يوم انتحرت «ماجدولين»

يوم انتحرت «ماجدولين»
TT

يوم انتحرت «ماجدولين»

يوم انتحرت «ماجدولين»

هل يستطيع كتاب واحد تغيير حياة إنسان؟! ربما، ولكن حين بحثتُ طويلاً في رحلتي مع الكتب، لم أسقط على كتاب أستشهد به كان له الأثر المقصود، وإنما وجدت عدداً من الكتب لا فضل لها في ذاتها على غيرها من الكتب بقدر تضافر عدد من العوامل الزمنية وقتها، فلا أنسى الكتب المصورة التي وقعت عيني عليها في مكتبة ابتدائية «حمزة بن عبد المطلب»، حين تصفحت عدداً منها، واستعرت أخرى؛ لتكون معادلاً ترفيهياً للعب كرة القدم وقتها، ولن أنسى كتاب «قصص الأنبياء» أول كتاب اقتنيته في أول رحلة مدرسية إلى مكة، فكان ذلك الكتاب بداية مكتبة تقاسمني اليوم غرفة نومي.
وكان لي صديقي اسمه نوح أثناء دراستي بالكلية الصحية بالدمام أشاركه السكن مع اختلاف الميول والوظيفة، رآني يوماً أقرأ قصة «ماجدولين»، فحكيت له أحداثها، حتى وجد أثر الحزن على محياي في اليوم التالي، فسأل عن سبب حزني، فأخبرته بانتحار «ماجدولين».
علمت يومها أن ألفونس كار حين كتبها لم يعلم أن المنفلوطي يوماً سيعربها، وأن قارئاً في المشرق يحزن لموت بطلته، وأن صديقه سيواسيه يوماً لحزنه سخرية أو صدقاً، لذلك أجد في ذلك الكتاب منعرجاً في رحلتي القصصية لتلك الحادثة لا أكثر، فأصبحت مولعاً بالقصة والرواية، وصرت مرتبطاً بالقصة، لتنقلني إلى محطة أخرى في كتابة السيناريو، هكذا كانت البداية قصص مصورة تقود إلى قصص متحركة أشاهدها على الشاشة.
لم أقف عند تلك المحطة، فلمز بعض الأصدقاء بعدم الاختصاص في اللغة، ألحقني بدراسة كتبها منذ البداية، والتتلمذ على المختصين، ودراسة الأجرومية، والكواكب الدرية، بل والالتحاق للدراسة بقسم اللغة العربية بعد أن فرغت من الدراسة التخصصية في العلوم الصحية، والوصول إلى شهادة الدكتوراه في الأدب والبلاغة والنقد، وأثناء تلك المرحلة دخلت كتب جديدة مكتبتي أنزلت الروايات والقصص وحلّت مكانها، فكان المنعرج الجديد في رحلتي، وصار كتاب (فعل القراءة) لفولفونغ آيزر مثلاً سبب في رسالتي للماجستير «تلقي الرواية السعودية في الصحافة».
البحث أشبه ما يكون برحلة صيد، تذهب لتصطاد نوعاً من السمك، فتظفر بآخر يقودك إلى مكان مختلف، وهذا ما حدث عندما تعرفت على «تودوروف» وكتبه التي قادتني إلى «الفانتاستك» حيث عشقي للقصص ابتداء، فكان أول خيط لرسالتي في الدكتوراه حين وقعت على كتابه «الشعرية»، فزاوجت بين الشعرية والفانتاستك في الرواية السعودية متخذا من «طوق الحمام» لرجاء عالم نموذجاً.
هل أستطيع بعد هذا الترحال أن أتوقف عند خصيصة وجدتها في الكتب الصغيرة؟! ككتاب «الأدب في خطر» لتودوروف، ومطبوعات توبقال من قبيل كتب عبد الفتاح كيليطو التي أثبتت بأن القيمة بالكيف لا الكم، فمتى انتهت فكرتك في الكتابة توقف دون أن تزيد، فالزيادة أخت النقص.
- قاص وروائي سعودي


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.