ليبيا... «داعش» ينشط من جديد

غيَّر تكتيكاته واستقدم عناصر من العراق وسوريا

ليبيا... «داعش» ينشط من جديد
TT

ليبيا... «داعش» ينشط من جديد

ليبيا... «داعش» ينشط من جديد

دفعت ضغوط محلية وإقليمية تنظيم داعش، ومعاونيه من الجماعات المتطرفة في ليبيا، إلى تغيير تكتيكاته، حيث نفّذ عملية دموية في «بوابة الفقهاء» ضمن نطاق محافظة الجفرة، في وسط البلاد، يوم الأربعاء الماضي. وبعد هزيمة التنظيم المتطرّف في مدن سرت وبنغازي ودرنة، وعجزه عن تثبيت أقدامه في العاصمة طرابلس، فرَّ عدد كبير من مقاتليه إلى الجنوب الصحراوي الواسع. وتزامن ذلك مع هزائم «داعش» في العراق وسوريا، والعمليات المحمومة لنقل مقاتليه الفارّين - وهم من مئات من جنسيات مختلفة - من هناك إلى ليبيا. ولقد قابلت دول الجوار الليبي هذه التطورات بتشديد إجراءات تأمين الحدود، والوقوف ضد الدول الداعمة للجماعات المسلحة. وبعد أن اتهمت مصر قطر بذلك، قرّرت تشاد، في أحدث تحرّك، قطع علاقتها بالدوحة، للسبب نفسه.
قتل في هجوم الأربعاء الماضي على «بوابة الفقهاء»، نحو عشرة عسكريين من الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بيد أن تنظيم داعش، الذي أعلن مسؤوليته عن الحادث، زعم أن عدد القتلى 21.
وعلى كل حال، أثارت الواقعة الدامية ردود فعل غاضبة، محلية وإقليمية ودولية. وجدَّدت القلق بشأن استمرار الانقسام السياسي في هذا البلد الغني بالنفط، والذي يعاني من الفوضى والاقتتال منذ رحيل نظام معمر القذافي في أواخر عام 2011.
ويذكر أن تنظيم داعش ظهر في ليبيا لأول مرة عام 2014، إلا أن القوات التابعة للمشير حفتر، والأخرى التابعة للمجلس الرئاسي الذي يقوده فايز السراج، تمكنت، دون أي تنسيق فيما بينهما، من طرد عناصر التنظيم، والكثير من الجماعات المسلحة التي تعمل على أرضيته ذاتها، من مناطق واسعة من البلاد، منذ أواخر العام الماضي، كان أبرزها في بنغازي وسرت. لكن يبدو أن التنظيم عاد لينشط من جديد بطرق مختلفة، مستغلا حالة الانقسام والنزاع على السلطة بين ثلاث حكومات وقوى أخرى عدة. وتشير التحقيقات التي تجريها السلطات الأمنية الليبية، عن هجوم «داعش» على «بوابة الفقهاء»، إلى وجود آثار لأصابع قيادات متطرفة، من بينها أسماء وردت في لائحتي الإرهاب اللتين أصدرتهما الدول العربية الأربع (المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات والبحرين) خلال الشهرين الماضيين. كذلك، تلفت التحقيقات إلى تشابك العلاقات وتبادل المصالح بين متطرفين ومسلحين من مشارب مختلفة، من بينهم مصريون وتونسيون وجزائريون وأفارقة، إضافة إلى قيادات ليبية متطرفة لها نشاط عابر للحدود.

