المنتخب الكروي الإنجليزي يواجه مشاكل هجومية حقيقية

من المفارقات الغريبة أن النجم الإنجليزي واين روني، الذي كان يرى كثيرون بما في ذلك المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت أنه كان زائدا عن احتياجات فريقه الموسم الماضي، قد قرر اعتزال اللعب الدولي في الوقت الذي بدأ فيه المنتخب الإنجليزي يتساءل عما إذا كان سيكون بحاجة لجهوده مرة أخرى خلال الفترة المقبلة.
ويعاني المنتخب الإنجليزي من مشكلة في الخط الأمامي، في ظل غياب آدم لالانا وروس باركلي للإصابة وخضوعهما لفترة نقاهة في الوقت الحالي، في حين لم يستعد مهاجمون آخرون مستواهم القوي بعد. وتلقى روني مكالمة هاتفية من المدير الفني للمنتخب الإنجليزي خلال الأسبوع الجاري، في إشارة ضمنية إلى أن القائد السابق للمنتخب الإنجليزي قد يكون مفيدا في مباراتي المنتخب القادمتين في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم أمام مالطا وسلوفاكيا.
لكن بعد مرور ستة أسابيع على انضمامه لإيفرتون وإصراره في البداية على أنه لا يعتزم اعتزال اللعب الدولي، تغير شيء ما. فبعد البداية القوية للاعب وتسجيله هدفين في أول مباراتين له مع إيفرتون تحت قيادة المدير الفني الهولندي رونالد كومان والمجهود الكبير الذي بذله في تعادل فريقه أمام مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد يوم الاثنين، ربما يكون روني قد اقتنع بأنه يجب عليه أن يركز كل جهوده مع ناديه وحبه القديم إيفرتون الذي رحل عنه قبل 13 عاما قبل أن يعود إليه مرة أخرى في بداية الموسم الجاري.
وسيتطلب القيام بذلك تركيزا كاملا ولياقة بدنية كبيرة. ولن ينسى روني، الذي يقترب من إتمام عامه الثاني والثلاثين، بسهولة أن اعتزال اللعب الدولي كان له تأثير كبير على لاعب مثل زميله السابق في مانشستر يونايتد بول سكولز وساعده على البقاء في الملاعب لفترة أطول. ويمكن قول الشيء نفسه على ألان شيرار. وحصل ساوثغيت على انطباع من مكالمته مع روني بأن اللاعب يعزي ظهوره القوي في بداية الموسم مع إيفرتون إلى حقيقة أنه قد استمتع بالعطلة الصيفية بشكل مناسب، ومن المتوقع أن تضع زوجته، كولين، طفلهما الرابع خلال العام المقبل. وربما لم تعد كأس العالم القادمة بروسيا، والتي كان يصر روني على أنها ستكون آخر محطة له بقميص المنتخب الإنجليزي، تحظى بنفس القدر من التفكير والأهمية لروني في هذا السياق.
وبعد ذلك، تأتي قضية الدور الذي سيلعبه روني مع المنتخب الإنجليزي. يريد ساوثغيت أن يكون لديه لاعبان اثنان في كل مركز، لكن روني، حتى رغم تألقه مع إيفرتون، كان من الصعب أن يتفوق على ديلي ألي في مركز خط الوسط المهاجم أو هاري كين في الخط الأمامي وينجح في حجز مكان له في التشكيلة الأساسية على حساب أي من هذين اللاعبين. وقد بدأ الجيل الجديد من اللاعبين يترك بصمة واضحة على الساحة الدولية، ولا يرغب روني بخبراته الكثيرة والمتمثلة في مشاركته في ست بطولات كبرى مع المنتخب الإنجليزي في أن يعيق تقدم «اللاعبين الرائعين الذين يعتمد عليهم ساوثغيت»، أو أن يكتفي بالقيام بدور جزئي أو هامشي.
وتعد هذه هي الفرصة المناسبة والوقت المناسب لكي ينسحب روني من الساحة الدولية برغبته واختياره وليس رغما عنه. وفي ضوء مسيرته الطويلة مع المنتخب الإنجليزي ومشاركته للمرة الأولى بقميص الأسود الثلاثة وهو في عمر 17 عاما و111 يوما، يستحق روني، على الأقل، أن يكون غيابه عن المنتخب الإنجليزي نابعا من قراره هو وليس رغما عنه.
وفي الحقيقة، لم يكن قرار اعتزاله اللعب الدولي مفاجئا، رغم أدائه القوي وإحرازه هدفا من لمسة رائعة في المباراة الأخيرة أمام مانشستر سيتي. وكان روني قد سقط من حسابات ساوثغيت للمرة الأولى في الخريف الماضي أمام سلوفينيا، ثم غاب عن قائمة المنتخب الإنجليزي في شهر مارس (آذار)، رغم إصراره على أنه في كامل لياقته، في المباراة الودية أمام ألمانيا ثم التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم أمام ليتوانيا. وأصبح من الواضح منذ فترة طويلة أن المنتخب الإنجليزي لم يعد يعتمد على روني، لا سيما في ضوء ابتعاده عن المشاركة في المباريات مع مانشستر يونايتد. وبالتالي، كان الوقت مناسبا لإعلان اعتزاله اللعب الدولي بعد 13 عاما من العطاء بقميص المنتخب الإنجليزي.
