أخيراً، وبعد مرور 73 يوماً، أوقفت كل من الهند والصين حالة التصعيد العسكري بينهما على هضبة دوكلام، الإقليم الحدودي الواقع في دولة بوتان، وهي من أوثق حلفاء الهند، التي قفزت إلى مسرح الأحداث إثر النزاع الذي اندلع أخيراً بين بكين ونيودلهي في جبال الهيمالايا.
وعلى الرغم من أن العملاقين الآسيويين قد تجنبا الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة في المنطقة، فإن بعض الدول الصغيرة في جنوب آسيا قد أصبحت، من الناحية الدبلوماسية، ساحة المعركة الفعلية للصراعات الجيو - سياسية بين الهند والصين، الساعيتين إلى فرض التفوق الإقليمي. والصين في عهد الرئيس شي جينبينغ تتحدى، وبكل صراحة، الموقف الهندي، من خلال تعميق شراكتها مع باكستان، عدو الهند اللدود، والتودد إلى نيبال وبنغلاديش وسريلانكا وميانمار وجزر المالديف، عبر الصفقات التجارية السخية، وقروض مشاريع البنية التحتية.
وبوتان هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ظلت خارج مجال النفوذ الصيني، وتربطها علاقات قوية للغاية مع الهند، ولقد رفضت طلبات الصين المتكررة لإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، وكافأتها الهند على ولائها المطلق بصفقات استثمارية بمليارات الدولارات، ساعدت في جلب المملكة التي يبلغ تعداد سكانها 800 ألف نسمة إلى العصر الحديث. كما أن كثيراً من سكان بوتان لا يثقون في الصين بسبب ضم إقليم التبت لأراضيها في عام 1951، وهي المنطقة البوذية الكبيرة التي كانت تشتمل على بوتان من قبل. ويعد كل ذلك انعكاساً على النفوذ الدولي المتزايد للصين، في الوقت الذي يبدو فيه الدور الأميركي متراجعاً على الصعيد العالمي.
- التنافس في نيبال
كانت آخر حالة من حالات التنافس بين الجانبين هي الصراع للهيمنة الجيو - سياسية في دولة نيبال، الواقعة في جبال الهيمالايا، التي تجمعها حدود مشتركة مع كل من الصين والهند، وتربطها علاقات تقليدية وتاريخية وثيقة مع الهند. وتعتبر نيبال منعزلة إلى حد كبير عن التجارة الدولية، وتعتمد في اقتصادها على المعونات والتحويلات المالية من الخارج. ولقد انخفض النمو بشكل كبير إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في عام 2015، ولكن من المتوقع أن يعود لطبيعته عند مستوى 5 نقاط مئوية، اعتباراً من عام 2018 - وهو أبطأ معدلات النمو في قارة آسيا قاطبة - وفقاً لتقارير البنك الدولي.
وشهدت العلاقات بين نيبال والهند نوعاً من التوتر خلال السنوات القليلة الماضية، رغم اعتمادها الكامل على الهند - التي تشترك معها في حدود بطول 1400 كيلومتر - في صادراتها ووارداتها. وفي السنوات الأخيرة، بدأت تميل كاتماندو تجاه بكين، كجزء من حملة قومية للحد من اعتماد البلاد على نيودلهي التي تجني المكاسب الاقتصادية الهائلة من وراء ذلك. وشهد عام 2016 تجاوز الصين للدور الهندي في القيام بدور المتبرع، من حيث المساعدات الكبرى، في نيبال.
وفي الآونة الأخيرة، اختار رئيس الوزراء في نيبال شير باهادور ديوبا السفر إلى نيودلهي لمدة 5 أيام، في أول زيارة رسمية خارجية بعد توليه منصبه الجديد. وتكتسب تلك الزيارة المزيد من الأهمية في ظل مواجهات هضبة دوكلام، التي شهدت التسوية المشار إليها حال زيارة ديوبا إلى الهند.
ويمكن النظر إلى زيارة ديوبا كمحاولة من كلا الجانبين للحد من أزمة الثقة التي نشأت، إثر عدم اعتراف الهند بالدستور في نيبال. ومنذ فترة طويلة، افترضت النخبة الحاكمة والأحزاب السياسية في كاتماندو أن الهند كانت تستغل قضية حقوق الأقلية في إعاقة عملية صياغة الدستور الجديد.
ومن المقدر أن تصل الاستثمارات الهندية في نيبال إلى 5 مليارات دولار، في مجالات خطوط النقل العابرة للحدود والسياحة والتعليم وتنمية الطاقة المائية والزراعة. ويقول الدكتور نيهار ناياك، مؤلف كتاب «استراتيجيات الهيمالايا: جمهورية نيبال والقوى الخارجية»، وبشكل قاطع: «إن نيل ثقة نيبال هو أفضل رهانات الهند لمواجهة الصين».
ومن المثير للاهتمام، في حين أن الجانبين يقفان في مواجهة بعضهما بعضاً في هضبة دوكلام نقطة الاتصال الثلاثية مع بوتان، ذكرت المصادر والمعلقون السياسيون أن الصين قد حرضت نيبال أيضاً على إشعال إشكالية حدودية غير مستقرة في جبال الهيمالايا مع الهند في نقطة الالتقاء الثلاثية بين الهند ونيبال والصين، المعروفة باسم ليبوليخ. ولقد راقبت بكين زيارة ديوبا إلى نيودلهي بمزيد من الاهتمام، بيد أنها شعرت بخيبة أمل كبيرة لأن الزعيم النيبالي لم يلتزم بما تعهد به.
