الحرب تفاقم ظاهرة زواج القاصرات في سوريا

ارتفعت من 7 إلى 30 % عام 2015... ومعظمها لا يسجّل في المحاكم

نازحات سوريات إلى لبنان في مخيم بالبقاع الشرقي (رويترز)
نازحات سوريات إلى لبنان في مخيم بالبقاع الشرقي (رويترز)
TT

الحرب تفاقم ظاهرة زواج القاصرات في سوريا

نازحات سوريات إلى لبنان في مخيم بالبقاع الشرقي (رويترز)
نازحات سوريات إلى لبنان في مخيم بالبقاع الشرقي (رويترز)

ساهمت الحرب في سوريا في تفاقم وتزايد ظاهرة زواج القاصرات لأسباب عدّة، بحيث سجّل ارتفاع لعدد الزيجات المعقودة لقاصرات من 7 إلى 30 في المائة في عام 2015، بحسب تقرير أعده المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.
وأشار التقرير إلى أن هذه الظاهرة ترتبط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية، حيث إن انتشارها يختلف تبعاً للبيئة والظروف المحيطة بالفتاة القاصر، موضحاً أن نسبة تزويج القاصرات في سوريا قبل الأحداث الدامية بلغت نحو 7 في المائة من مجموع القاصرات السوريات، وأنها أخذت بالارتفاع والزيادة سنة بعد أخرى مع اشتداد الصراع والعنف المسلح، حتى بلغت 30 في المائة عام 2015، وأكد أنه وفق إحصائيات صادرة عن وزارة العدل في سوريا، فإن هذه النسبة تزيد كثيراً في مناطق الأرياف البعيدة عن العاصمة، إذ إن 60 في المائة من الزيجات غير المسجّلة في المحاكم الشرعية عقدت على قاصرات.
ووفق منظمة الأمم المتحدة، تتباين نسبة تزويج القاصرات بين دولة وأخرى من دول اللجوء. ففي الأردن، هناك 35 في المائة من مجموع زيجات اللاجئات السوريات زواج مبكر، بينما 32 في المائة من حالات الزواج بين اللاجئين في لبنان لفتيات تحت سن الثامنة عشر، ونسبة 25 في المائة لزواج القاصرات السوريات في مصر.
وخلص تقرير المركز السوري إلى انتشار هذه الظاهرة في مناطق سيطرة المعارضة المسلّحة، التي تتعرض للقصف وتعاني من الفقر، بحيث يتم تزويج القاصرات اللواتي يفتقدن إلى الإعالة والحماية، في حين أدت سيطرة ما سماها «القوى المتشددة»، والقيود التي كانت تفرضها على الفتيات، إلى اعتبار الزواج هو الحل الوحيد أمامهن، إضافة إلى اعتباره جزءاً من التعبئة والنشاط الدعوي بالنسبة إلى هذه القوى، وما بات يعرف في مناطق سيطرة تنظيم داعش باسم «نكاح الجهاد»، واستخدام الفتيات كغنائم حرب، وتحويلهن إلى سبايا.
ويعدّد التقرير أسباباً أساسية تقف خلف تزايد هذه الظاهرة، أهمها الأعراف والتقاليد، ويضيف: «ساهمت حياة النزوح، واللجوء القسري، في مغازلة هذه التقاليد بقوة الأمر الواقع، حيث فرضت على العائلات النازحة واللاجئة الاختلاط بعائلات كثيرة أخرى، وفرضت العيش المشترك بينهم، وكان عدم تقبل اللاجئين والنازحين لهذا الوضع دافعاً لتدخل من العائلة، أو من الشركاء في العيش، لتزويج القاصرات تحت عنوان السترة، أو الحرام والحلال».
ويلعب العنف ضد الفتاة عاملاً في زواجها المبكر، ويشمل الأعمال التي تلحق بها ضرراً أو ألماً جسدياً أو عقلياً أو نفسياً أو جنسياً، وسائر أشكال الحرمان، وأهمها التعليم، وصولاً إلى إجبارها على الزواج. وقد بلغت حالات التسرب المدرسي مستويات كبيرة في سوريا حتى قبل الأزمة، خصوصاً في البيئات الريفية والفقيرة التي تعمد إلى إرسال أبنائها الذكور إلى العمل، وتزويج الفتيات للتخفيف من أعباء معيشتهم.
وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف الأطفال السوريين لا يذهبون إلى المدارس، وهو ما سينعكس على مستقبلهم، وعلى سوريا المستقبل، ومنها: خطر الأمية، وعمالة الأطفال، وزواج القاصرات.
ويشير التقرير إلى أن أغلب عقود الزواج التي تتم على قاصرات تجري خارج المحكمة، ويكون مثل هذا الزواج قصير الأجل، وهو ليس سوى غطاء قانوني للاستغلال الجنسي. ويأتي أخيراً، عدم تحديد سن للزواج، بسبب الفتاوى الدينية التي تدعو إلى تزويج القاصرات وتبرره، وتعطيه غطاء شرعياً من وحي الشريعة الإسلامية.
أمام هذا الواقع، يرى المركز السوري أن معاناة النازحين واللاجئين من الإهمال، ونقص الرعاية والخدمات، يجعلهم عرضة لكل أنواع الانتهاكات والحرمان. من هنا، يطالب بضرورة تقديم الخدمات اللازمة للاجئين والنازحين، وتوفير الأمن في مخيمات اللجوء، وقطع الطريق على عصابات الجنس وخطف النساء والتحرش بهن، ومحاسبتهم على جرائمهم، وهي جميعاً من الوسائل التي تحد من انتشار تزويج القاصرات. كذلك يؤكد على أهمية إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، ورفع التحفظات عن اتفاقية «سيداو» التي من شأنها الحد، بل القضاء على زواج القاصرات الذي يعتبر انتهاكاً صارخاً لأهم الاتفاقات الدولية التي تعنى بحقوق المرأة والطفل في آن، والموقع عليها من أغلب الدول، ومنها سوريا منذ عام 1989.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.