قُبيل الساعة الرابعة من فجر يوم الأربعاء الماضي، وبعدما استيقظ لأداء الصلاة، لاحظ قيادي محلي في بلدة سوكنة، التابعة لمحافظة الجفرة بجنوب ليبيا، التي تقع في نطاقها «بوابة الفقهاء»، أن شبكة الهاتف المحمول لا تعطي أي إشارة.
هذا أمر يحدث في بعض الأحيان، في مثل هذه المنطقة النائية، وبالتالي، لم يجُل في خاطر الرجل أن غياب الشبكة، هذه المرة، يحمل وراءه خطراً كبيراً. وتقع «الفقهاء»، وهي تجمع سكني صغير يضم عشرات البيوت، قرب وادٍ وجرف صخري، وتكمن أهميتها في كونها محطة للعابرين الذين يفضلون التحرك بعيدا عن الأنظار. وتتقاطع في مساحة تبلغ ألوف الكيلومترات المربعة، شبكة طرق بعضها مرصوف، وبعضها الآخر مجرد دروب ترابية وعرة، وواحات صغيرة فيها ينابيع مياه، وذلك ضمن مسالك كثيرة في عمق صحراء محافظة الجفرة. ويقول الدكتور إسماعيل الشريف، النائب في البرلمان الليبي عن هذه المحافظة، لـ«الشرق الأوسط»: الجفرة هي صُرّة ليبيا. ومنها تستطيع أن تصل إلى مكان في عموم البلاد.
ويوضح مسؤولون في الجيش الليبي أن جماعات مسلحة من «داعش» وغير «داعش»، فرّت إلى الصحراء الليبية الجنوبية، وبخاصة تلك التي تقع بين مدينة سبها، التي تعد بمثابة عاصمة لإقليم فزّان القاحل، وبين سرت شمالا، مرورا بمحافظة الجفرة، وأن هؤلاء المسلحين يحاولون الاستفادة من كبر مساحة المنطقة، واستغلال الموارد الشحيحة التي تساعد على استمرار الحياة، مثل ينابيع المياه الجوفية، والنخيل في واحات صغيرة عدة.
من جانبه، يوضح الدكتور الشريف قائلا إنه «بعد اندحار داعش، أصبح له بقايا تتمركز في بعض الجبال البعيدة، مثل جبل الهروج والمناطق الوعرة، وتتحرك أحيانا على فترات متباعدة، لعمل استيقافات على الطرق»، مشيرا إلى وقوع حوادث في السابق مماثلة لتلك التي جرت فجر الأربعاء الماضي، ومنها مجزرة على طريق الشويرف ضد عناصر من الجيش، وأخرى على بوابة أمنية على طريق بلدتي ودان - سرت. ويضيف: «قبل نحو شهر أو شهرين قام المتطرفون بعملية مفاجئة على الطريق بين منطقتي زلة وودان، وهي إحدى الطرق المؤدية إلى الجفرة».

