النظام يعرقل هدنة ريف حمص برفض بحث ملف المعتقلين

فتح طريق حمص ـ حماة لإيصال المساعدات الإنسانية

جندي روسي في حمص (رويترز)
جندي روسي في حمص (رويترز)
TT

النظام يعرقل هدنة ريف حمص برفض بحث ملف المعتقلين

جندي روسي في حمص (رويترز)
جندي روسي في حمص (رويترز)

تضاربت المعلومات أمس حول محادثات يقول النظام والمركز الروسي في قاعدة حميميم إن ممثلين عن المعارضة في مناطق خفض التصعيد في حمص شاركوا فيها، وركزت بصورة خاصة على بحث العام الدراسي الجديد في مناطق المعارضة التي يشملها الاتفاق، بينما أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، أن الطريق بين حمص وحماة، التي لم يشملها اتفاق مناطق خفض التصعيد، باتت مفتوحة بعد محادثات مع المعارضة المسلحة، لتأمين إيصال المساعدات الإنسانية.
من جهتها، قالت وكالة «ريا نوفوستي» الحكومية الروسية، أمس، إن مسؤولين من النظام في محافظة حمص، بينهم المحافظ طلال برازي عقدوا اجتماعا للجنة المصالحة الخاصة بمناطق خفض التصعيد، تناولوا خلاله العام الدراسي في المحافظة. ونقلت الوكالة أمس عن ألكسندر فيازنيكوف، مدير «مركز المصالحة» الروسي في حميميم، قوله: «نعقد اليوم (أمس) اجتماعا للجنة المصالحة الخاصة بمنطقة خفض التصعيد في حمص، ونشرك ممثلي المعارضة في الاجتماع عبر دائرة فيديو. وخلال الاجتماع جرى بحث مسائل المصالحة، والمساعدات الإنسانية، والخطوات الواجب اتخاذها لبدء العام الدراسي». وبالنسبة للاتفاق الخاص بمنطقة ريف حمص، عبر المسؤول الروسي عن قناعته بأن «الخطوات التي اتخذناها للهدنة في الرستن سيتم تحقيقها، وسنتوصل إلى اتفاق تهدئة».
وهذه هي الجولة الثالثة من نوعها التي يقول الروس إن مسؤولين من النظام السوري بحثوا خلالها المسائل الإنسانية مع مسؤولين من المعارضة السورية في مناطق خفض التصعيد. ولم تصدر عن قوى المعارضة في المنطقتين المذكورتين أي تصريحات، ولم تؤكد كما لم تنف إجراء تلك المحادثات. وكذلك الأمر لم تصدر أي تعليقات من جانب قادة فصائل المعارضة السورية في ريف حمص حول المحادثات التي أعلن عنها مركز حميميم. ونفى الناشط الإعلامي عامر الناصر من منطقة الرستن مشاركة فصائل المعارضة في ريف حمص في أي محادثات أمس، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم تجر أي محادثات عبر (سكايب)، والأمر برمته مجرد كذبة من جانب النظام». ولفت إلى أن «الجانب الروسي حاول منذ فترة التواصل مع بعض ضباط الرستن، إلا أنه لم يجر تواصل مباشر بين الروس وضباط الرستن حتى الآن»، موضحاً في الوقت ذاته أن «عملية تفاوض تجري مع الروس يقوم بها الوفد التفاوضي الذي يمثل مناطق ريف حمص الشمالي، واللقاءات تتم في خيمة ضمن منطقة الفصل بين النظام والمعارضة». وعبر عن قناعته بأن «روسيا والنظام يسعيان عبر تلك الأنباء إلى كسب الرأي العام والحاضنة الشعبية، لا سيما في هذه الفترة، في ظل انهيار المعارضة على جميع الأصعدة وانخفاض وتيرة نشاطها». وأكد أنه «لا وجود لأي خفض للتصعيد في المنطقة المذكورة، حيث يطال القصف المدفعي كل بلدات وقرى ريف حمص الشمالي، فضلا عن اشتباكات على الجبهات». ونفى الناصر، أي وجود لتنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، معيداً إلى الأذهان أن المعارضة تخلصت منهم عندما أعلنت عام 2015 حملة لاستئصال التنظيم من هناك، أما عن «جبهة النصرة»، فأشار إلى وجود بسيط جدا لا يذكر لها في المنطقة. وأوضح أن الشرطة العسكرية الروسية لم تنشر حتى اليوم أي نقاط مراقبة حول منطقة خفض التصعيد، وتقيم بعض الحواجز في منطقة كراج السلام، وعلى أطراف بلدة المختارية الموالية.
