لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

سليمان ينهي عهده بقطيعة من «حزب الله».. و«الشغور» الرئاسي بعده يدخل البلاد في ظل المجهول

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»
TT

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

من المقرر أن يغادر الرئيس اللبناني ميشال سليمان مقر القصر الرئاسي في منطقة بعبدا، المشرفة على بيروت، يوم الأحد المقبل، بعد خطاب وداعي يلقيه مساء السبت، انكب هو ودوائر القصر الرئاسي على إعداده منذ أشهر عدة. ولكن لبنان الذي عاش في عهده اضطرابات أمنية كادت تودي به إلى أتون حرب أهلية جديدة، يواجه المجهول، بسبب الشغور الرئاسي.
وإذا كان الرئيس الأسبق إميل لحود، أنهى عهده بظل «قطيعة» سياسية كبرى من فريق «14 آذار»، فإن الرئيس سليمان ينهي عهده أيضا في ظل قطيعة من «حزب الله» والنظام السوري من خلفه، مفسحا المجال أمام «الشغور» للتسلل إلى المنصب المسيحي الأول في لبنان، بعد فشل الفرقاء بنسج تسوية سياسية مماثلة لتلك التي جعلت سليمان رئيسا بعد اتفاق الدوحة عام 2008، إثر أحداث دموية شهدتها بيروت عام 2008.

