رامي قاضي... من رحم الفوضى والاكتئاب يولد الإبداع

رامي قاضي في فندق «لوموريس»  حيث قدم تشكيلته الأخيرة
رامي قاضي في فندق «لوموريس» حيث قدم تشكيلته الأخيرة
TT

رامي قاضي... من رحم الفوضى والاكتئاب يولد الإبداع

رامي قاضي في فندق «لوموريس»  حيث قدم تشكيلته الأخيرة
رامي قاضي في فندق «لوموريس» حيث قدم تشكيلته الأخيرة

«من رحم الفوضى يولد الإبداع والجمال»، هذا ما أكدته تشكيلة المصمم الشاب رامي قاضي الأخيرة لخريف وشتاء 2017. فقد نجح فيها المصمم أن يدخلنا عالمه الخاص والشخصي، وهو يعترف لنا أن كل قطعة تم عرضها في فندق «لو موريس» الباريسي في شهر يوليو (تموز) الماضي، كانت تحدياً وثمرة حالة اكتئاب حادة كان يمر بها.
والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها قاضي الموضة دواء. فبينما بعض المصممين يستعملونها لاستعراض قدراتهم الفنية وخيالهم الخاص، فإن رامي قاضي يستعملها أيضاً للتنفيس عما يعتلج بداخله من مشاعر. فهي كما يقول: «متنفس وعلاج في الوقت ذاته». فمثلاً حوّل الفوبيا التي كان يعاني منها منذ أن كان عمره لا يتجاوز 8 أعوام تجاه الحشرات، وتحديداً العناكب، إلى قطع فنية في تشكيلته لخريف وشتاء عام 2016. استعمل فيها تقنيات عالية جعلتها تُضيء في حلكة الليل. ومع كل غُرزة وتطريزة كان ينجح في التغلب على «فوبياه». الآن يتذكرها وهو يضحك على نفسه وكيف كان جسمه يقشعر ويعرق بمجرد أن تخطر بباله.
هذا العام ولخريف وشتاء 2017، كانت الموضة أيضاً دواءه وعلاجه للخروج من حالة اكتئاب حادة كان يعاني منها. أطلق على تشكيلته عنوان «فوضى جميلة»، ويقول إنه يستكشف فيها عالماً تشوبه الفوضى والاضطرابات والتشرذم. يتابع: «أعرف أننا لا يمكن أن نتوقع أن تكون الحياة بسيطة ومفروشة بالورود. فالتعقيدات جزء منها ليس أمامنا سوى التعامل معها باقتلاعها تماماً أو التعايش معها... الحياة دائماً تفاجئنا وتأخذنا على حين غرّة فتبطش بحواسنا، وهذا ما أردت أن تعكسه كل قطعة في هذه المجموعة... أردتها أن تكون بمثابة عاصفة لا بد أن تنجلي فتُخلف الهدوء والسكينة بعدها».
ترجمته لوجهة نظره هاته تجسدت في تطريزات دقيقة خلقت خدعاً بصرية. كل جزء منها يتفاعل مع بعض بديناميكية تُعززها الخطوط الهندسية، ويندمج فيها الرفيع مع السميك في أشكال ثلاثية الأبعاد باستخدامه أقمشة متنوعة تباينت بين التول الشفاف، والساتان الناعم إلى جانب المخمل والجلد.
خطوط عمودية متعرجة وملتوية تتخللها صفوف من الأحجار الصغيرة، بعضها كريستال وبعضها زجاج، إضافة إلى قطع صغيرة من الجلد مطرزة على أقمشة التول، أضفت نعومة وأنوثة على كل فستان، كما ذكرتنا بأن موسم الـ«هوت كوتير» هو مختبر للأفكار الغريبة التي يمكن تطويعها حسب متطلبات السوق.
أول ما يلفت فيها ألوانها. فهي غامقة غلب عليها الأسود والأزرق والبنفسجي الداكنين، لكن بين طياتها تكتشف ألواناً فاتحة مثل الأبيض والفيروزي والأحمر والأخضر الزمرد، تخترقها كأنها انفراجات تعكس المراحل التي يمر بها من يعانون من الاكتئاب. فالحالة السوداوية قد تكون قوية، لكن لا بد أن تتخللها انفراجات نفسية بين الفينة والأخرى. يعترف قاضي بأن حالته النفسية كانت سيئة إلى حد أنه كان يفكر جدياً في إلغاء تشكيلته لهذا الموسم. لحسن الحظ نجح فريق عمله في إقناعه بأن حالته ستزداد سوءاً في حال استسلامه لها. كانوا يعرفون أن العمل دواؤه الوحيد. وهكذا بدأ العمل معتمداً على الأسود أولاً والأبيض ثانياً، وكلما تحسنت حالته النفسية كلما انفرجت أساريره ونفسيته خفت سوداوية ألوانه وأضاف أألواناً فاتحة أو متوهجة. كان فريق عمله يحفزه وكان هو يطالبهم بإعطاء أفضل ما عندهم. فقد تطلبت كل قطعة نحو 1200 ساعة تقريباً من العمل لإنجازها بالشكل الذي كان راضياً عنه.
عشق قاضي التطريز والتقاليد القديمة في الصناعات اليدوية منذ زمن بعيد لا يتذكر بدايته بالتحديد. هذا العشق هو الذي شجعه على دراسة الموضة واحترافها.
تخرج من معهد إسمود في عام 2008 وتدرب مع المصمم ربيع كيروز قبل أن يُطلق داره الخاصة في عام 2011. في عام 2014 بدأ يشارك على هامش أسبوع الموضة الباريسي للـ«هوت كوتير»، ومنذ الموسم الأول نجح في جذب الانتباه إليه كمصمم شاب متمرد عن المتعارف عليه وباحث عن الجديد، سواءً من خلال التقنيات المتطورة التي يدمجها مع تقاليد حرفية قديمة، أو من خلال تصاميم قد تستحضر رومانسية تصاميم كريستيان ديور لكنها مفعمة بالعصرية.
أسأله في النهاية إن كان قد حصل على السلام النفسي بعد هذه التشكيلة؟ يجيب: «لا، لم أجد السكينة بالمعنى المطلق لكني وجدت الإلهام».



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.