وقد ترك روني سجلا حافلا وأرقاما مثيرة للإعجاب خلال مسيرته الدولية، فهو الهداف التاريخي للمنتخب الإنجليزي بـ53 هدفا، كان أولها وهو في عمر الـ17 عاما و317 يوما في مباراة مشحونة أمام مقدونيا في العاصمة المقدونية سكوبيه، بينما كان مشجعو مقدونيا يحرقون العلم الإنجليزي في المدرجات. وحمل روني شارة قيادة المنتخب الإنجليزي وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ويحمل الرقم القياسي لأكثر لاعب مشاركة في المباريات الدولية مع المنتخب الإنجليزي بـ119 مباراة. هذه بعض من الأرقام التي جعلته يحتل مكانة خاصة بين اللاعبين الإنجليز، وهي المكانة التي لم ولن تتأثر بغيابه عن صفوف المنتخب الإنجليزي خلال الـ11 شهرا الماضية، فعندما ينظر الجمهور إلى مسيرة النجم السابق ديفيد بيكام مع المنتخب الإنجليزي لن يتأثروا بجلوسه على مقاعد البدلاء في أيامه الأخيرة في الملاعب. لذا فإن السؤال هو: ما الذي سيحدث لو أن بيكام كان على مقاعد البدلاء في 10 مباريات من آخر 12 مباراة له مع المنتخب الإنجليزي؟ ودافع روني عن ألوان المنتخب الإنجليزي تحت قيادة خمسة مديرين فنيين مختلفين.
ورغم الأرقام المذهلة التي حققها روني ومهارته التي لا يختلف عليها اثنان، فهناك حالة من الجدل حول ما إذا كان بإمكانه أن يقدمه على المستوى الدولي وحقيقة أنه لم يظهر في البطولات الكبرى بنفس الأداء الرائع الذي أظهره في كأس الأمم الأوروبية 2004. وهي النقطة التي ستظل دائما ضده. لقد رفع روني سقف التوقعات بشأن مستقبله بسبب بدايته الصاروخية وفرض اسمه كهداف لمانشستر يونايتد على مدار تاريخه وفوزه بالدوري الإنجليزي خمس مرات ودوري أبطال أوروبا، لكن مع المنتخب الإنجليزي لم يظهر مستواه القوي سوى في التصفيات المؤهلة للبطولات الكبرى. وقد نالت منه الإصابات وعدم الالتزام في البطولات والنهائيات، وفي كل مرة يشارك فيها في بطولة كبرى، بداية من بولندا وحتى البرازيل، كان ينتظره السؤال التالي: هل هذه هي اللحظة التي ننتظرها أخيرا؟ هل يمكنه اللعب بنفس الأداء الذي ظهر به في كأس الأمم الأوروبية عام 2004 وأن يكون له بصمة واضحة في النهائيات؟
صحيح أن تدني مستوى اللاعبين الإنجليز على المستوى الدولي لا يقتصر على روني وحده، لكن روني هو اللاعب الذي كان ينتظر منه الجمهور الكثير والكثير واللاعب الذي ينظر إليه على أنه من الطراز العالمي الذي نادرا ما يأتي في صفوف المنتخب الإنجليزي. ونتيجة لذلك، ربما كان هناك قدر من المبالغة في التوقعات ومزيد من الضغوط على اللاعب، وهو ما كان يؤثر على أداء اللاعب بالطبع، ويجب علينا أن ننظر إلى ما قدمه اللاعب في كرواتيا وفي كيب تاون لكي ندرك ذلك جيدا. ومع ذلك، لا يجب أن يكون روني هو كبش الفداء لإخفاقات إنجلترا على المستوى الدولي، فهناك الكثير والكثير من اللاعبين الإنجليز الذين تألقوا بصورة لافتة مع أنديتهم، لكنهم لم يقدموا المستوى المطلوب والمتوقع مع المنتخب الإنجليزي. إن الرغبة في أن «يكون جزءا من منتخب إنجليزي ناجح في البطولات الكبرى» سوف تؤرقه إلى الأبد.
ربما ينجح ساوثغيت في القيام بذلك في المستقبل، لكن ذلك سيكون من دون روني. لقد جاء قرار روني باعتزال اللعب الدولي في الوقت المناسب، وسيكون مفيدا للجميع، بدءا من اللاعبين الشباب الذين يسعون لترك بصمة مع المنتخب الإنجليزي وصولا إلى نادي إيفرتون وحتى روني نفسه. في الحقيقة، بإمكان روني أن يجلس ويتحدث بكل فخر وكبرياء عما حققه وعن الأرقام القياسية التي كسرها والتي ستتطلب وقتا طويلا لكي يتغلب عليها أي لاعب في المستقبل.