يبدأ سليمان مطلع الأسبوع المقبل صفحة جديدة من حياته، سيقضيها بين منزله في منطقة اليرزة المجاورة لبعبدا وفي مسقط رأسه عمشيت قرب مدينة جبيل (شمال بيروت)، مختتما مسيرة عسكرية بدأها عمليا منذ عام 1970 أوصلته إلى قيادة الجيش اللبناني لتسعة أعوام، قبل أن تسهل وصوله إلى سدة الرئاسة في لبنان عام 2008.
ست سنوات تولى فيها سليمان رئاسة الجمهورية اللبنانية في ظروف صعبة بل معقدة، داخليا وإقليميا. لم يسلم لبنان، الذي يتغنى أبناؤه بصيغته الفريدة من نوعها في المنطقة وبتنوعه المسيحي - الإسلامي، من رياح التغيير في العالم العربي، خصوصا بعد أن هبت على سوريا. خلال ثلاث سنوات من عهده، أرخت أزمة سوريا بثقلها على الساحة اللبنانية، زادت من حدة الانقسام السياسي خصوصا بعد مجاهرة «حزب الله» بانغماسه في القتال إلى جانب النظام السوري. أزمة ضاعفت تخبط الدولة والاقتصاد وعاثت بالأمن تفجيرات وصواريخ لم تسلم منها البلدات الحدودية، مولدة استنفارا طائفيا وعصبيا وأزمة لاجئين باتت أكبر من قدرة لبنان على تحملها.
لم يحفل العهد الرئاسي بإنجازات نوعية كثيرة، ليس تقصيرا من سليمان الذي يؤكد من يؤيده ومن يعارضه أن الظروف المحلية والإقليمية عاكسته ومنعته تحقيق الكثير، ولكن بفعل الانقسام الداخلي الذي عمقته أزمة سوريا. يكفي التذكير بأنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انصرفت جهود أركان الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس اللبناني، إلى محاولة إطفاء الحريق السوري في العشب اللبناني وتكريس سياسة «النأي بالنفس» عن أزمة سوريا، من دون أن تنجح في ذلك.
وبمعزل عن انعكاسات أزمة سوريا لبنانيا، تعاقبت أربع حكومات خلال عهد سليمان لم تنجز بدورها إلا القليل، ولم تتمكن حتى من ملء الشغور الإداري الذي فاقت نسبته 80 في المائة بفعل المناكفات السياسية، بين فريقي الأزمة، باستثناء ما بدأت بتحقيقه حكومة التسوية الأخيرة. لم تنجز حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة الكثير رغم أنها شكلت امتدادا لتسوية الدوحة. واحتاجت حكومة الرئيس الأسبق سعد الحريري أكثر من أربعة أشهر حتى تبصر النور لتسقط بعد ذلك مع استقالة وزراء «8 آذار» ثم الوزير الشيعي الملك الذي كان محسوبا على سليمان عدنان السيد حسين.
وبعد تخليه عن تحالفه مع «14 آذار» تدريجيا بعد الانتخابات النيابية عام 2009، ساهم النائب وليد جنبلاط بترجيح الكفة لناحية تسمية نجيب ميقاتي رئيسا لحكومة العهد الثالثة عام 2011، وسط مقاطعة «14 آذار» التي امتنعت عن المشاركة فيها. مررت حكومة ميقاتي تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بسلام، وهو ما لم تتمكن حكومة الحريري منه، لكنها لم تحقق الكثير خلال ثلاث سنوات صاخبة أمنيا، اختتمها ميقاتي بتقديم استقالته. ورغم تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة بإجماع نيابي قل نظيره، فإن مشاوراته استغرقت 11 شهرا من الفراغ قبل ولادة حكومته بفعل تسوية سياسية استبقت مرحلة الشغور الرئاسي.
انطلاقا مما تقدم، ليس مبالغة القول إن ثلث عهد سليمان اتسم بالفراغ الحكومي والمناكفات السياسية، وفاقمت أزمة سوريا من سوء علاقته مع «حزب الله»، الذي قاتل في سوريا إلى جانب النظام. وشكل موقفه من كشف مخطط ما يسمى «المملوك - سماحة»، بدء التحول في علاقته مع النظام السوري، علما بأن علاقة وطيدة جمعته مع الطرفين، أي «حزب الله» والنظام السوري، خلال قيادته الجيش اللبناني وفي السنوات الأولى من عهده.
كما شهد عهد سليمان توترات أمنية صاخبة، مع 20 جولة قتال في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، وخاض الجيش مواجهات مع مجموعة الشيخ المتشدد والمطلوب للعدالة أحمد الأسير في مدينة صيدا (جنوبا)، إضافة إلى بروز ظاهرة الانتحاريين والسيارات المفخخة التي ناهز عددها 14 تفجيرا، استهدف معظمها مناطق نفوذ «حزب الله»، إضافة إلى حواجز للجيش اللبناني ومدينة طرابلس.
الصعوبات التي واجهت سليمان في عهده، عبر عنها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بقوله بعد اختتام جلسة الحوار الأخيرة، مطلع الشهر الحالي: «بكلمات مختصرة، لقد قاد رئيس الجمهورية ميشال سليمان البلاد في أصعب الظروف ونجح في أن بقي رئيسا لجميع اللبنانيين دون تحيز لأي فريق من الفرقاء، ونجح في أن أدار هيئة الحوار التي بدأت أيام الرئيس نبيه بري في أصعب الظروف. سينصف التاريخ هذا الرجل لإنجازاته، وكم تحمل من غالبية الفرقاء اللبنانيين من صعوبات ومن مضايقات، لكنه نجح بأعصابه الباردة وحكمته ووطنيته ولبنانيته، في اجتياز أدق المراحل وتجنيب البلاد تشنجات كبيرة وتأكيد أن لا مفر من الحوار».
لكن رغم ضبابية المشهد الداخلي والإقليمي، استطاع سليمان القيام بخطوات مهمة أبرزها إطلاق هيئة الحوار الوطني، التي أقرت «إعلان بعبدا»، الذي نص في أحد بنوده على حياد لبنان عن صراع المحاور وتحديدا أزمة سوريا، رغم أن قوى سياسية تنصلت منه وتحديدا «حزب الله». وقال جنبلاط في هذا السياق، في كلمته في اختتام اجتماعات هيئة الحوار: «معا، أقررنا معه إعلان بعبدا، ونعلم أن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد اليوم على تحقيق هذا الإعلان، لكنه سيبقى مسجلا نقطة بيضاء في تاريخ عهده إلى جانب نقاط مفصلية أخرى».
