رئيسة وزراء تايلاند السابقة تفر من البلاد

أصدرت المحكمة العليا مذكرة اعتقال بحق رئيسة وزراء تايلاند السابقة ينجلوك شيناواترا التي هربت خارج البلاد قبل صدور الحكم بحقها (إ.ب.أ)
أصدرت المحكمة العليا مذكرة اعتقال بحق رئيسة وزراء تايلاند السابقة ينجلوك شيناواترا التي هربت خارج البلاد قبل صدور الحكم بحقها (إ.ب.أ)
TT

رئيسة وزراء تايلاند السابقة تفر من البلاد

أصدرت المحكمة العليا مذكرة اعتقال بحق رئيسة وزراء تايلاند السابقة ينجلوك شيناواترا التي هربت خارج البلاد قبل صدور الحكم بحقها (إ.ب.أ)
أصدرت المحكمة العليا مذكرة اعتقال بحق رئيسة وزراء تايلاند السابقة ينجلوك شيناواترا التي هربت خارج البلاد قبل صدور الحكم بحقها (إ.ب.أ)

احتشد المئات من أنصار رئيسة وزراء تايلاند السابقة، ينجلوك شيناواترا، خارج المحكمة أمس (الجمعة)، ونشرت السلطات نحو 4 آلاف شرطي في انتظار حضورها إلى المكان، حيث تحاكم في قضية فساد. وأصدرت المحكمة العليا مذكرة اعتقال بحق ينجلوك، بعدما لم تقتنع بالعذر الذي ساقته لتبرير غيابها عن المحاكمة، والذي أرجعته لمشكلة في الأذن.
ولم تمثل ينجلوك (50 عاماً)، التي تنتمي لأسرة هيمنت على المشهد السياسي في تايلاند لأكثر من 15 عاماً، أمام المحكمة العليا في جلسة للنطق بالحكم في القضية التي تتعلق ببرنامج لدعم مزارعي الأرز، كلف الدولة مليارات الدولارات.
وقال براويت ونجسوان، نائب رئيس الوزراء، للصحافيين: «من المحتمل أنها فرت بالفعل». وقال نوراويت لالينج، محامي ينجلوك، إن فريقها أبلغه صباح أمس (الجمعة) بأنها تعاني مشكلة في الأذن، ولن تتمكن من حضور الجلسة، وأضاف أنه لا يعلم إن كانت لا تزال في تايلاند. وامتنعت متحدثة باسم ينجلوك عن التعليق.
لكن قالت مصادر قريبة من عائلتها، أمس، إنها فرت من البلاد قبل صدور حكم قضائي ضدها في قضية يتهمها فيها المجلس العسكري الحاكم بالتقصير.
كانت ينجلوك، التي أطاح بها المجلس العسكري في انقلاب عام 2014، تواجه حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، في حالة إدانتها. وذكر أحد المصادر، وهو عضو في حزب بويا تاي الذي تتزعمه ينجلوك: «غادرت تايلاند بالتأكيد». ولم تذكر المصادر، كما جاء في تقرير «رويترز» من بانكوك، تفاصيل عن مكانها حالياً.
وأطاح انقلاب في عام 2006 بتاكسين شيناواترا، شقيق ينجلوك، الذي فر بعده إلى الخارج، في محاولة للإفلات من اتهامات بالفساد، قال إنها تهدف إلى تقويض الحركة الشعبوية التي أسسها.
ويرى كثيرون أن صدور حكم على ينجلوك من شأنه أن يؤجج مجدداً التوتر في تايلاند، على الرغم من أن المجلس العسكري أخمد إلى حد كبير أي معارضة صريحة. وحددت المحكمة العليا يوم 27 سبتمبر (أيلول) للنطق بالحكم.
وبموجب برنامج دعم الأرز، دفعت حكومة ينجلوك أسعاراً للمزارعين تفوق أسعار السوق، بما يصل إلى 50 في المائة. وأدى ذلك إلى تكدس مخزونات ضخمة من الأرز في تايلاند، وتسبب في خسائر بلغت 8 مليارات دولار. وتقول ينجلوك إنها كانت مسؤولة عن وضع البرنامج فقط، وليس إدارته بشكل يومي. وفي قضية متصلة، أصدرت المحكمة العليا، أمس، حكماً بالسجن 42 عاماً على بونسونج تيريابيروم، وزير التجارة في عهد ينجلوك، بعد إدانته بتزوير صفقات أرز حكومية بين تايلاند والصين عام 2013.
وتعهد رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوتشا، الذي قاد الانقلاب على حكومة ينجلوك بذريعة إنهاء الاضطرابات السياسية، بإجراء انتخابات العام المقبل. وينجلوك ممنوعة منذ 2015 من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات، بموجب تشريع أصدره المجلس العسكري، بعد مزاعم الفساد في برنامج شراء الأرز.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»