تصاعد الضغوط على كاراكاس لحل الأزمة الفنزويلية دبلوماسياً

كولومبيا تدعم المعارضة لتشديد الخناق على حكومة مادورو

مواطنون فنزويليون يستقبلون مساعدات غذائية حكومية وسط أزمة اقتصادية خانقة (أ.ف.ب)
مواطنون فنزويليون يستقبلون مساعدات غذائية حكومية وسط أزمة اقتصادية خانقة (أ.ف.ب)
TT

تصاعد الضغوط على كاراكاس لحل الأزمة الفنزويلية دبلوماسياً

مواطنون فنزويليون يستقبلون مساعدات غذائية حكومية وسط أزمة اقتصادية خانقة (أ.ف.ب)
مواطنون فنزويليون يستقبلون مساعدات غذائية حكومية وسط أزمة اقتصادية خانقة (أ.ف.ب)

بعد رفض عدد من دول الجوار الفنزويلي اللجوء إلى الخيار العسكري والتصعيد مع إدارة الرئيس نيكولاس مادورو، قام عدد من الدول المحورية في الأزمة الفنزويلية بمحاولة للضغط على كاراكاس دبلوماسيا وسياسيا، وذلك لحل الأزمة بشكل سلمي.
وقالت وزارة الخارجية المكسيكية إن وزيرها، لويس فيديجاراي، زار العاصمة الكوبية هافانا على أمل إقناع كوبا، إحدى أكبر حلفاء فنزويلا، بالمساعدة في حل الوضع السياسي المتوتر. وقالت الخارجية إن الوزير سيدرس توسيع خط ائتمان لدى مصرف بانكوميكست المكسيكي المملوك للدولة لتسهيل خطوط ائتمان إلى هافانا، ستصل إلى 56 مليون يورو كبادرة لحسن النوايا.
من جهتها، استقبلت كولومبيا المدعية العامة لويزا أورتيغا بعد فرارها من فنزويلا، ما يشكل ضغطا كبيرا على إدارة الرئيس مادورو، خاصة بعد بدء المدعية العامة تسريب وثائق ومعلومات حول تورط الحكومة الفنزويلية في قضايا فساد مع شركة الإنشاءات البرازيلية «أوديبريشت» التي هزت فضائحها أرجاء القارة اللاتينية.
هذا وتشهد فنزويلا، التي كانت تعد من أغنى الدول بفضل احتياطي النفط الهائل لديها، حالة من عدم الاستقرار، ويواجه الرئيس مادورو يومياً مسيرات يشارك بها مواطنون فنزويليون معارضون لحكومته. ويبدو أن التفاوض بين الحكومة والمعارضة بغرض التوصل إلى تسوية أمر غير مرجح، بالنظر إلى الظروف الحالية. ولا تزال قوى المعارضة نفسها منقسمة على ذاتها حول الكثير من المسائل، ولا تتوحد سوى في رغبتها في خلع مادورو من سدة الحكم.
على الصعيد الدولي، دعت حكومات كثيرة إلى حل يحول دون تأجج العنف في البلاد، والذي أدى إلى مقتل أكثر من مائة شخص منذ بدء الاحتجاجات. وأشارت بعض الأصوات إلى أن خيارات التغيير المتاحة في فنزويلا هي إما عملية تفاوض حقيقية تساعد في التوصل إلى حل وسط يرضي الحكومة والمعارضة، مثل تشكيل حكومة انتقالية، أو إجراء تغيير شامل في الحكومة والنظام.
وتعد القوات المسلحة الفنزويلية من العناصر الأساسية لأي تغيير محتمل في إدارة البلاد. وخاصة بعد قيام الرئيس الراحل هوغو شافيز، الذي قاد الثورة الاشتراكية عام 1999 بإعطاء ضباط حاليين ومتقاعدين مناصب مهمة في الحكومة، ولهم وضع متميز في الاقتصاد.
وتحدثت أوساط فنزويلية عن أن الشخصيات المنتمية إلى مدرسة شافيز والتي يمكن أن تحل محل نيكولاس مادورو، تشمل نائبه ذا التوجه المتطرف طارق العسيمي. وأوضح رونالد رودريغوز، الباحث في مرصد فنزويلا بجامعة روزاريو في كولومبيا، أن الدستور يمنح نائب الرئيس صلاحيات لأن وظيفته نظرياً هي تولي مهام الرئيس في حالة غيابه.
مع ذلك يتولى العسيمي مسؤولية الدفاع القومي، واستراتيجية الحفاظ على الاستقرار المحلي والدولي للبلاد. العسيمي هو الرجل الثاني في فنزويلا، وليس نائب الرئيس فحسب، لكن نظراً لدوره يسيطر على المجموعات المؤيدة للحكومة التي تمارس العنف ضد جماعات المعارضة. ويقول رودريغوز: «إن دوره هو قيادة مجلس الدفاع والأمن الفنزويلي، الذي أعلن أن موقفه الدائم هو التصدي لاحتجاجات المعارضة، ويتولى نظرياً التنسيق بين الأمور والمسائل الأمنية وقت الأزمات. لذا يضطلع بدور مهم جداً اليوم».