ويقول الوزير السابق ناظم الخوري، المقرب من سليمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إطلاق هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري هو بلا شك من أبرز إنجازات العهد، بعد أن كان الرئيس نبيه بري أطلق الحوار عام 2006». ويوضح أن الهيئة أقرت، خلال 18 اجتماعا عقدته، نقاطا أساسية، أبرزها «إعلان بعبدا»، الذي أكد «تثبيت الميثاق الوطني والدستور والطائف». كما تخلل اجتماعات هيئة الحوار «الإعلان عن مواقف مصيرية، وآخرها جزم بري باسم جميع المسلمين في لبنان التمسك بالمناصفة، وفي الوقت ذاته نفي أي نية للمطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي جديد في لبنان».
والإنجاز الحواري الثاني، وفق الخوري، هو في «وضع غالبية الأفرقاء تصورهم للاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث، وفي مقدمتهم تصور سليمان الذي لم يناقش للأسف بسبب إشكاليات سياسية». ويعرب الخوري عن اعتقاده أن سليمان «أرسى أسس الحوار الوطني الذي يتوجب على أي رئيس مقبل متابعته بوصفه ضرورة وطنية».
لا ينكر الخوري، وهو من الدائرة الضيقة المقربة من سليمان، أن «ظروفا وانقسامات إقليمية وداخلية أعاقت إنجاز إصلاحات كان الرئيس يأمل تحقيقها ولم يتسن له ذلك، ومن هنا لومه وعتبه على بعض الأفرقاء»، مبينا في الوقت ذاته أنه «وضع أسس إصلاحات ضرورية عدة على غرار تقديمه مشروع قانون انتخاب قائما على النظام النسبي، لكن البرلمان لم يناقشه، وإطلاقه أسس نظام اللامركزية الإدارية قبل نحو شهر». ويشير إلى أن «الأسس المتعلقة بالحوار الوطني واللامركزية وقانون الانتخاب باتت بمثابة مرجعية لأي رئيس مقبل».
وفي موازاة إشارته إلى أن «سليمان أعاد الحضور اللبناني إلى المحافل الدولية بشهادة كل الأفرقاء وحظي باحترام وثقة ومصداقية رؤساء الدول، كما أطلق سياسة (النأي بالنفس)، وفي عهده تبادل لبنان وسوريا العلاقات الدبلوماسية من خلال السفارات»، يشدد الخوري على أن سليمان «نجح سياسيا في تكريس نهج قائم على الحوار والاعتدال والإدارة الحكيمة للسياسة اللبنانية».
وفي سجل «الإنجازات» الرئاسية، يتحدث مقربون من سليمان عن جهوده في دعم الجيش اللبناني وتسليحه، لا سيما الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار، وتعد الهبة الكبرى في تاريخ الجيش اللبناني، إضافة إلى دور سليمان في إنشاء مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين.
وكان سليمان عدد في وقت سابق ما كان يرغب في إنجازه قبل نهاية عهده بـ«تحقيق استرداد الجنسية للمغتربين، وتأمين حق اقتراع المغتربين، ووضع قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية، وتطبيق الاستراتيجية الدفاعية». ويذكر أن سليمان كان من أشد المعارضين لقانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي توافق الأفرقاء المسيحيون عليه في بكركي، وينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها. كما عارض تمديد البرلمان اللبناني لنفسه في يونيو (حزيران) الماضي، وقدم طعنا إلى المجلس الدستوري لإبطال تنفيذه، لكن الانقسامات السياسية داخل المجلس حالت دون قيامه بدوره.
وينقسم الأفرقاء اللبنانيون في تقييم عهد سليمان، وإن كانوا يجمعون على الصعوبات الأمنية والسياسية، الداخلية والإقليمية، التي كانت بالمرصاد. يثني فريق 14 آذار عموما على التحول في خطاب سليمان من «حزب الله» وسوريا. يقول العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، نائب رئيس حزب القوات، لـ«الشرق الأوسط»، إن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف السياسية المطلوبة في السنوات الثلاثة الأخيرة»، فيما يرى الباحث السياسي، المقرب من «حزب الله»، طلال عتريسي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن سليمان «لم ينجح في الحفاظ على ثوابت وردت في خطاب قسمه، ولم يكن لعهده نهج واضح».
التحول في علاقة سليمان بـ«حزب الله» بدا واضحا في العام الأخير من عهده الرئاسي تحديدا. في خطاب عيد الجيش، في الأول من أغسطس (آب) الماضي، أكد سليمان أنه «أصبح ملحا درس الاستراتيجية الوطنية للدفاع وإقرارها في ضوء تطورات المنطقة، والتعديل الطارئ على الوظيفة الأساسية لسلاح المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية»، في إشارة إلى مشاركة الحزب في القتال بسوريا. وجاء الرد بعد أسبوعين على لسان رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد الذي قال إن «إعلان بعبدا ولد ميتا ولم يبق منه إلا الحبر على الورق». وساءت العلاقة بين الطرفين تدريجيا لتبلغ أقصاها مع دعوة سليمان الأفرقاء أثناء المشاورات لتشكيل حكومة سلام، إلى التخلي عن «المعادلات الخشبية»، في إشارة إلى تمسك حزب الله بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فكان الرد الأقسى من الحزب الذي دعا «ساكن القصر» إلى «التمييز بين الخشب والذهب».
