كريستينا فيرنانديز تخوض معركتها السياسية الأخيرة

الرئيسة الأرجنتينية السابقة تعول على قيادة المعارضة تمهيداً للترشح لرئاسة البلاد

TT

كريستينا فيرنانديز تخوض معركتها السياسية الأخيرة

بعد أسابيع من انتخابات تمهيدية للبلديات في الأرجنتين، والتي تقدم فيها الرئيس الحالي ماوريثيو ماكري وفرض فيها سطوته السياسية جاء قرار اللجنة العليا للانتخابات في الأرجنتين بعد ثلاثة أسابيع من عقد هذه الانتخابات بعد إعادة فرز الأصوات، ليؤكد أن الرئيسة السابقة للبلاد كريستينا فيرنانديز دي كريشنر حققت الفوز في العاصمة بوينس إيريس.
إعلان لجنة الانتخابات عن النتيجة بعد أسابيع من عقد الانتخابات التمهيدية في منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي فتح شهية التيار اليساري، والذي تتزعمه الرئيسة السابقة لكي تحشد الأصوات في الانتخابات التشريعية القادمة، والتي ستعقد في 22 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، مما قد يؤهل تيار اليسار البيروني في الأرجنتين من اجتذاب عدد لا بأس به من الأصوات.
وتعقد الانتخابات التشريعية لمجلس النواب الأرجنتيني، الذي يحتوى على 257 عضوا لإتمام تجديد عضوية نحو 127 عضوا فيه في الانتخابات المقبلة، والتي سيكون برلمانها من الفترة 2017 وحتى 2023 سيجدد لثلث أعضائه لفترة 4 سنوات من 2017 وحتى 2021.
هذا ويرى محللون أن الرئيس الأرجنتيني اليميني ماوريثيو ماكري يتمتع الآن بشعبية أكبر بكثير من تيار اليسار ومن كريستينا فيرنانديز نفسها، وذلك لتحريره الاقتصاد في البلاد، ومحاولته إعادة الأرجنتين على المسار المالي العالمي، إلا أن فريق الرئيسة السابقة يسعى إلى حشد الرأي العام في البلاد حول الأوضاع الاقتصادية وعدم تحسنها، في محاولة لاجتذاب أصوات الفقراء، وخاصة الأحياء الفقيرة في العاصمة بوينس إيريس.
تيار اليسار بزعامة كريستينا فيرنانديز يواجه أيضا مشاكل كبيرة، ويكفي فقط الإشارة إلى أنه في نهاية حكم الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز طال عدد من فريقها الحكومي عددا من تهم الفساد والرشى، وهو ما تسبب في تدني شعبية الرئيسة السابقة وخسارتها للانتخابات الماضية.
ويسعى اليسار بقيادة كريستينا فيرنانديز إلى العودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي، وذلك بعد إعلانها النية للترشح للانتخابات الرئاسية الأرجنتينية المقبلة في عام 2019. ومن جهة أخرى أشار باحثون سياسيون إلى أن كريستينا تعلم جيدا أن الرئيس الحالي ماكري يحظى بشعبية أكبر، وقد يكون له النصيب الأكبر في الانتخابات التشريعية المقبلة، لذا فقد يرى مراقبون أن الرئيسة السابقة تسعى إلى الفوز بعدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية المقبلة كي تعزز من موقفها لقيادة المعارضة داخل البرلمان المقبل، وهو ما قد يشكل ضغطاً على الحكومة الحالية، ويعزز فرص فوزها في الانتخابات القادمة.
ويحاول تيار اليسار بشكل عام في الأرجنتين تماماً مثل الجارة البرازيل الوصول إلى سدة الحكم مرة أخرى، وتدعم التيارات اليسارية بعضها في أميركا اللاتينية، حيث من المتوقع أن يترشح الرئيس السابق للبرازيل لولا دا سيلفا لرئاسة البرازيل القادمة، وهو ما يشكل محاولة من التيارات اليسارية للوصول إلى صناعة القرار. ويجدر بالذكر أن كريستينا فيرنانديز تتمتع بعلاقة جيدة مع نظيرها البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا، الذي يتقاسم مع الرئيسة فيرنانديز الكثير من وجهات النظر، ويتقاسم معها علاقات وثيقة.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.