يحظى اسم طارق زيدان العسيمي منذ سنوات كثيرة بشهرة كبيرة بين الفنزويليين. وقد تقدم بخطى سريعة في مسيرته السياسية، وترقى في صفوف أنصار حركة شافيز. وقد بدأت علاقته الوطيدة بهوغو شافيز، والحزب الاشتراكي الموحد، خلال سنوات دراسته في الجامعة من خلال معرفته بشقيق شافيز الذي كان أستاذه. وتم انتخابه عام 2005 عضوا في البرلمان، فضلا عن تقلده للكثير من المناصب القيادية الأخرى في الحكومة، حيث شغل خلال الفترة بين عامي 2007 و2008 منصب نائب وزير أمن المواطن، ثم وزير للداخلية، ووزير للعدل. وفي عام 2012 تم انتخاب العسيمي ليكون حاكم ولاية أراغوا الشمالية.
ويقول جوزيف هومير، مدير مركز «مجتمع حر آمن»، والخبير في شؤون الأمن والإرهاب إن هناك تنظيمين كبيرين في الحكومة الفنزويلية يدير أحدهما الجيش الفنزويلي، المندمج بشكل كبير داخل الجيش والآخر هو الحرس الوطني المسمى «تنظيم الشمس» في إشارة إلى الشعار الموجود على الزي الرسمي للجنرالات العسكريين.
هذا وتشهد القارة اللاتينية حالة من الانقسام غير مسبوقة وأصبحت فنزويلا مسألة حساسة سواء بالنسبة للفريق الذي يدافع عن نظام نيكولاس مادورو، أو الفريق الذي يدينه ويعارضه. فلدى فنزويلا ثقل تاريخي كبير في المنطقة بفضل ثروتها من النفط. وكان هذا هو الحال خلال فترة حكم شافيز حين وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها، حيث أنشأ شافيز تنظيمات تجمع بين البلاد بالتوازي مع منظمة الدول الأميركية وذلك من خلال استغلال أموال النفط كأداة دبلوماسية، وتطبيق رؤيته الخاصة بتقديم بديل اشتراكي للمنطقة. من بين تلك التنظيمات «البديل البوليفاري لأميركا اللاتينية»، الذي جمع الدول التي ظلت مخلصة لنموذج اشتراكية القرن الواحد والعشرين.
في هذه الأثناء تعارض كل من كولومبيا، والبيرو، والمكسيك، والأرجنتين، والبرازيل الاعتراف بالمجلس التأسيسي الذي أنشأته الحكومة، واتخذت موقفا أكثر تشدداً في مواجهة أفعال الرئيس مادورو. على الجانب الآخر حافظت كل من كوبا، والإكوادور، ونيكاراغوا، وبوليفيا على تحالفها مع النظام وولائها له. وتربط كل من كوبا وفنزويلا علاقة وطيدة، حيث تزود فنزويلا تلك الدولة الجزيرة في البحر الكاريبي بالنفط في مقابل تقديم مسؤولي الأمن في كوبا الاستشارات إلى نظام مادورو. انقسام أميركا اللاتينية واضح، ويمثل عقبة في طريق التوصل إلى حل لتلك الأزمة. وتقول جوفانا دي ميشال، محللة الشؤون الدولية إنه لا يمكننا الحديث عن أميركا اللاتينية باعتبارها كتلة واحدة. وسوف تتجسد الاختلافات الآيديولوجية والسياسية التي توجد في المنطقة في المسألة الفنزويلية. بالنظر إلى الوضع الحرج في فنزويلا، على دول أميركا اللاتينية المشاركة في إيجاد حل يمنع من تصاعد حدة العنف الذي تسبب في مقتل أكثر من مائة شخص طوال أشهر من الاحتجاجات. وتمثل إقامة حوار بين الأحزاب، والحكومة، وقطاعات من المعارضة، السيناريو المثالي. يجب على المعارضة أن تسعى إلى التوحد حتى يكون لها صوت وموقف أقوى في أي مفاوضات.
وحذر بابلو جنتيلي، السكرتير التنفيذي لمجلس أميركا اللاتينية للعلوم الاجتماعية، من خطورة الموقف الحالي في فنزويلا، مؤكداً على ضرورة امتناع دول المنطقة عن دعم طرف دون الآخر لأن أي موقف حاسم قاطع سوف يزيد الأزمة سوءاً. وأضاف جنتيلي قائلا: «إذا تفاقم الوضع سوف يكون هناك المزيد من القتلى. لا يرغب أي من الطرفين في حل الأزمة. في ظل هذه المحاولات الدولية للتوصل إلى حل، لا يمكن للمجتمع الدولي القول إن مادورو مخطئاً، وإن المعارضة جديرة بالمشاركة في الحكومة. سيؤدي هذا، إضافة إلى أي تدخل عسكري أجنبي، إلى تصاعد العنف». يرى جنتيلي أن هذا لو كان قد حدث في أوروبا، لم تكن الدول الأوروبية لتفكر أبداً في اتخاذ موقف في صراع داخلي بهذا الشكل. وأشار إلى أن قرار دعم أي من الطرفين سوف يتسبب في حرب لا نهاية لها لأن خلع مادورو لن يحقق السلام في فنزويلا. وتم تجميد أموال وممتلكات الكثير من المسؤولين في إدارة الرئيس مادورو وفرض حظر على سفر البعض، وبالرغم مما تسببه كل من الآيديولوجية الاشتراكية والرأسمالية من انقسام أميركا اللاتينية سياسيا، يجب على الجانبين تركيز جهودهما على المطالبة بحل سلمي وسريع.