أثارت مواقف سليمان غضب «حزب الله»، الذي قاطع جلسات الحوار الأخيرة، وكذلك فعل بعض حلفائه المقربين من النظام السوري. وفي سياق متصل، برز موقف لافت لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي قال في حديث تلفزيوني أول من أمس، إن «مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة هي ردة فعل على عدم التمديد، ولو قبلنا بالتمديد له لكان اليوم في صلب (8 آذار)».
وسأل فرنجية: «كل السلاح الذي كان يأتي من سوريا إلى (حزب الله) ألم يكن ميشال سليمان يمرره عندما كان قائدا للجيش؟ أكنا لنقبل به رئيسا لو لم يلتزم الاستمرار بهذه السياسة؟ أكان استطاع أن يصل إلى الرئاسة لو لم يعد (حزب الله) بالاستمرار بنفس السياسة معه؟ هل أصبح وطنيا في الشهرين الأخيرين من عهده؟». وذهب فرنجية إلى حد القول إن «سليمان يتمنى التحدث مع الأسد لكن الرئيس (بشار) الأسد يرفض الحوار معه»، لافتا إلى أن «إعلان بعبدا لا شيء فيه غير الحياد الذي لم يعد موجودا».
وفي هذا السياق، يرى الباحث والأستاذ الجامعي طلال عتريسي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «لا إنجازات مهمة متعلقة بالحياة السياسية أو بالملفات الكبرى أو عمل المؤسسات، يمكن التوقف عندها لدى مراجعة عهد سليمان»، مشيرا إلى أن «الظروف الإقليمية جعلت الرئيس في حالة من المد والجزر تفاعلا مع الأوضاع القائمة، مع النظام السوري وضده، مع المقاومة وضدها، عدا عن الفوضى الأمنية في الشمال وصيدا..». ويقول عتريسي، المواكب للشأن الإيراني والمقرب من «حزب الله»: «لا الظروف ساعدت سليمان ولا هو نجح بالعمل تحت راية شعار أو نهج واحد»، مشيرا إلى أنه «بدا في المرحلة الأخيرة أن الهدف من غزله السابق لـ(حزب الله) توظيفه من أجل التمديد». ويرى أن «مشكلة سليمان أن ثوابته لم تعد معروفة، بعد أن أخذته التجاذبات الإقليمية باتجاه معين وأثرت على مواقفه السياسية، خصوصا من المقاومة».
يعارض عتريسي القول إن «إعلان بعبدا» هو إنجاز. ويعلق بالقول: «إذا كان (إعلان بعبدا) إنجازا فهذا كارثة»، مذكرا بأن «رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عارض مضمونه الذي جاء بعد مشاركة شبان من الشمال في القتال في سوريا ثم بات من مؤيديه، في حين أن (حزب الله) أيده ثم بات اليوم من معارضيه». ويستنتج عتريسي أن «أيا من القوى السياسية لا تدافع عن إعلان بعبدا بعدما لم يتحقق شيء مما ورد فيه».
ويذهب عتريسي إلى حد القول إن «سليمان لم يتمكن من جمع المسيحيين حوله، إذ فضل خوض صراعات مع بعض القوى المسيحية وعمد لتهميش بعضها كالنائب ميشال عون، وساهم ذلك في أن يضعف نفسه بنفسه».
في المقابل، لا يلتقي وهبي قاطيشا، نائب جعجع، مع عتريس إلا لناحية التأكيد على أن «الظروف المحلية والإقليمية لم تسعف سليمان كثيرا»، لكن قاطيشا يرى أن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف الوطنية المطلوبة». ويضع التحول في مواقفه من «حزب الله» في إطار «المواقف الوطنية الأساسية التي ينبغي على أي رئيس لبناني غير خاضع للضغوط الخارجية أن يعلنها». ويضيف: «صحيح أن الرئيس جاء بتسوية في الدوحة وكان قريبا من (حزب الله) خلال قيادته للجيش من أجل حل بعض المشاكل وضرورات التنسيق، لكنه عندما تحرر من الضغط السوري باتت مواقفه أكثر انسجاما مع قناعاته الوطنية».
يعارض قاطيشا الربط بين مواقف سليمان الأخيرة من «حزب الله» وقرار الأخير عدم التمديد له. يقول إنه «لو كان سليمان طامحا إلى التمديد، لما أعلن هذه المواقف الوطنية الصحيحة المنتقدة لقتال الحزب في سوريا، ولبقي يساير الحزب على حساب القضايا الوطنية»، متابعا: «لكنه عوض ذلك، فضل ترك الحكم كبيرا على أن يقدم على تسويات صغيرة».
ولا ينكر قاطيشا تباين وجهة نظر «القوات» مع سليمان في محطات كثيرة، لكنه يوضح: «إننا وقفنا إلى جانبه بوصفه رمزا وطنيا ولم نذهب بعيدا في انتقاداتنا، في حين أن قوى أخرى على غرار عون وفرنجية المرتبطين بسوريا والسلاح، أخذا مواقف يمكن وصفها، على الأقل، بأنها لا أخلاقية». ويرى قاطيشا أن «سليمان لم يتمكن من استيعاب الطرف الآخر ولم يسلم من شره». وفي موازاة تصنيف قاطيشا «إعلان بعبدا، رغم تنصل حزب الله منه، والهبة السعودية للجيش، إضافة إلى وقوف سليمان سدا منيعا في اجتماعات الحكومات المتعاقبة» في إطار «إنجازات العهد الرئاسي»، يشدد على أن واحدة من أبرز ميزات الرئيس هي كونه «دستوريا بامتياز، إذ شكل الدستور مرجعه في المحطات كافة انطلاقا من قناعته أنه ليس بإمكان أحد أن يكون أقوى من الدستور». وعلى وقع كل هذه الانتقادات والإشادات، يغادر سليمان القصر الرئاسي «براحة ضمير وفخر بما أنجزه رغم كل الظروف الصعبة والانقسامات الحادة»، وفق ما يؤكده الوزير السابق ناظم الخوري لـ«الشرق الأوسط»، متابعا: «يكفيه أنه كان قادرا على التجديف وسط المياه الهائجة، ونجح بمعية الرئيس سلام في تشكيل حكومة تسوية».
كما يبقى للتاريخ أن يحكم على عهد سليمان، الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، والأول بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وأن يقيم إنجازاته وإخفاقاته. يبقى أن النائب وليد جنبلاط كان سباقا في الحكم على هذه التجربة، بمقارنته بين سليمان والرئيس الأسبق فؤاد شهاب، وقوله إن «سليمان برفض أي مشروع تمديد يلتقي مع رئيس كبير من رؤساء لبنان هو الراحل فؤاد شهاب».