- رواية رسمية محلية

ووفقا لرواية المسؤول المحلي المشار إليه في بلدة سوكنة، لم تعد شبكة الهواتف المحمولة للعمل إلا بعد الساعة السابعة صباحا. ويضيف «من خلال الاتصالات عرفت أن هناك مذبحة وقعت في الجوار. كانت صدمة. هذا أمر محزن ومؤلم». وبحسب شهادات من مصادر عسكرية ليبية، فقد سبق هجوم الأربعاء الدامي على «بوابة الفقهاء»، رصد لتحركات مريبة من جماعات متطرفة، كان من ضمنها تسيير طائرة المراقبة الصغيرة التي يحترف «داعش» استخدامها لاستطلاع المنطقة.
وتقول انتصار محمد، مسؤولة المكتب الإعلامي لـ«غرفة عمليات سرت الكبرى» التابعة للجيش الليبي لـ«الشرق الأوسط»: إن المنطقة التي وقع فيها الهجوم «شاسعة والعملية كانت عبارة عن هجوم مباغت. نحو 12 سيارة هاجمت البوابة من ثلاثة محاور. يبدو أن العملية كانت مدروسة، ويبدو أيضا أنه جرى تنفيذها بكل دقة».
ولاحظ سكان محليون في المنطقة أن سيارات تابعة لتنظيم «سرايا الدفاع عن بنغازي» كانت من بين عربات الدفع الرباعي التي تخص الجماعات المتطرفة، والتي ظهرت، قبل تنفيذ الحادث بأيام، على الطرق الترابية المبعثرة من سبها إلى سوكنة ومن سمنو إلى «الفقهاء». وتقول انتصار محمد: إن عناصر من «سرايا الدفاع عن بنغازي» كانوا بالفعل يطوفون بسياراتهم في تلك المنطقة.
وتقع «بوابة الفقهاء» شمال شرقي سبها بنحو مائتي كيلومتر، وإلى الجنوب الشرقي من سوكنة بمسافة أقل بقليل. وكان الضباط والجنود في البوابة من النخبة، واجتاز بعضهم دورات متقدمة في العمل العسكري منذ عهد القذافي. ولم يستسلم هؤلاء، وقاموا بالتصدّي للمجموعة المهاجمة في وقت قياسي، رغم التوقيت الذي وقع فيه الحادث. وتمكنوا من الدفاع عن البوابة حتى آخر طلقة.
وحول هذه النقطة، توضح مسؤولة المكتب الإعلامي لـ«غرفة عمليات سرت الكبرى»، قائلة إن «المجموعة العسكرية التي كانت موجودة في بوابة الفقهاء، كانت ذات تدريب غير عادي، والاشتباك مع المهاجمين استمر لأكثر من ساعة. كانت النيران كثيفة، وظلوا يقاومون إلى أن نفدت منهم الذخيرة».
وكان المتحدث باسم الجيش الليبي، العقيد أحمد المسماري، قد قال: إن ضحايا عملية «بوابة الفقهاء» كانوا 11، من بينهم ثلاثة مدنيين، وإن من قام بتنفيذ الهجوم مسلحو تنظيم داعش، وأن الضحايا «قتلوا ذبحا، ووجدت رؤوسهم مفصولة عن أجسادهم». وتقول المصادر العسكرية إن القتلى من منتسبي كتيبة تابعة لـ«غرفة عمليات سرت الكبرى». وصرح أبو بكر نصر، مدير مستشفى العافية، في مدينة هون التابعة للجفرة، أن أغلب الضحايا الذين وصلوا إلى المستشفى قُـتلوا رميًّا بالرصاص، مشيرا إلى وجود آثار حروق على بعض الجثث.
