صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

الغريب أن يلتقي التنظيم ذو الأصل «الزرقاوي» مع عدوه التاريخي الذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

صفقة «داعش» و«حزب الله» تكشف المستور

قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)
قافلة من سيارات الإسعاف تنقل جرحى «داعش» من الجرود إلى شرق سوريا بموجب الصفقة الجديدة مع «حزب الله» (أ.ف.ب)

تأتي الوقائع على عكس مضامين وأهداف الأضداد الأصولية وجماعات التطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، ففي النهاية المصلحة مقدمة على سواها. ورغم تكدس مفردات التوحد والتوحيد بين الفصائل المسلحة، كانت الحرب فيما بينها أبرز وقائعها، وكانت الزعامة والتغلب أعلى أهدافها، بل إن غريزة بقاء التنظيم وانتصار الكيان الميكافيلية أعمق عندها من الانتصار الآيديولوجي أو العقدي الذي ينتحر في سبيله العوام فقط.

بينما يحضر الآخر الطائفي مدنسّاً عند عوام وعناصر التطرف في الجهتين، لم يمنع الواقع وأكدت الوقائع إمكانية تقاربهما في تحقيق مصلحة مشتركة، هكذا التقت عناصر «القاعدة» المتورطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001 مع عناصر الحرس الثوري، وكانت إيران ملاذاً آمناً لعناصرها، وتم تدريب بعض طلائعها المقاتلة على يد عناصر «حزب الله» وقائدها الراحل عماد مغنية، كما أثبتت وثائق وتقرير سبتمبر فيما بعد.
لكن الغريب أن تلتقي «داعش»، ذات الأصل الزرقاوي وتتفق مع حزب الله، عدوها التاريخي، والذراع الأبرز لنظام الولي الفقيه الإيراني والداعم الأهم لبقاء النظام السوري، وبرعاية الأخير، كما شهدنا في اتفاقية - أو صفقة - «حزب الله» الأخيرة - مع عناصر «داعش»، أواخر أغسطس (آب) الماضي.
ولكن إذا استحضرنا أن الزرقاوي نفسه بعد حرب أفغانستان وفراره من هيرات أقام عامين في إيران، كما ذكر سيف العدل القائد العسكري لـ«القاعدة» في سيرته وترجمته فيما بعد، وأن كثيرين غيره كذلك كان ملاذهم فيها، كما كانت وصايا بن لادن تتوالى توصي بإيران خيراً، وبعدم استهدافها لأسباب مختلفة، وليس فقط بسبب لواذ ولجوء عشرات الأسر لعناصر «القاعدة» بها، كما أثبتت وثائق أبوت آباد التي وُجدت في بيته، لبدا الأمر ممكناً ومحتملاً باستمرار.
ونرى احتمالية التلاقي بين «داعش» و«الجهاديات الإيرانية» قائمة دائماً، - كون الأخيرة تابعة نظام ودولة الولي الفقيه تستهدف مصالحها وحماية حلفائها وأوليائها، هكذا فعل «حزب الله» في الاتفاق الأخير، وقبل الأسد ويسمح دائماً باتفاق منفرد لـ«حزب الله» مع «داعش» طالما أوجبت المصلحة ذلك، خصوصاً أن داعش في موقف ضعف بعد انهيار دولتها وسطوتها، ولكن في السابق - ووفق ما توجبه المصلحة أيضاً - ترك الأسد لها معسكر الطبقة حراً، كما ترك لها كثيراً من المدن ومخازن السلاح دون أن يلقي بالاً لغير نظامه وبقائه في سوريا، أو مخاطر قوتها على دول الجوار له، وفي السابق وبعد تحرير العراق من نظام صدام حسين سنة 2003 كانت الحدود السورية دائماً موئلاً ومورداً رئيسياً للمتطرفين من مختلف أنحاء العالم للدخول للعراق، وقد ثارت ثائرة المدن الشيعية مرات كثيرة تهتف بسقوط الإرهاب والنظام السوري الذي يدعمه وييسر له الطريق، كما كان في أحداث الحلة سنة 2008.

