عودة الجرود لأصحابها مرتبطة بمسار المعركة... والجيش باق في المواقع الاستراتيجية

ستسلم بعد تنظيفها من الألغام... والأهالي يأملون في وفاء الدولة بوعودها

مقاتلو «حزب الله» على شاحنة في جرود عرسال قرب الحدود السورية منتصف هذا الشهر (رويترز)
مقاتلو «حزب الله» على شاحنة في جرود عرسال قرب الحدود السورية منتصف هذا الشهر (رويترز)
TT

عودة الجرود لأصحابها مرتبطة بمسار المعركة... والجيش باق في المواقع الاستراتيجية

مقاتلو «حزب الله» على شاحنة في جرود عرسال قرب الحدود السورية منتصف هذا الشهر (رويترز)
مقاتلو «حزب الله» على شاحنة في جرود عرسال قرب الحدود السورية منتصف هذا الشهر (رويترز)

يعدّ أهالي البقاع الشمالي عند الحدود اللبنانية الشرقية، الأيام والساعات لتسلّم أراضيهم في الجرود وإعادة زرعها وحصاد محصولها كما اعتادوا قبل أن تحتلّها «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش». هم يترقبون مسار معركة الجيش ضدّ «داعش» التي قاربت على الانتهاء لحظة بلحظة وعيونهم على أراضيهم التي منعوا من الذهاب إليها منذ نحو 3 سنوات، ويعدّون العدة للعودة؛ وإن كان موسم الزرع قد فاتهم.
وأتت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري أمس إلى عرسال وتصريح رئيس الجمهورية ميشال عون، الداعمين لأهالي المنطقة الحدودية، ليبثا مجددا الأمل في نفوسهم. وقد أكد عون أن «مرحلة ما بعد تحرير هذه المناطق ستكون لإنمائها وإزالة الرواسب التي خلفتها الأوضاع الشاذة التي سادت خلال الأعوام الماضية»، مشددا على أنه «تم تخصيص اعتمادات مالية لتحقيق عدد من المشاريع العاجلة قيمتها 30 مليون دولار أميركي»، منوها «بصمود أبناء هذه المناطق في أرضهم وممتلكاتهم».
ولا يختلف وضع أهالي عرسال التي كان «حزب الله» قد انتهى من حربه ضد «جبهة النصرة» في القسم الأكبر من جرودها، عن وضع أهالي القاع وراس بعلبك والفاكهة، حيث يتولى الجيش مهمة تحريرها من تنظيم «داعش»، فيما يبدو أن توقيت تسليم الجرود المحررة وتلك التي في طريقها إلى التحرّر، مرتبط بهذه المعركة التي يعطيها الجيش الأولوية في الوقت الحالي، وهو ما يؤكد عليه مصدر عسكري ومصدر آخر مقرّب من «حزب الله». ويقول الأخير لـ«الشرق الأوسط»: «سبق لأمين عام (حزب الله) حسن نصر الله أن أكد الاستعداد لتسليم جرود عرسال التي تحرّرت من (النصرة) للجيش اللبناني، وهو لم يتراجع عن هذا القرار إنما ينتظر الإشارة من الجيش لوضع خطّة لتسلّمها»، وفي حين رجّح أن يكون سبب التأخير انهماك الجيش بمعركة «داعش»، توقّع أن يتم التسليم بعد الانتهاء منها.
من جهتها، أكدت مصادر عسكرية أن الجيش سيقوم بتسليم أراضي الجرود إلى أصحابها بعد التحرير، موضحة لـ«الشرق الأوسط» التالي: «بالنسبة إلى الأراضي التي حرّرها الحزب في جرود عرسال والتي ينتشر في بعض نقاطها، فسيسلّمها بالتأكيد إلى مالكيها، إنما فقط ينتظر الانتهاء من المعركة الحالية، ولن يختلف الوضع بالنسبة إلى جرود القاع وراس بعلبك والفاكهة؛ إنما بعد القيام بمسحها بشكل كامل وتنظيفها من الألغام لتأمين سلامة المواطنين».
وكان الجيش اللبناني قد أطلق يوم السبت الماضي عملية عسكرية في منطقة جرود راس بعلبك وجرود القاع الجبلية، وأعلن أول من أمس استعادة 80 في المائة من المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم، وكان قد قدر هذه المساحة الجانب اللبناني بنحو 120 كيلومترا مربعا.