* «المقاومة» في خطاب القسم
* خصص الرئيس اللبناني ميشال سليمان في خطاب قسمه الرئاسي جزءا للحديث عن المقاومة، في إشارة إلى «حزب الله»، جاء فيه: «إن نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كيانا وجيشا لها، ونجاحها في إخراج المحتل يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الإسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازما مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية. فلا تستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني. يتزامن هذا اليوم، مع الذكرى الوطنية للتحرير والنصر، فلتكن حافزا لنا لمزيد من الوعي لما يتربص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديمقراطية، التي ضحينا من أجلهما لنصون الوطن».
- يعد ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، أي بعد توقيع اتفاق الطائف، علما بأن ولايته تنتهي في 25 مايو (أيار) المقبل. ولد في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948 في عمشيت، قضاء جبيل. متأهل من السيدة وفاء سليمان، ولهما ثلاثة أولاد: ريتا ولارا وشربل. تخرج من المدرسة الحربية بصفة ملازم عام 1970، وتولى قيادة الجيش اللبناني بتاريخ 21 ديسمبر (كانون الأول) 1998 ولغاية 25 مايو (أيار) 2008. حصل في عام 1980 على إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. يتقن اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.



الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من نوعها سيشهدها الأردن تحت شعار «تحديث المنظومة السياسية» في المملكة. ويذكر أنه على مدى العامين السابقين دخلت المملكة في حالة جدال نخبوي حاد، حول مدى مساهمة قانون الانتخاب الجديد في تجويد الأداء البرلماني، ولا سيما، بعد تراجع اقتناع الرأي العام بأداء المجالس النيابية التي سجلت نسباً متدنية من الثقة عند الرأي العام بعد استطلاعات رأي تحدث بعضها عن ما نسبته 17 في المائة فقط يثقون بمجلس النواب. وبالتالي، من المرجح أن يصدر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، خلال الأيام القليلة المقبلة مرسوماً يقضي بحل مجلس النواب التاسع عشر؛ تمهيداً لفتح باب الترشح للانتخابات النيابية، وبهذا القرار يتوقع أن يبدأ الحراك الانتخابي ويزداد سخونة مع قرب موعد يوم الاقتراع، لكن تبقى جملة من المحددات قد تؤثر على تحقيق أهداف التحديث البرلماني المنشود. إذ ستبدأ مرحلة الترشح للانتخابات المقبلة في الثلاثين من الشهر الحالي، وسط حراك حزبي يسعى لإثبات وجوده في السلطة التشريعية، التي هي ركن أساسي في معادلة الحكم، لكن الكلام عن استخدام المال لجذب القواعد الانتخابية فتح باب التخوف من إحباط التجربة الحزبية البرلمانية في نسختها الأولى، فعلى ثلاثة مواسم انتخابية سترتفع نسبة التمثيل الحزبي في البرلمان من 30 في المائة إلى 65 في المائة في انتخابات عام 2032.

