«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (5)‬: جورج كلوني يعود مخرجاً

«فيكتوريا وعبدول»... الملكة التي أحبّت عبد الكريم‬

علي فضل وجودي دنش في «فيكتوريا وعبدول»
علي فضل وجودي دنش في «فيكتوريا وعبدول»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (5)‬: جورج كلوني يعود مخرجاً

علي فضل وجودي دنش في «فيكتوريا وعبدول»
علي فضل وجودي دنش في «فيكتوريا وعبدول»

مات دامون في فيلم ثان له في المسابقة الرسمية التي بلغت مطلع منتصفها الثاني (تستمر حتى الحادي عشر من الشهر). الأول كان «تصغير» كما تقدم معنا. فيلم ألكسندر باين المستقبلي المختلف عن المعهود حيث لعب مات دامون دور الزوج الذي يقبل بتصغير نفسه للإسهام في إنقاذ البشرية من مجاعة محتملة نتيجة ازدياد عدد السكان والاستهلاك.
الفيلم الثاني هو «سبر بيكون» لجورج كلوني. وهي المرّة الثانية التي يؤدي فيها دامون بطولة فيلم من إخراج جورج كلوني (الأول «رجال النَصَب» 2014) وهو يبدأ بتمهيد يعرف هذه البلدة الصغيرة سبر بيكون (اسم خيالي) التي تقع في مكان ما في أميركا الخمسينات. إنها، يقول الفيلم، بلدة جديدة بعيدة عن زحمة المدن الكبيرة ومؤسسة كما لو كانت حلماً: الشوارع واسعة، المنازل جميلة وملوّنة، لا ناطحات سحاب، ولا مصانع بمداخن ولا... سود.
نعم كلهم بيض في هذه البلدة وهم يعيشون في وئام، لذلك فإن انتقال عائلة سوداء إلى ذلك المرتع الجميل وجم الجميع بالدهشة... كيف يحدث هذا؟
غاردنر لودج (دامون) موظف في مركز مهم في أحد المؤسسات المالية. متزوّج من امرأة (جوليان مور) ولديه ولد (نواه جوب). تعيش معهما شقيقة الزوجة (جوليان مور أيضاً) وفي يوم يقتحم رجلان البيت ويروعان من فيه. نتيجة ذلك أن أحدهما قتل الزوجة بتكميم أنفها بمادة سامة. عندما يُتاح لغاردنر وشقيقة زوجته مارغريت النظر إلى مجموعة من المشتبه بهم الذين جمعهم رجال البوليس فلقد يتعرفان على الجانيين. لكن غاردنر ومارغريت ينكران أنهما شاهدا أياً من المشتبه بهم وهما يكذبان. الابن نيكي يعلم ذلك لأنه شاهد الجانيين في عداد الموقوفين.
الأمور تتبدّى سريعاً بعد ذلك: غاردنر مع مارغريت دبّرا قتل الزوجة طمعاً في بوليصة التأمين وحتى يبدو الأمر «طبيعياً» تم استئجار خدمات رجلين، أحدهما مخيف وشرس، فقاما بالتمثيلية التي نراها في الدقائق الأولى من الفيلم.
يكتشف الصبي كل ذلك وسواه ويصبح، من دون الإفصاح، عن الأحداث اللاحقة، موضع خطر. القضية تفلت من بين أصابع غاردنر والضحايا تتكاثر.
- تطابق
على أن ما سبق ليس سوى جانب من الفيلم. على الجانب الآخر هناك العداء المتصاعد لوجود العائلة الأفرو - أميركية في قلب الحي الأبيض وهو يبلغ ذروته الأولى عندما يصطف الرعاع عند جانب البيت يضربون الطبول وينفخون في المزامير ويطرقون غطاء الطناجر لإزعاج تلك العائلة (ثلاثة أفراد). الذروة الثانية عندما يقرر هؤلاء - وقد فشلوا في تحقيق أي رد فعل من العائلة - ترويعها بحرق السيارة ومحاولة اقتحام البيت ذاته رغم محاولة رجال البوليس (قلّة) دفع المتظاهرين بعيداً.