- الصين تتودد إلى نيبال
جدير بالذكر أن نائب رئيس مجلس الدولة الصيني وانغ يانغ كان في زيارة إلى كاتماندو، على رأس وفد كبير، سبقت زيارة ديوبا إلى نيودلهي. ولقد تعهدت بكين بتقديم 8.3 مليار دولار لبناء الطرق ومحطات الطاقة الكهرومائية في نيبال. وفي جزء من مبادرتها الطموحة تحت شعار «حزام واحد وطريق واحد»، تبحث بكين عن إمكانية ربط كاتماندو مع لهاسا في التبت عن طريق السكك الحديدية التي تعبر جبال الهيمالايا، بتكلفة قدرت بنحو 8 مليارات دولار. ولقد اختارت كاتماندو ركوب الموجة الصينية الطموحة، من خلال المبادرة التجارية الطموحة، على الرغم من المعارضة الهندية الشديدة للمبادرة الصينية.
كما عرضت الصين مساعدات إنسانية إلى نيبال، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقيات مهمة للتعاون في استكشاف النفط والغاز الطبيعي مع تلك الدولة الصغيرة التي تكبدت خسائر اقتصادية ضخمة أخيراً بسبب الفيضانات العارمة. وفي جزء من هذه الاتفاقيات، سوف تقدم الصين نحو 150 مليون دولار إلى نيبال بغية إصلاح وإعادة بناء طريق كوداري السريع، الذي دمر خلال زلزال عام 2015. كما اتفق الجانبان أيضاً على استكشاف قطاعات أخرى من التعاون، مثل السياحة.
وأثارت هذه الخطوة غضب الهند. ووفقاً للصحافي النيبالي بيسواس بارال: «يجب على الهند أن تتقبل فكرة أن تتعامل نيبال مع بقية دول العالم، بما في ذلك الصين. فهناك شعور في كاتماندو أنه إن لم تنوع من مصادرها التجارية بعيداً عن الهند، التي تجري معها في الوقت الحالي 70 في المائة من الأعمال، فسوف تقع مرة أخرى ضحية الاستبداد الهندي في المستقبل. وهذا يفسر توجهات نيبال الأخيرة نحو الصين، بهدف موازنة النفوذ الهندي هناك، وإعادة التوازن السياسي، كما تشعر نيبال، من الإجراءات التي تأخرت كثيراً».
وأردف يقول إن رغبة نيبال في إقامة علاقات طيبة مع الصين لا تعني أنها تقلل من قيمة العلاقات القائمة مع الهند، أو أنها تعمل ضد المصالح الهندية. وفي واقع الأمر، إن كل الأحزاب السياسية الكبرى في نيبال تدرك تماماً طبيعة الحساسيات الهندية إزاء الأمر. كما أنهم يدركون أيضاً أن العلاقات البشرية العميقة بين نيبال والهند قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المحال، تكرارها مع الصين، إذ إن التأثير الثقافي الهندي في نيبال هو السائد من دون شك. وعلى نحو مماثل، فإن الشعبين الهندي والنيبالي يختلطان ويمتزجان بكل سلاسة عبر الحدود المشتركة المفتوحة، ولكن الحدود مع الصين خاضعة لنظام صارم، وبكين لن توافق أبداً على الفتح الكامل للحدود المشتركة بين البلدين، أو على إقليم التبت، من أجل مصلحة نيبال.
والانتشار الصيني السريع في مختلف قطاعات الاقتصاد النيبالي يثير القلق لدى الكثيرين. فالناس يستيقظون ببطء على الواقع المؤلم بأنه ليس هناك شيء مجاني عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين، إذ إن كل المشاريع التنموية لا بد لها من مقابل وتكلفة.
وقال رئيس إحدى المؤسسات البحثية في العاصمة النيبالية كاتماندو: «إن اعتبرنا أن الهند والصين مسمارين كبيرين، فإن المسمار الصيني عديم الرأس، بمجرد دخوله سيكون من الصعب للغاية اقتلاعه مرة أخرى».
ومساعدة نيبال وبوتان، اللتان تشتركان في الحدود مع كل من الهند والصين، يحافظ على السيادة الوطنية بالمعنى الكامل للكلمة، مع المحافظة على العلاقات الثنائية على نحو سلس، باعتباره التحدي الرئيسي للهند خلال السنوات المقبلة.
- مناقشة الخلافات على هامش قمة {بريكس}
نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن الرئيس الصيني شي جينبينغ القول، في اجتماع مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، خلال فعاليات قمة «بريكس» في شيامن، أمس (الثلاثاء)، إنه «على استعداد للعمل مع الهند بناء على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي». وتأتي هذه التعليقات بعد أسبوع من اتفاق الصين والهند على إنهاء مواجهة استمرت شهوراً في منطقة دوكلام المتنازع عليها في منطقة الهيمالايا. وقد انسحبت القوات الهندية من المنطقة المتنازع عليها. ويشار إلى أن المواجهة بين الدولتين بدأت منذ يونيو (حزيران) بسبب المنطقة الجبلية الواقعة بالقرب من حدود الصين والهند وبوتان. وكانت تريد الصين بناء طريق عبر المنطقة، وردت الهند بإرسال جنود لإجلاء العمال العسكريين الصينيين.