سمير الرفاعي

يبلغ متوسط نسب الاقتراع في الانتخابات النيابية الأردنية للمواسم الانتخابية الثلاثة الماضية نحو 32 في المائة. وإذا كانت هذه النسبة متدنية، ففي أفضل الحالات لم تتخطَّ نسب المشاركة حاجز الـ40 في المائة طوال السنوات الـ25 الماضية، أضف إلى ذلك أن الحافز العشائري يُعدّ من أهم روافع المشاركة والإقبال، في وقت تتراجع نسب الاقتراع في العاصمة عمّان ومراكز الثقل السكاني في محافظتي إربد والزرقاء.

وعلى الرغم من الجهود المؤسسية المبذولة لتحفيز المواطنين على المشاركة، يظل المزاج العام شديد التأثر بالسلبية عند مراجعة أداء البرلمانات في السنوات الأخيرة. وكل الضجيج الذي يسمعه الناس في خطابات النواب لم يأتِ بأي قرار يخالف التوجّهات الحكومية، بل عادة ما يجيء التصويت بعكس الموقف الذي يعلنه نائب أو كتلة نيابية.

مشاجرات وفصل نوابمن جهة ثانية، مشاهد المشاجرات والعنف، بالإضافة إلى تسجيل مجلس النواب الحالي عدداً من حالات الفصل وتجميد العضوية لعدد من النواب سوابق لم تحدث في مجالس نيابية سابقة. فلقد قرّر المجلس الحالي فصل نائبين وتجميد عضوية نائبين آخرين، ورُفعت الحصانة على نائب ما زال يَمثُل أمام محكمة أمن الدولة (قضاء عسكري) بتهمة تهريب السلاح إلى إسرائيل، وهذا بلا شك ساهم في العزوف عن متابعة أداء السلطة التشريعية.

وثمة مشاهد كثيرة أخرى ربما أدت أيضاً إلى صرف الناخبين عن المشاركة، منها ممارسات حزبية وُلدت من رحم برنامج التحديث السياسي وسبّبت حالة إحباط لدى الرأي العام، وبخاصة، أن تلك الأحزاب قدّمت نفسها على أنها «أحزاب الدولة»، ولكن مارس بعضها سلوكيات ساهمت في التشويه والتشويش على التجربة الحزبية الجديدة في البلاد. وكان آخرها إحالة أمين عام أحد الأحزاب إلى النائب العام بتهمة طلبه مبلغاً مالياً من مرشح مفترض أن يكون في صدارة قائمته للانتخابات المقبلة.

وطبعاً، يضاف إلى كل ذلك أن الضغوط الاقتصادية المعيشية المُصاحبة لحالة المواطن الأردني ساهمت بـ«حالة من قلة الاكتراث» - وفق مراقبين - بمجمل المشهد السياسي، ومنه الانتخابي على وجه الخصوص؛ بسبب الاقتناع المتجذر بعجز البرلمانات عن حل الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ أزمة جائحة «كوفيد - 19» التي شلّت وأغلقت قطاعات خدمية حيوية وصناعية؛ ما تسبب في تسريح عاملين يقفون اليوم في طوابير البطالة التي يختلف المتخصصون على نسبتها.

تأثير الحرب على غزة

وعلى صعيد موازٍ، هناك أسباب تتعلق بالتخوف الرسمي من نسب المشاركة في الانتخابات. فاستمرار الحرب على قطاع غزة، تركت انسحابات على الشارع الأردني المتصل بالقضية الفلسطينية جغرافياً وديموغرافياً. وهذه الانسحابات أدخلت الرأي العام في حالة من الإحباط بعد غياب آفاق وقف الحرب في المدى المنظور، وبالتلازم مع هذا الإحباط توجد مخاوف رسمية من استفراد الحركة الإسلامية في الأردن بحصة الأسد من أصوات المقترعين، المشحونين بعاطفة الانتصار للمقاومة الإسلامية في غزة. واستطراداً، يبقى لغز ضعف نسب المشاركة في الأوساط الأردنية من أصول فلسطينية، حالة محيرة لمركز القرار، الذي نفّذ دراسة اجتماعية مسكوت عنها لم تصل إلى نتائج حاسمة في تعريف المشكلة على طريق صناعة الحلول.

نخب تقليدية بمواجهة طامحين

في هذه الأثناء ظهرت مساحات من الصراع بين تيارين: التيار الأول، تيار النخب التقليدية الذي يحمل موقفاً سلبياً من القفزات التي جاءت في قانوني الأحزاب والانتخاب، وأساس سلبيته شعوره بـ«تغييبه» عن مراكز القرار كواعظين وناصحين، بعد فترة ازدحمت بإطلاق الأوصاف بحقهم كـ«الحرس القديم» و«النخب المحافظة» و«قوى الشد العكسي» و«قوى الوضع القائم». والتيار الآخر يتمثل بأعضاء من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الذين بشّروا بانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي بالتزامن مع دخول المملكة مئويتها الثانية... والصراع هنا كان وقوده الرأي العام الذي انقسم بين التيارين المتعارضين، في حالة عزّزت من مشاعر «قلة الاكتراث» بالانتخابات النيابية في نسختها الحالية.