جورج كلوني يضم الجانب البوليسي السابق للفيلم إلى الجانب الاجتماعي معه بتطابق جيد. في الأساس ما كان يحدث على كل من هذين الجانبين هو صدى لتفكير واحد منشأه الرجل الأبيض المادي والعنصري. في النهاية تتحدث إحدى الجارات لمراسلة تلفزيونية فتلوم ما وقع من جرائم قتل في محيط حياة غاردنر على العائلة السوداء التي لا دخل لها فتقول: «منذ أن انتقلت تلك العائلة إلى هذا المكان، لم يعد هناك أمان».
أن يكون جورج كلوني مخرجاً مهتماً بمضامين سياسية، فهذا معروف جداً. كل أفلامه السابقة، مخرجاً (وعدد آخر من تمثيله فقط) حوت مضامينها الانتقادية وبعض أفضلها دار في الخمسينات، أيام المكارثية (Good Night and Good Luck سنة 2005).
من هذا الجانب فإن Suburbicon لا يختلف أو يتميّز ولو أنه موقوت (بفعل الصدفة) ليذكر بأحداث شارلوتسفيل العنصرية الأخيرة. كلوني يوصم الحدود الضيقة للبيض (في النهاية يظهر آخرون أكثر تعاطفاً مع العائلة السوداء) ويظهر بشاعة العنصرية ويوازيها ببشاعة الجرائم الفردية التي ارتكبها غاردنر وشركاه.
في هذا الإطار، ليس عجيباً أن يتذكر المشاهد فيلم Fargo للأخوين إيتان وجووَل كووَن 1996 وهو تشابه سهل الاصطياد تحدث عنه الجميع هنا كون ذلك الفيلم يتحدث عن زوج دبّر خطف زوجته لكي يرثها أيضاً. لكن هذا لا يجب أن يكون أمراً مثيراً للدهشة لأن سيناريو «سوبربيكان» من وضع الأخوين كووَن في الأساس، إذ كتباه في التسعينات (بعد «فارغو») لكنهما لم ينجزاه فيلماً. جورج كلوني اشتراه وأعاد كتابته. أفلام كووَن لها تعليقها الاجتماعي لكنه تعليق محدود وبارد. يفضلان الحديث عن الشخصيات أكثر بكثير من الحديث حول مجتمع أو بيئة هذه الشخصيات. كلوني يضع الناحيتين في واجهة واحدة
- انسياب مرح
تتصاعد الأمور على نحو مختلف في فيلم ستيفن فريرز الجديد «فيكتوريا وعبدول» المعروض خارج المسابقة. هو الفيلم البريطاني الذي يستفيد من خلفية مخرجه المذكور الجيدة كراوٍ جيد للأحداث، بقدر ما هو مسلّط أضوائه على محيطها الخاص.
في «فيكتوريا وعبدول» لا يوجد تعليق اجتماعي ما، لكن مكان الحدث وتفاوت خلفيات شخصياته يحل مكان هذا الوضع على نحو طبيعي ومناسب. ومطلع الفيلم يذكر أن الحكاية التي سنشاهدها وقعت بالفعل. لاحقاً يدرك المتابع الجيد مكامن الواقع الذي تم تلبيسه رداءً درامياً ليناسب المقام.
يفتتح الفيلم أحداثه على سطح دار ونرى محمد عبد الكريم (الذي عُرف بعبد الكريم وبعبدول) وهو يصلي. لاحقاً سيشق طريقه المزدحم بسرعة ليبدأ عمله كمدون في أحد السجون. في ذلك اليوم كان الإنجليز يبحثون عن هنديين طويلي القامة يقومان بخدمة الملكة صباحاً. عبد الكريم كان الأطول بين الموظفين أما الثاني فتم اختياره اضطراراً واسمه محمد وهو قصير وبدين ولا يعتبر زيارة بلاد الإنجليز شأناً مبهجاً.