صفقة خطيرة وردود فعل غاضبة
أثار اتفاق «حزب الله» و«داعش» يوم السبت 26 أغسطس الماضي كثيراً من الأسئلة والهواجس، حيث التقى الشتيتان الأصوليان بعد الظن «كل الظن ألا تلاقيا»، واستثار هذا الاتفاق الكثير من الرفقاء والحلفاء لكل طرف، خصوصاً «حزب الله»، الطرف الأقوى في معادلته بعد تراجع «داعش»، ولكن كونه تم تحت رعاية نظام بشار الأسد، الذي ذكر أنه يوافق على مثل هذا من «حزب الله»، وأنه لا مانع لديه متى أراد الحزب - الذراع اللبنانية لنظام الولي الفقيه - لكنه لا يقبله من الجيش اللبناني إلا بعد الاستئذان وطلب ذلك، كما جاء في تصريحات للسيد حسن نصر الأمين العام لـ«حزب الله» يوم 1 سبتمبر (أيلول) الحالي، نشرتها وكالة «إرنا» الإيرانية وإعلام الحزب.
وقد كشف «حزب الله» وذراعه الإعلامية يوم الأحد 27 أغسطس الماضي أنه سيتم نقل قافلة مسلحي «داعش» ستنسحب من الحدود اللبنانية - السورية إلى مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، عبر اتفاق بين الطرفين السبت 26 أغسطس، وافقت عليه دمشق. وقال الإعلام المركزي الحربي في بيان أمس، إن المنطقة التي ستتوجه إليها قافلة مسلحي «داعش» وعائلاتهم هي مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الشرقي، بحسب ما تم الاتفاق عليه.
تساءل البعض عن صمت مرجعية النجف وعدم إدانة اتفاق «حزب الله» و«داعش» على نقل عناصر «داعش» من الجرود اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، التي تمتد لأكثر من ستمائة كيلومتر، وتهدد عودة عناصر «داعش» إليها عودة خطرها من جديد رغم الانتصارات الأخيرة التي حققها التحالف والجيش العراقي في نينوى وتلعفر وغيرها، ولكن يبدو أن المرجعية واعية بالهدف الإيراني الذي يعمل لمصلحة الأسد، ولم يشغله صالح العراق طويلاً. تصاعد الرفض العراقي الرسمي ممثلاً في تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء 29 أغسطس الماضي، وكذلك الكتل السياسية العراقية المختلفة لرفض اتفاق «حزب الله» و«داعش» برعاية النظام السوري، الذي يقضي بنقل عناصر التنظيم من الحدود اللبنانية السورية إلى الحدود العراقية السورية، مهد الطريق لكثير من الانتقادات التي تصاعدت، مناشدة العبادي رفض الصفقة والمطالبة بإلغائها.
حذر سليم الجبوري رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء 30 أغسطس من العودة إلى المربع الأول والتنكر لـ«دماء الشهداء»، مؤكداً رفضه لأي اتفاق من شأنه أن يعيد تنظيم داعش إلى العراق أو يقربه من حدوده، وأضاف أن العراق لن يدفع ضريبة اتفاقات أو توافقات تمس أمنه واستقراره. ودعا الحكومة الاتحادية لاتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل مواجهة تداعيات هذه الصفقة.كما وجه لجنة الأمن والدفاع بالتحرك السريع لتقصي الحقائق وتقديم تقرير مفصل يوضح لمجلس النواب تداعيات الاتفاق المبرم بين «حزب الله» وتنظيم داعش الإرهابي، وانعكاساته على أمن واستقرار البلد. يُذكَر أن وصول المزيد من عناصر «داعش» إلى منطقة دير الزور بعد نقلهم من الجرود اللبنانية بالاتفاق مع حزب الله، سيسمح لتنظيم داعش بإعادة ترتيب صفوفه في المحافظة الاستراتيجية وقد تخول له شن هجمات انتقامية ضد العراق انطلاقاً من سوريا، خصوصاً أن المسافة من مركز دير الزور إلى الأراضي العراقية هي نحو مائة كيلومتر فقط.