وعلى مدى السنتين الماضيتين أنتجت مرحلة التحديث السياسي - بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب، والتعديلات على الدستور - 38 حزباً، بعدما كان عدد الأحزاب 56 حزباً. إلا أن هذا المشهد لم يختصر الكم الحزبي، كما لم يأتِ بالنوع المتفرد. إذ انقسم المشهد على ثلاثة تيارات تقليدية، هي:

- تيار اليسار والقوميين، الذي يعاني أزمة انتشار بسبب التشبث بخطابه التقليدي ويعاني تراجع دعم المؤازرين له.

- التيار الوسطي الذي يحاول إعادة إنتاج نفسه متمسكاً بأدبياته نفسها، ومكتفياً بتغيير قياداته التي جاءت بدعم من مراكز قرار.

- التيار الثالث... وهو اليمين الإسلامي، الذي احتكر تمثيله حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذراع الحزبية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في الأردن.

تحدٍ رسمي يراهن على نسب مشاركة كبيرة رغم الإحباطات الكثيرة

 المشهد السابق دفع برئيس اللجنة الملكية، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، إلى ممارسة النقد الذاتي لتجربة التوافق على مخرجات لجنته. لكنه لم ينتقد التوافق في حد ذاته، بل بعض الممارسات الحزبية التي اختطفت التجربة لتعيدها وتختصرها في شخوص من أسسوا أحزاباً جديدة، تاركين الفكرة في مهب التشكيك والتشويه. وهنا برز عدد من المريدين لإلقاء المسؤولية بعيداً عنهم، وتحميل تخبّط النسخة الأولى من التجربة لمؤسسات وجهات مدنية وأمنية. وأيضاً، هاجم بعض هؤلاء الهيئة المستقلة للانتخاب التي حمّلوها مسؤولية التقصير في دورها ومتابعة شؤون الأحزاب ومدى تطبيقها شروط القانون وأحكامه. لكن «المستقلة للانتخاب» ردّت بإجراءات على الأرض أسفرت عن إحالات للادعاء العام بشبهة استخدام المال في ارتكاب جرائم انتخابية بقصد التأثير على إرادة الناخبين من جهة، وطلب مبالغ مالية من مرشحين من جهة أخرى لحملهم نحو مقاعد مجلس النواب الجديد.

في هذه الأثناء، الطامحون بخوض التجربة الحزبية في الانتخابات المقبلة يعتقدون أن ولادة الحكومة البرلمانية اقتربت، إلا أن الرفاعي في محاضرته الأخيرة أكد أن خريطة التحديث لم تقلّ عن إنتاج حكومات حزبية بالمعنى التقليدي في المدى المنظور، لكن من شأن تراكم الحضور الحزبي أن يوصل إلى حكومات برلمانية تقابلها معارضة حزبية في سباق لكسب تأييد الناخب الأردني ضمن مفاهيم التعددية السياسية وتداول السلطة.

كذلك، بدا سمير الرفاعي وكأنه يُذكّر بأن الجمع بين مقعدي النيابة والوزارة أمر بات منتهياً في ظل حظر الدستور، بموجب التعديلات الأخيرة مطلع عام 2022، الجمع بين الموقعين تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطتين، وتأكيداً بأن الثقة البرلمانية بالحكومات ستأتي حتماً بشخصيات حزبية ليست من أعضاء مجلس النواب. وهكذا، حرّك كلام الرفاعي المياه الراكدة، وأيقظ طامحين منبهاً إياهم بضرورة الكف عن الترويج لمفاهيم غير موجودة على خريطة الإصلاح البرلماني التي جاءت في وثيقة التحديث الملكي لمئوية جديدة، تحاكي المستقبل وتغادر الحاضر المشبع بتحديات الثقة والسلبية السائدة - وخصوصاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

خروج أقطاب يمهّد لوجوه جديدةمن جهة أخرى، لم يكن من المتوقع من بعض الأقطاب من النواب إعلانهم باكراً العزوف عن الترشح لهذا الموسم الانتخابي. ولكن هذا ما حدث، بعد إعلان المحامي عبد الكريم الدغمي، البرلماني المخضرم الذي لم يغب عن مجالس النواب منذ عام 1989 وحتى اليوم، وترأس المجلس في دورتين متباعدتين، واعتُبر عرَّاب التشريعات. وبعده تبعه النائب خليل عطية الذي قرر العزوف عن خوض الانتخابات التي داوم على حضورها منذ عام 1997، وتلاه أيمن المجالي، ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد المنعم العودات، والنائب الاقتصادي خير أبو صعيليك.