وللعلم، تقع محافظة الجفرة إلى الجنوب من مدينة سرت، وهي المدينة الساحلية التي كان «داعش» قد أسس فيها معقلا له، قبل أن تطرده قوات «البنيان المرصوص» التابعة للسراج، منها، أواخر العام الماضي. كما تقع الجفرة أيضا إلى الجنوب الغربي من الساحل الذي يحوي موانئ التصدير لنحو 60 في المائة من النفط الليبي، حيث تمكن الجيش بقيادة حفتر من طرد ميليشيات مرتبطة بـ«داعش» من تلك المنطقة.

- استغلال الانقسامات

وجاء حادث «بوابة الفقهاء» ليعبر عن استغلال المتطرفين للخلافات السياسية، ولانقسام قوات الجيش الذي كان موحدا في عهد القذافي، ما بين العمل تحت سلطة السراج وسلطة حفتر، أو العمل بشكل منفرد، وفقا لتوجهات قبلية، في بعض الأحيان، وبخاصة في مناطق تقع في الغرب والجنوب. وبعدما دخلت قوات السراج إلى سرت، وقوات حفتر إلى بنغازي والموانئ النفطية، فرّت جماعات من المتشددين إلى المناطق الصحراوية في جنوب البلاد وفي غرب سرت، مع تحركات محمومة لجمع الصفوف وتوزيع من ينجح في الوصول من العراق وسوريا على قوات للمتطرفين في كثير المواقع الهشة أمنيا.
ويقول الدكتور الشريف، إن «الجفرة تعد منطقة مهمة استراتيجياً وعسكرياً، حيث كانت تتمركز فيها حاميات عسكرية للانطلاق لأي بقعة أخرى في ليبيا، والوصول إليها في أسرع وقت». ويشير إلى وجود نطاق للتماس بين كل من قوات «البنيان المرصوص» وقوات الجيش الوطني الليبي، وإنه لهذا السبب تعد هذه المنطقة هشة أمنيا. ويقول أيضا إنه من الشريط الساحلي، وفي الاتجاه ناحية عمق الصحراء جنوبا، ما زالت توجد بعض بقايا الجماعات المتطرفة التي تتحرك فيها، وبعض العصابات كذلك.. «وما حدث يوم الأربعاء عملية دنيئة تم فيها الذبح وحرق السيارات والبوابات».
وتقول انتصار محمد: إن تنظيمي «سرايا الدفاع عن بنغازي»، و«مجلس شورى ثوار بنغازي» اللذين جرى تصنيفهما، مع جماعات وشخصيات أخرى، في لائحة الجماعات الإرهابية المرتبطة بقطر، ما زال لهما تحركات في ليبيا، وهما يعملان على نشر الفوضى. وتضيف مسؤولة المكتب الإعلامي لـ«غرفة عمليات سرت الكبرى» قولها «أعتقد أن قطر لها يد في هذه الفوضى»، لافتة الانتباه إلى أن تحرك تشاد، قبل يومين، بقطعها للعلاقة مع الدوحة، يؤشر إلى وجود حراك قطري في الجنوب الليبي وشمال تشاد... «هناك مجموعات من المعارضة التشادية كانت تمولها قطر».
من جانبه، يوضح الدكتور الشريف أن قطر «دأبت على عدم الاستقرار في ليبيا... ويبقى أن الدور القطري قد ساهم في تفتيت اللحمة الليبية، وساهم في نشاط الكثير من الأعمال التخريبية ومع بعض المنظمات المتطرفة».
ولأسباب تتعلق بنشاط الجماعات المتطرفة في جنوب ليبيا، والمرتبطة بجماعات المعارضة التشادية المسلحة، قامت تشاد بطرد السفير القطري من أراضيها. وأصاب هذا الأمر قيادات متشددة في ليبيا بالاضطراب. وتبادل عدد من هؤلاء القادة الاتهامات حول تسريبات عن نشاط المعارضة التشادية المسلحة، انطلاقا من الأراضي الليبية، وعلاقة كل ذلك بقطر.