تناقضات المواقف
ما فعله السيد نصر الله و«حزب الله» في صفقته مع «داعش»، أواخر أغطس الماضي، من السماح بنقل قافلة من مسلحي «داعش» لمدينة البوكمال السورية على الحدود السورية العراقية، هو ما رفضه أمين عام الحزب قبل شهور من القوات العراقية حين شرعت في حربها لتحرير الموصل خوفاً منه لانتقال مسلحي «داعش» للمنطقة الشرقية في سوريا.
فقد خطب أمين عام «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصر، بعد تقدم الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي نحو الموصل، وقبل انتهاء المعركة، حيث خطب أمين عام «حزب الله» في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي (2016) ناصحاً العراقيين برفض ما سماه «الصفقة الأميركية»، وطرد عناصر وفلول داعش إلى الداخل السوري، محذراً العراقيين جميعاً مما فعله بعد ذلك.
ففي خطبته المذكورة ذكر السيد نصر ضرورة الحذر من عودة «داعش» إلى سوريا، حال تقدم العراقيون وانتصروا في الموصل، مما يكرره دائماً، وفي مواقف متناقضة من عدم الانصياع للخداع الأميركي في ترك مقاتلي «داعش» يتكتلون في المنطقة الشرقية في سوريا، ومعتبراً ذلك ضد صالح العراقيين والسوريين على السواء.
حذر نصر الله في خطابه المذكور من ذلك قائلا: «إنه سيضيع انتصاركم في الموصل، الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب (داعش)، وأن يُعتَقَل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون ويحاكموا محاكمة عادلة، لا أن يُفتح لهم الطريق إلى سوريا، لأن وجودهم في سوريا سيشكل خطراً كبيراً على العراق قبل كل شيء»، لكن هذا الإصرار حين تعلق الأمر بمصلحته وصالحه وصالح نظام بشار الأسد كان ممكناً، كما عبَّرَت عنه صفقة «حزب الله» الأخيرة مع «داعش» في الجرود التي وقعت في أغسطس الماضي.
كانت تحفظات السيد نصر الله على إجراء مثل هذا، والتحذير الاستباقي منه، قائمة على سببين رئيسيين، هما ما يثير المتحفظين على اتفاقه الأخير، الذي يقضي باقتراب فلول «داعش» ومسلحيه من الحدود العراقية من جديد، هما كما يلي:
أولاً: أن (داعش) سيستغل وجوده العسكري والأمني في المنطقة الشرقية في سوريا (يعني على الحدود الغربية للعراق)، لتنفيذ عمليات أمنية وإرهابية وانتحارية حيث تصل أيديه في داخل العراق، وبالتالي سيضطر الجيش العراقي للدخول لهذه المنطقة.
ثانيا: في تحذيره السابق في أكتوبر سنة 2016 حذر السيد نصر الله من عودة داعش للعراق حال نقل مسلحوها للمنطقة الشرقية في سوريا، وأنها في هذه الحالة «سوف تحشد لتعود من جديد إلى العراق، أساساً قبل سنوات عندما كانت الأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى الموصل في يد الحكومة العراقية، من أين دخلتها (داعش)؟ دخلتها من الرقة، من دير الزور، من المنطقة الشرقية في سوريا».
وهذه النقطة التي ذكرها السيد نصر الله مغالطة غير صحيحة تاريخياً؛ فـ«داعش» انطلق من العراق بعد فض الاعتصام الأمني بالقوة في عهد نوري المالكي، ووجد فرصته وقوته التي انطلق بها إلى سوريا، مما خلفته قوات المالكي وراءها من أسلحة وذخائر، فالعراق كان منطلقه وقوته وصحوته، بينما ظلت الجبهة السورية مشتعلة من حوله، سواء ضد الجبهات المسلحة الأخرى، أو قوى النظام والقوات الموالية له، ولكن الرجل على ما يبدو ينسى كلامه أو يتناساه، ولكن تبقى دائماً في خطاباته ومبرراته شماعة المؤامرة و«الشيطان الأكبر» أو «الخداع الأميركي» كما يسميه.
ختاماً، تكشف صفقة «حزب الله»... «داعش» أن مصلحة النظام السوري في الأجندة الإيرانية مقدمة على سواه ولو كان النظام والشعب العراقي، الذي تكبد الكثير في معاركه ضد «داعش» خلال الشهور الأخيرة، وأن إيران الدولة التي تحتفظ بعشرات الجماعات ومجموعات التطرف العنيف - أحزاب الله الموالية لها - للدفاع عن هويتها ودورها لن ترتدع استثناء بين دول العالم والمنطقة أن تتفق مع جماعات كـ«داعش» أو «القاعدة» في السابق متى استوجبت المصلحة والضرورة ذلك.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.