وراهناً، تبدو احتمالات عودة نواب حاليين ضعيفة أمام ما ترسخه الأعراف العشائرية في الانتخابات النيابية من عملية (الدور) في الترشح، والقائمة على منح فرص متساوية لأبناء العشائر في التقدم نحو المناصب القيادية. وهذا غالباً ما يحدث في الدوائر الانتخابية البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية الثلاث (عمان، وإربد، والزرقاء)، فدوائر الأطراف تُسجل عادة نسباً عالية في المشاركة، ومنافسة ساخنة في بعض المواسم السابقة.

للعلم، تعدّ العشيرة في الأردن حزباً اجتماعياً نافذاً ومتجذراً، ولها في العملية السياسية مساحة فاعلة. وهي عادة ما تمثّل درجة الحسم في كثير من مستويات المشاركة السياسية، وتعتبر من أهم روافع الأمن والاستقرار، نتيجة الاستجابة للمصلحة العامة، من دون أن تقايض بمواقفها في الملفات المهمة. بيد أن ما ذهبت إليه فكرة «الدائرة العامة المخصصة للأحزاب»، وبحصة متصاعدة في ثلاثة مواسم انتخابية، أسهم في كسر الحدود الإدارية بين الدوائر الانتخابية، وصولاً إلى فكرة الدائرة الوطنية الواحدة، التي قد تساهم في تجاوز التمثيل الأضيق على حساب التمثيل الأوسع... وهكذا، يذهب الناخب لاختيار من يمثّله على اتساع الرقعة الجغرافية الكاملة للمملكة؛ ما يساهم في صهر المجتمع، وتجاوز الفوارق التنموية والديموغرافية.

وللتذكير، تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانون انتخاب جديد أدخل حزمة من الإجراءات الجديدة، على رأسها إنشاء دائرة عامة على مستوى الوطن بـ41 مقعداً مخصصة للأحزاب، و18 دائرة محلية لها 97 مقعداً. ونص القانون أيضاً على «درجة الحسم» (العتبة) شرطاً للتنافس على المقاعد الحزبية بنسبة 2.5 في المائة والمحلية بنسبة 7 في المائة، في حين جاء القانون بفرص زيادة تمثيل المرأة بواقع تخصيص مقعد امرأة لكل دائرة انتخابية، ومقعدين من أول ستة مترشحين في القائمة الحزبية، مع حرية اختيار مسار «التنافس الحصصي» أو «الكوتا». وهي الفرص ذاتها التي مُنحت للشركس والمسيحيين، مع ضمان تمثيل الحد الأدنى لهم ضمن «كوتات» لعضوية المجلس المقبل.

عبدالكريم الدغمي

 

لمحة تاريخية عن المجالس النيابية الأردنية خلال 35 سنة

> دخل الأردن مرحلة التحوّل الديمقراطي عام 1989، بعد أحداث ما عرف بـ«هبّة نيسان» (أبريل)، ولم تنقطع الحياة البرلمانية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، فأجريت الانتخابات في السنوات 1989 و1993 و1997. وفي مطلع الألفية الجديدة تعطل البرلمان لمدة سنتين بسبب تداعيات «الانتفاضة (الفلسطينية) الثانية»، وما رافقها من تداعيات على الساحة المحلية، وأجريت الانتخابات في عام 2003 بعد ثلاثة أشهر من احتلال بغداد، وعاش ذلك المجلس لمدة أطول من مدته الدستورية. في نهاية عام 2007 أجريت الانتخابات الشهيرة في الأردن، التي شهدت عمليات تزوير اعترف بها الرسميون، وأغضبت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ليدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة عام 2010. لكن هذه أيضاً شهدت تدخلات رسمية، ساهمت في فقدان الثقة بالعملية الديمقراطية أردنياً. وعلى الأثر، حل البرلمان وتعطلت الحياة البرلمانية لمدة سنة. وكانت جميع تلك الانتخابات قد أجريت وفق أحكام قانون الصوت الواحد الذائع الصيت الذي انتقدته تيارات سياسية عريضة في البلاد. بعد «الربيع الأردني» دُعي إلى انتخابات نيابية بعد إنشاء هيئة مستقلة للانتخاب، وأجريت الانتخابات في مطلع عام 2013. ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الحياة النيابية ولم يحدث فراغ تشريعي، بعدما أكملت المجالس مدتها الدستورية بواقع أربع سنوات شمسية؛ إذ يُحّل المجلس قبلها بأربعة أشهر لإجراء الانتخابات بموعدها.