في الجهة الفرنسية من جزيرة سان مارتان، الأمر الذي سيسمح بوصول طائرة استطلاع عسكرية قريبا. وقال كولومب «انتقلنا من مرحلة الاضطراب إلى مرحلة العمل»، مؤكدا أن الجهود التي ستبذل «في الساعات المقبلة» ستكون من أجل تأمين المياه والطعام عبر توزيع «100 ألف حصة إعاشية»؛ وذلك «ليتمكن الناس من مواصلة تناول الطعام».
وأعلنت جيراردان افتتاح جسر جوي بين جزيرتي سان مارتان وغوادولوب بدءا من الخميس، وإرسال تعزيزات وخزانات مياه ومعدات إنقاذ عبر البحر. ولامس الإعصار إيرما الذي بلغ الدرجة الخامسة، ساحل بورتوريكو الشمالي، متقدما بسرعة 26 كلم في الساعة باتجاه الغرب وجمهورية الدومينيكان. وقال بلانكا سانتياغو، الموظف في فندق في العاصمة سان خوان «كدنا نقول إن أشباحا تسكن الفندق». وفي جمهورية الدومينيكان، أعلنت الحكومة تنفيذ أولى عمليات الإخلاء في المناطق الساحلية، رغم إعلان مصلحة الأرصاد الجوية الوطنية أن الإعصار لن يلامس مبدئيا الجزيرة. وقال المركز الأميركي لمراقبة الأعاصير إن «إيرما» سيتجه نحو كوبا، من ثم إلى فلوريدا التي سيضربها كلها في نهاية الأسبوع.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب حالة الطوارئ في الجزر العذراء الأميركية وبورتوريكو وفلوريدا. وأمرت السلطات بإخلاء المنازل والمحال في «كيز»، وهي سلسلة جزر في أقصى جنوب ولاية فلوريدا، كما أعلنت حالة الطوارئ في كوبا. ولم يتمّ إبلاغ سكان هايتي رسميا بوصول الإعصار؛ إذ قال خوسيه روس «لم تبلغنا السلطات بأي شيء». وقالت مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية «يمكن اعتبار (إيرما) إعصارا تاريخيا منذ الآن»، علما بأنه أشدّ من «هارفي» الذي أسفر عن مقتل 42 شخصا على الأقل ودمّر تكساس ولويزيانا.
في غضون ذلك، يهب إعصاران آخران إلى جانب «إيرما»، مع رفع درجة عاصفتي خوسيه وكاتيا إلى مستوى الإعصار وفق ما أعلن مركز الأعاصير الوطني الأميركي. وقال خبراء الطقس الأميركيون في آخر نشراتهم ليل الأربعاء، إن رياح خوسيه تهب بقوة 120 كيلومترا في الساعة ليصبح إعصارا من الفئة الأولى (ضمن سلم من خمس فئات)، وهو يتحرك بسرعة 26 كلم في الساعة باتجاه غرب شمال غربي، ويتوقع أن يحافظ على مساره خلال الساعات الـ48 المقبلة.
وتوقع مركز الأعاصير أن «تتعزز سريعا» قوة خوسيه ليصبح «إعصارا كبيرا» من الفئة الثالثة، مع رياح بقوة 178 إلى 208 كلم في الساعة. وهو الآن على بعد 1700 كلم من أرخبيل الانتيل الصغير، الذي دعيت جزره إلى مراقبة تقدمه، لكن دون إصدار أي تحذير حتى الآن.
وتعرضت هذه الجزر إلى إعصار إيرما الذي لا يزال يعصف بالكاريبي متجها إلى فلوريدا.
وفي الجانب الآخر من خليج المكسيك، وعلى بعد 300 كلم من مدينة فيراكوز المكسيكية يهب إعصار كاتيا برياح بقوة 120 كلم في الساعة، ويتوقع أن تزداد شدتها في اليومين المقبلين. وهو يتنقل بسرعة 6 كلم في الساعة باتجاه الجنوب الشرقي، وسيبقى بهذا الاتجاه في الساعات المقبلة.
وبحسب مركز الأعاصير الأميركي، فإن حكومة المكسيك أعلنت حالة «مراقبة إعصار» في قسم من ساحل ولاية فيراكوز بين توكسبان ولاغونا فيردي. ويعني ذلك أن رياح الإعصار ستصل المنطقة المعنية في غضون 48 ساعة.


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا شعار «أمازون ويب سيرفيسز» في معرض بنيودلهي بالهند (رويترز)

«أمازون» و«غوغل» تطلقان خدمة متعددة السحابة من أجل اتصال أسرع

ذكرت شركتا «أمازون» و«غوغل» أنهما أطلقتا خدمة شبكية متعددة السحابة تم تطويرها بشكل مشترك لتلبية الطلب المتزايد على الاتصال الموثوق به.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد شعار «أمازون» (رويترز)

«أمازون» تضخ 50 مليار دولار لتوسيع قدرات الذكاء الاصطناعي للحكومة الأميركية

أعلنت شركة «أمازون»، يوم الاثنين، عن خطة استثمارية ضخمة تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار تهدف إلى توسيع قدرات الذكاء الاصطناعي لخدمة عملاء الحكومة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار «أمازون ويب سيرفيسز» في مؤتمر «لاماكون 2025» للمطورين بـ«مينلو بارك» في كاليفورنيا (أ.ب)

«أوبن إيه آي» توقع عقداً بـ38 مليار دولار مع «أمازون ويب»

أعلنت شركة «أمازون» اتفاقية متعددة السنوات بقيمة 38 مليار دولار، لتزويد شركة «أوبن إيه آي» بخدمات الحوسبة السحابية، عبر منصتها «أمازون ويب سيرفيسز» (AWS).

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك (أ.ب)

«أمازون» تقود «وول ستريت» إلى مكاسب أسبوعية وشهرية

ساعد سهم «أمازون» القوي في دفع سوق الأسهم الأميركية نحو الارتفاع يوم الجمعة، معززاً مكاسب المؤشرات الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».


ترمب: بوتين «يريد إنهاء الحرب» في أوكرانيا

TT

ترمب: بوتين «يريد إنهاء الحرب» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، إن نظيره الروسي فلاديمير بوتين أعطى انطباعاً خلال المحادثات الأخيرة في موسكو بأنه يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وصرّح ترمب متحدثاً عن مبعوثه ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر اللذين شاركا في المحادثات: «انطباعهما كان... أنه يريد إنهاء الحرب»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحذّر ترمب، في الوقت ذاته، من أن «مصير المفاوضات غير واضح».

وغادر ويتكوف وكوشنر الكرملين دون الإعلان عن تحقيق تقدم في التوصل إلى اتفاق سلام، بعد اجتماع مطول استمر ساعات.

وقال ترمب: «لقد عقدا اجتماعاً جيداً جداً أمس مع الرئيس بوتين»، مضيفاً: «ماهي نتيجة هذا الاجتماع؟ لا أستطيع أن أخبركم».