وإذا كان أهالي القاع وراس بعلبك قد بدأوا الاحتفال بانتصار الجيش المرتقب منتظرين «فجرا جديدا» لمنطقتهم، بحسب تعبير رئيس بلدية القاع، بشير مطر، فإن العرساليين الذين سبق أن تحرّرت جرودهم من «النصرة» ينتظرون لحظة العودة بفارغ الصبر لزرع أراضيهم والاستفادة من مقالعهم، بحسب ما يؤكد رئيس البلدية باسل الحجيري، مع العلم أنه, قد تسنّى لبعض العرساليين تفقّد أراضيهم «التي ذرفنا عليها دموع الفرح والحزن في الوقت عينه»، بحسب تعبير أحدهم، متّهما عناصر «حزب الله» بإحراق الآليات التي كانت موجودة في المنطقة، وهو ما ينفيه نفيا قاطعا المصدر المقرب من الحزب.
ويشرح المواطن العرسالي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد انتهاء معركة (حزب الله) ومغادرة عناصر (النصرة) منطقة المقالع فيما يعرف بالجرد الواطي، ذهبنا إلى أرضنا ورأينا كل ما بقي ما آلياتنا تعرض للتكسير والحرق، وكتبت عليها شعارات لـ(حزب الله)، حتى إن إحدى القنوات المقربة من الحزب صورت بعض هذه الآليات وقالت إنه تم إحراقها منعا لاستخدامها من (النصرة)». وأضاف: «مع العلم بأنه وقبل معركة الحزب الأخيرة كنا نذهب بشكل يومي إلى الأراضي التي كانت تحت سيطرة المسلحين حيث كانت آلياتنا هناك وبقيت سليمة، إلى أن طلب منا الجيش سحبها قبل أيام من بدء المعركة ولم يبق منها إلا العدد القليل من ذات الأحجام الكبيرة».
في المقابل، يقول المصدر المقرب من الحزب: «ننفي هذه الاتهامات ولا نقبل بها. وسلوكنا أثناء المعركة يؤكد حرصنا على أهالي عرسال وأراضيهم حتى إننا منعنا المقاتلين من قطف الفاكهة»، مضيفا: «(النصرة) هي التي قامت بإحراق البيوت والآليات، وهذا مثبت أمام الجيش اللبناني».
وفي حين يلفت رئيس بلدية القاع في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن جرود القاع ليست أراضي زراعية ولا كانت تعد مصدر رزق لأهلها، إنما يقتصر استعمال معظمها على رعاة الماعز، يؤكد رفض التنازل عنها. ويقول: «ستعود إلينا شاء من شاء وأبى من أبى». أما جرود عرسال، فتعد الخزان الاقتصادي للعرساليين الذين يتعيشون من إنتاجها، إن كان من زراعة الفاكهة أو من مقالع الحجر والصخر. وهو ما يؤكده الحجيري بقوله: «السواد الأعظم من أهالي عرسال يعيش فيها، ويتعيش من أرضها آلاف العائلات، مما جعل الوضع الاقتصادي لهؤلاء يتراجع إلى درجات متدنية جدا منذ احتلالها ومنعهم من الاستفادة منها».
وبانتظار أن تضع المعركة أوزارها، يعوّل البقاعيون على المرحلة المقبلة للعودة إلى أوضاعهم السابقة، وهذا ما يشير إليه المواطن العرسالي، منوها بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى المنطقة أول من أمس، قائلا: «هي المرة الأولى التي يزور فيها بلدتنا رئيس للحكومة، وهو ما أفرح الصغير قبل الكبير، ونأمل أن تكون بداية جديدة وليست لأهداف انتخابية، وإن كانت التجارب والوعود السابقة لإنماء المنطقة لم تجد طريقها إلى التطبيق».


مقالات ذات صلة

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))
شؤون إقليمية عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التركية أثناء عملية استهدفت «داعش» (إعلام تركي)

تركيا: القبض على 47 من عناصر «داعش»

ألقت قوات مكافحة الإرهاب بتركيا القبض على 47 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في حملة شملت 5 ولايات؛ بينها أنقرة وإسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.