- المعارضة التشادية المسلّحة

وكان أبرز ظهور للمعارضة التشادية المسلحة في ليبيا، أثناء اجتياح الجيش لمناطق الجفرة وسبها. ويقول النائب الشريف «نعم... كانت توجد قوات معارضة تشادية، واشتبكت معهم في بلدة ودّان خلال شهر رمضان الماضي. إنهم يتحركون في بعض المناطق الوعرة، وفي بعض المشاريع في الصحراء، بدعم أو موالاة من جانب بعض الجهات المتطرفة، ونحن الآن بصدد تقييم هذا الموضوع. لقد تواصلنا مع كل المؤسسات لمعرفة ما يجري حول هذا الأمر».
ويقول أحد مصادر التحقيقات: إنه تبين أن قيادات شديدة الخطورة، بينهم مصري ينتمي إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس»، أشرفت على تنفيذ العملية، وجلبت مقاتلين محترفين من الحدود الليبية التونسية إلى بلدة صبراتة الليبية القريبة من الحدود، وتم توجيه ثمانية منهم إلى نطاق بلدة الجفرة، للانضمام إلى المجموعة التي قامت بالهجوم، مستخدمين قذائف «آر بي جيه» ورشاشات سريعة الطلقات.
وتضيف التحقيقات، أن المصري ويدعى «خ. س.»، كان في مطلع هذا العام يشارك، مع قيادات ليبية وتونسية، من «داعش»، ومن «سرايا الدفاع عن بنغازي» في الحرب ضد الجيش في الموانئ النفطية. وتابعت، أن المصري انتقل، بعد تصدي الجيش للهجوم على الموانئ النفطية، إلى جنوب ليبيا مع القيادي الليبي «أ. ح.»، والمرتبط بـ«داعش» والذي ورد اسمه في لائحة الرباعي العربي عن الشخصيات والكيانات الإرهابية المرتبطة بقطر.
وتابعت التحقيقات، أن المصري كان يقود مجموعة من المنتمين إلى جماعة «أنصار بيت المقدس» ممن فروا من سيناء خلال العامين الماضيين، وعدد من التونسيين من جبل الشعانبي، ثم تجمع عشرات عدة من هؤلاء على تخوم بنغازي، قبل أن يفروا إلى مدينة الخُمس القريبة من طرابلس، ثم إلى الجنوب، حيث توجد مناطق صحراوية شاسعة تشبه القارة الخالية، وتكثر فيها المرتفعات والوديان.
ويشرح ضابط في الجيش «لقد توجه غالبية مقاتلي الجماعات المتطرفة، بغض النظر عن اسم كل مجموعة على حدة، من درنة وبنغازي ومن مدن الشرق، ومن الخُمس إلى الجنوب، حيث يقومون منذ ذلك الوقت باستكشاف المناطق الصالحة للحياة، مثل عيون المياه الجوفية، وخطوط كهرباء الضغط العالي. ويشير الضابط إلى أن الكثير من هذه المجموعات وجدت مقار للإقامة في مناطق ما يعرف باسم المشاريع الزراعية التي كان يقوم بتنفيذها نظام معمر القذافي، وهي مشاريع لزراعة النخيل والأشجار المقاومة للعطش، ومبعثرة على حواف الطرق السريعة والدروب، مثل الطرق والمسالك الطويلة الواصلة بين الكُفرة وسبها جنوبا إلى شمال البلاد مرورا بالعديد من البلدات والواحات، ومنها «سوكنة» و«الفقهاء» وودان.
ويضيف الضابط، أن مقار هذه المشاريع أصبحت مهجورة منذ الاضطرابات التي بدأت مع عام 2011، وأنها مع ذلك ما زالت تتميز باحتوائها على مقار للسكن وعلى مصادر للمياه الجوفية، وعلى خطوط كهرباء، وأن من أشهرها مشاريع «الوادي الفارغ» الذي يقع ما بين الكيلومتر تسعين، والكيلومتر مائة وثلاثين، على طريق إجدابيا – أوجلة (بشرق ليبيا). ويقول: «سبق للجيش أن أرسل طائرات لقصف تجمعات المتطرفين، من الليبيين والتونسيين والتشاديين والمصريين، في مشروع الوادي الفارغ، إلا أن ضعف تسليح الجيش حال دون تحقيق النتائج المرجوة».
ووفقا لمعلومات أخرى حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر على علاقة بجماعات متطرفة في شرق ليبيا، فقد كان آخر ظهور للمصري «خ. س.»، قد جرى رصده في بلدة الجغبوب الليبية الواقعة على الحدود في مقابل واحة سيوة المصرية. وتضيف، أنه «حاول هذا الرجل العودة إلى مصر مع جماعته التي كانت قد تعرضت للهزيمة في سيناء، إلا أن تشديد الجيش المصري للرقابة على الحدود، صعَّب من مهمة المجموعة المتطرفة، وفي الوقت نفسه لم تتمكن من العودة إلى بنغازي التي كان الجيش الليبي قد سيطر عليها، وبالتالي، توجهت المجموعة التي كانت تضم نحو ثلاثين مقاتلا، إلى الخُمس، وانضمت بعد ذلك لقوافل مسلحين فارين من شمال ليبيا، ومنهم عشرات من دواعش جبل الشعانبي التونسي، وآخرون ليبيون، وعناصر من سرايا الدفاع عن بنغازي، ومقاتلون من المعارضة التشادية، ومن جماعة بوكو حرام النيجرية.
ويبدو أن فلول المتطرفين الفارين من مناطق مختلفة من الشمال الليبي تمكنوا من رص صفوفهم من جديد وتغيير التكتيكات، حيث التقى غالبية هذا الخليط في بلدة الكُفرة أولا، ومنها تم اتباع مسارات في الصحراء تؤدي إلى مدينة سبها التي تعد عاصمة للجنوب، ومن محيط سبها بدأ تحرك هذه المجاميع لتنفيذ عمليات خاطفة ضد قوات الجيش الوطني الذي كان قد بدأ في بسط نفوذه في تلك المناطق المترامية الأطراف.
ومثلما اتخذت مصر إجراءات لمنع تسلل المتطرفين إلى أراضيها، قامت تشاد بالمثل، إلا أنه يبدو أن صبرها نفد، حين اتهم وزير خارجيتها، إبراهيم حسن طه قطر، يوم الأربعاء الماضي، بأنها تأوي جماعات معادية لتشاد وقوله، على قناة «أون لايف» التلفزيونية المصرية، إن العناصر الإرهابية التي تتسلل من ليبيا إلى تشاد «مدعومة من قطر». إلا أن قطر اتهمت تشاد، في المقابل، بالانضمام إلى ما وصفته بـ«حملة ابتزاز سياسي». وقررت هي الأخرى إغلاق السفارة التشادية في الدوحة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.