تسلق الصخور يساعد في علاج الاكتئاب

تسلق الصخور قد يعالج الاكتئاب بنفس فعالية أساليب العلاج الأخرى (رويترز)
تسلق الصخور قد يعالج الاكتئاب بنفس فعالية أساليب العلاج الأخرى (رويترز)
TT

تسلق الصخور يساعد في علاج الاكتئاب

تسلق الصخور قد يعالج الاكتئاب بنفس فعالية أساليب العلاج الأخرى (رويترز)
تسلق الصخور قد يعالج الاكتئاب بنفس فعالية أساليب العلاج الأخرى (رويترز)

قالت دراسة أجرتها مستشفى جامعة «إيرلانغن» الألمانية، إن رياضة تسلق الصخور في الأماكن المغلقة، والوصول إلى ارتفاعات متوسطة من دون حبال، على جدران مثبت عليها كتل صلبة كالصخور بأحجام وأشكال مختلفة، يمكن أن يساعد في علاج الاكتئاب.
وتقول كاترينا لوتنبرغر، وهي طبيبة علم نفس تشارك في هذه الدراسة الرائدة، بشأن استخدام رياضة تسلق الصخور لعلاج الاكتئاب: «لقد تعلمنا أن حدة الاكتئاب تتحسن بدرجة واحدة في المتوسط، وأن هذا التأثير يستمر أربعة أشهر على الأقل».
وخلال الدراسة التي نشرت في الدورية العلمية «BMC Psychiatry» المتخصصة في علم النفس ومقرها لندن، قسمت لوتنبرغر وفريقها البحثي نحو مائة مشارك إلى مجموعتين، وأخضعت المجموعة الأولى لأسلوب العلاج عن طريق تسلق الصخور، فيما تم علاج المجموعة الثانية وفق الأساليب التقليدية.
وتوصلت الدراسة إلى أن علاج الاكتئاب عن طريق تسلق الصخور، يكاد يكون بفعالية أفضل أساليب العلاج الأخرى الأكثر شيوعا نفسها.
ويجري الباحثون حاليا مزيدا من المقارنات، بين طريقة علاج الاكتئاب عن طريق تسلق الصخور، ووسائل العلاج التقليدية الأخرى. وفي كل من المدن الألمانية الثلاثة: إيرلانغن، وبرلين، وميونيخ، توجد ثلاث مجموعات، تضم كل منها عشرة مشاركين، حيث تقوم المجموعة الأولى بتسلق الصخور، وتتلقى المجموعة الثانية علاجا سلوكيا، فيما تخضع المجموعة الثالثة لبرنامج للتدريبات البدنية. ويستمر برنامج العلاج عشرة أسابيع.
وتشرف طبيبة علم النفس ليزا فيغ على مجموعة تسلق الصخور في إيرلانغن، والتي تباشر برنامج العلاج في صالة ألعاب رياضية في بلدة زيرندورف. وفي كل أسبوع، يتدرب أعضاء المجموعة على شيء جديد، مثل إدراك أجزاء الجسم على سبيل المثال، أو التعامل مع الحدود القصوى لكل مشارك، أو اختبار مشاعر الإنجاز والفخر والخوف والثقة.
وتقول فيغ: «عن طريق تسلق الصخور، أستطيع التعرف على شخصيات المشاركين بشكل فوري»، مضيفة أن ذلك يعتبر ميزة إضافية مقارنة بأساليب العلاج عن طريق جلسات الحديث المطولة.
ويبدي أحد المشاركين في التجربة ويدعى هانز (40 عاما) حماسة تجاه تسلق الصخور. وقد خضع هانز، وهو مدير إنتاج بإحدى الشركات، لكثير من أساليب علاج الاكتئاب، وتم احتجازه بالمستشفيات لبعض الوقت. ويقول إنه رغم اكتسابه كثيرا من المعلومات بشأن طريقة التعامل مع الاضطراب النفسي الذي يعاني منه، فإن المعلومات التي حصل عليها ظلت نظرية.
ويقول هانز: «لدينا هنا ميزة رائعة، وهي إمكانية إخضاع النظريات للتطبيق الفوري، مما يجعل من الأسهل تذكرها».
وأضاف أنه كثيرا ما كان يكلف نفسه بمهام تفوق قدراته، مما يؤدي إلى استنفاد طاقاته.
وأوضح: «لم أكن أدرك ما إذا كنت أستطيع إنجاز هذه المهام في الحقيقة»، مضيفا أن تسلق الصخور علمه الاستماع إلى جسده، مشيرا إلى أنه «عندما أكون متشبثا بالجدار أدرك قدراتي على الفور، وأبدأ في الارتعاش، ولا أستطيع أن أتجاوز إمكاناتي».
وتقول لوتنبرغر إن «المشاركين يتعلمون معنى الخوف وكيفية إدراكه، وما الذي يمكنهم أن يفعلوه حياله»، مضيفة أنه في هذا التوقيت الحرج «يكون من المفيد التنفس بهدوء وتهدئة العضلات المتوترة، ويمكنك أن تفعل الشيء نفسه في المرة القادمة، عندما يكون مديرك في العمل واقفا أمامك».
وذكر أندرياس شتروله، مدير قسم الطب النفسي في مستشفى جامعة «شاريته» بالعاصمة الألمانية برلين، أن دراسات متعددة أظهرت أن التدريبات الرياضية يمكن أن تساعد في تخفيف الاكتئاب.
وأوضح قائلا إن التدريبات الرياضية ترفع مستوى «هرمونات السعادة» في الدم، وهي السيروتينين والدوبامين، فضلا عن بروتينات معينة مسؤولة عن نمو الأعصاب، كما أن لها فوائد طويلة المدى بالنسبة لنظام هرمونات التوتر.
ويقول شتروله إنه «نظرا لأن الأنشطة البدنية تحرك آليات مختلفة في الجسم بشكل متزامن، فإنه لا يمكن تحديد عنصر واحد يفسر جميع هذه التغيرات التي تطرأ على الشخص»، مضيفا: «إنها مزيج من التغييرات البيولوجية والسيكولوجية التي تجعل التدريبات الرياضية فعالة في علاج الاكتئاب والتوتر».
وأضاف أنه سواء كانت ركوب دراجات أو رياضة أو سباحة، فإن اختلاف نوعية التدريبات الرياضية التي يمارسها الشخص ليس له أهمية كبيرة.
ويقول: «هناك أيضا الدراسات الأولية التي تشير إلى أن رقص الرومبا له تأثير في علاج الاكتئاب»، مضيفا أن ممارسة رياضة تنس الطاولة مع مجموعة من الأشخاص يخفف الشعور بالاكتئاب أيضا، مثل أدوية علاج الاكتئاب أو أفضل منها، مؤكدا على أهمية أن يستمتع المرضى بالنشاط، وبالتالي يواظبون عليه، كما يتعين على الطبيب المعالج أن يدعم المرضى بشكل فعال.
وأكد شتروله أنه بجانب العمليات البيولوجية، فإن الآليات السيكولوجية التي تتعلق بممارسة تسلق الصخور، يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الاكتئاب أو القلق.


مقالات ذات صلة

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».