يمطر مسؤولو القصر عبد الكريم ومحمد بالإرشادات. ماذا يستطيعان فعله وما لا يستطيعان (قائمة أطول). وفي اليوم الأول تم كل شيء على ما يرام. في اليوم الثاني يجرؤ عبدول النظر إلى الملكة رغم أن ذلك ممنوع عليه. تلحظ الملكة (التي تكبره بعشرات السنين) نظراته تلك فتطلب من حاشيتها أن يكون خادمها الخاص، ثم معلّمها بعدما أخذت تعرف المزيد عن الهند والإسلام والقرآن الكريم. ثم تقرر أن تستضيفه في جناح مع زوجته وأم زوجته وخادم ولد وتغدق عليه، كما نلاحظ، بالملابس والهدايا وهي واصلت تعزيز مكانته على الرغم من احتجاج حاشيتها كلهم ورئيس الوزراء و - خصوصاً - ابنها ولي العهد إدوارد السابع.
يمر الفيلم، في نحو ساعتين على كل تلك المراحل في انسياب مرح لكنه لا يقفز بينها على نحو من يريد الوصول إلى مفاد وراء كل فصل من الأحداث. يترك المفادات تتبلور في الوقت الماثل الذي نرى فيه المشاهد وأهمها كيف أن عبدول جذب اهتمام الملكة فحسب، بل حبها لثقافته ولشأنه ولكلماته ومداركه كما حباً به. ليس الحب الذي لا تعترف به الملكة بالفارق الكبير في السن وفي المقام، بل ذلك الناتج عن دهشتها لأخلاقيات لم تعهدها حتى بين رجال ونساء حاشيتها. عندما تقرر أن تمنحه لقب «لورد» يشعرها هؤلاء بأنها تجاوزت الحدود. يتحدث ابنها لها طالباً منها الكف عما تقوم به لأنها تعرض القصر لسمعة ليست في مكانته. تتراجع عن منح اللقب لكنها تنتقل إلى سواه. كل ذلك وعبدول متحمّل لإهانات الحاشية حباً بها وتقديراً.
الخطوط الرئيسية في السيناريو الذي كتبه لي هول عن كتاب لشراباني باسو تتطابق والخطوط الرئيسية في الواقع. الهندي محمد عبد الكريم (1892 - 1909) صاحب الملكة كوصيف خاص لمدة خمسة عشر سنة انتهت بوفاتها وقيام ابنها بطرده وحرق ممتلكاته. وهو توفي بعد ثماني سنوات من وفاة الملكة فيكتوريا. الاستثناءات التي لم يكن في وسع الفيلم ضمها إلى ما يعرضه هي في التفاصيل المهمّة بحد ذاتها. مثلاً، هو الذي اشتكى من أن خلفيّته لا تناسب وضعه في القصر كخادم. وكان ذلك بعدما لاحظته بين كل من يخدمها وميّزته. أعربت عن وسامته وجاذبيته وذكائه ولاحظت: «أنا متيمة جداً به. إنه طيب ورقيق ومتفهم لما أطلبه».
على الشاشة، لا يحتاج المخرج فريرز الذهاب لما بعد ما استطاع تجسيده من ملامح تلك العلاقة. اكتفى بتوفير قراءتها بوضوح راسماً في الوقت ذاته إطاراً شبه كوميدي لها معظمه آت من ردات الفعل الناتجة عن صد الحاشية لوجود هذا الهندي المسلم في القصر متمتعاً بالمزايا التي كانت حكراً على المواطنين البريطانيين فقط.
في خلال عرضه يضحك فريرز على الثوابت التي تتحكم في التصرفات البيروقراطية. وصم بعض رجال البلاط وإدوار السابع بالعنصرية مانحاً بطليه (جودي دنش في دور الملكة وفي أوج موهبتها الأدائية وعلي فضل في دور عبدول) عناية فائقة كون التحدي هو ألا يفشل أحدهما في الإخلال أو التراجع عن مستوى الآخر، كل حسب دوره.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
رياضة سعودية السباق سيقام في الفترة المسائية على مسافة اثنين من الكيلومترات (واس)

«مهرجان الإبل»: تأهب لانطلاق ماراثون هجن السيدات

تشهد سباقات الهجن على «ميدان الملك عبد العزيز» بالصياهد في الرياض، الجمعة المقبل، ماراثوناً نسائياً يُقام في الفترة المسائية على مسافة اثنين من الكيلومترات.

«الشرق الأوسط» (الصياهد (الرياض))
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».