استمرار المفاوضات في الرستن
ولا تزال المفاوضات مستمرة بين الوفد المفاوض باسم ريف حمص الشمالي والعسكريين الروس للتوصل إلى اتفاق جديد حول إقامة منطقة خفض التصعيد، بعد أن كانت اللجنة قد رفضت صيغة الاتفاق الذي تم توقيعه في القاهرة، وطالبت بصيغة جديدة. وأكد الإعلامي عامر الناصر في هذا السياق، أن اللجنة أنجزت الصيغة الجديدة للاتفاق وضبطها «بما يتناسب مع مبادئ الثورة ويضمن مصلحة المعتقلين والمنطقة، وسلمتها للجانب الروسي، حيث تجري المفاوضات بين اللجنة والروس بشكل مباشر ومن دون وساطة أحمد الجربا». وحمل الناصر النظام السوري المسؤولية عن عدم توقيع الاتفاق حتى الآن لأنه يحدث خللا في بعض الشروط، خصوصا بند المعتقلين... «وهذا ما تكلم به الضابط الروسي بشكل صريح، وقال إن قوات النظام ومخابراته لم تقدم لنا ملف المعتقلين وجعلت هذا البند غامضا»، بحسب الإعلامي عامر من الرستن، الذي ختم تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، محذرا من عرقلة النظام اتفاق ريف حمص الشمالي. وقال إن «بند المعتقلين هو البند الفاضح للنظام، لأنه يوضح الجرائم التي ارتكبها بسجونه وعدد القتلى الكبير من المعتقلين». ولم تتوفر مصادر أخرى من منطقة خفض التصعيد في حمص، لتأكيد أو نفي الأنباء حول محادثات بين النظام والمعارضة بمبادرة من الجانب الروسي.
وكان مسؤولون من منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية بحثوا يوم 28 أغسطس (آب) الحالي، الوضع الإنساني، ومسائل متعلقة بالعام الدراسي، مع مسؤولين من النظام السوري يمثلون محافظة دمشق، عبر دائرة تلفزيونية أمس، بمبادرة من مركز حميميم العسكري الروسي، بصفته ممثلا لروسيا؛ الدولة الضامنة لاتفاق منطقة خفض التصعيد. وأبدى الضامن الروسي ارتياحه لهذا التطور، وقال الناطق باسم قاعدة حميميم يوري كليموف، إن «هذا النموذج من التفاعل والتواصل مثمر للغاية. وفي اجتماع اللجنة، اتصلنا بجميع الفرقاء. وفي هذه المرحلة، تم الاتفاق مع الجميع على التعاون وبذل جهود مشتركة للمضي قدما إلى الأمام... وتعزيز التقارب أكثر فأكثر، ووقف إراقة الدماء، ونحن بحاجة للانتقال إلى السلام».
يذكر أن المحادثات الأولى عبر الفيديو بين النظام والمعارضة في مناطق خفض التصعيد، نظمها مركز حميميم يوم 26 أغسطس الحالي، وشارك فيها مسؤولون من جانب النظام يمثلون محافظتي درعا والسويداء، وعن المعارضة شارك مسؤولون من مناطق خفض التصعيد جنوب غربي سوريا. وأشار العسكريون الروس من قاعدة حميميم إلى أن «الجانبين أظهرا ضبطا للنفس خلال المحادثات، الأمر الذي سمح بنقاش عملي لكل المسائل، والتوصل إلى اتفاق على حل المشكلات على الفور».
طريق حمص وحماة
في السياق، أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، أن الطريق بين حمص وحماة، التي لم يشملها اتفاق مناطق خفض التصعيد، باتت مفتوحة بعد محادثات مع المعارضة المسلحة، لتأمين إيصال المساعدات الإنسانية.
ونقلت وكالة «نوفوستي»، أمس، عن رئيس المركز، ألكسندر فيازنيكوف، قوله: «توصل مركز المصالحة بين أطراف الصراع في سوريا، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، إلى اتفاق لفتح طريق حمص - حماة. الخطوات المقبلة، هي ترميم هذه الطريق وإصلاحها، وضمان أمن حركة السكان، وكذلك العمل على إزالة الألغام».
وأشار رئيس المركز إلى أنها المرة الأولى التي تعبر فيها قافلة مساعدات إنسانية مكونة من 48 شاحنة هذه الطريق، لتوزيعها على سكان الرستن الواقعة شمال مدينة حمص وجنوب حماة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.