ما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟

صورة توضيحية ملتقطة في 16 يونيو 2025 تظهر العلمين الإيراني والإسرائيلي خلف رمز الذرة وعبارة «البرنامج النووي» (رويترز)
صورة توضيحية ملتقطة في 16 يونيو 2025 تظهر العلمين الإيراني والإسرائيلي خلف رمز الذرة وعبارة «البرنامج النووي» (رويترز)
TT

ما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟

صورة توضيحية ملتقطة في 16 يونيو 2025 تظهر العلمين الإيراني والإسرائيلي خلف رمز الذرة وعبارة «البرنامج النووي» (رويترز)
صورة توضيحية ملتقطة في 16 يونيو 2025 تظهر العلمين الإيراني والإسرائيلي خلف رمز الذرة وعبارة «البرنامج النووي» (رويترز)

قالت إيران، اليوم الاثنين، إن برلمانها يُعِدّ مشروع قانون قد يدفعها نحو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وبدأت إسرائيل في تنفيذ ضربات عسكرية على إيران في 13 يونيو (حزيران)، وعزت سبب ذلك إلى مخاوف بشأن برنامج طهران النووي.

جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران تخالف التزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وتنفي إيران السعي لتطوير أسلحة نووية وأطلقت صواريخ على إسرائيل رداً على الضربات.

فيما يلي بعض الحقائق الرئيسية حول المعاهدة:

الغرض من المعاهدة

هدف المعاهدة، التي دخلت حيّز التنفيذ في 1970، هو وقف انتشار القدرة على صنع الأسلحة النووية وضمان حق جميع الدول الموقعة في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية وتخلّص القوى النووية الخمس من ترسانتها من تلك الأسلحة، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وتُعرّف المعاهدة الدول المسلحة نووياً بأنها تلك التي صنعت وفجّرت سلاحاً نووياً أو جهازاً نووياً آخر قبل الأول من يناير (كانون الثاني) 1967. وتلك الدول هي الولايات المتحد وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا التي ورثت حقوق والتزامات الاتحاد السوفياتي السابق. وهذه هي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام مقر الوكالة المعنية بمراقبة استخدام الطاقة النووية... فيينا 16 يونيو 2025 (رويترز)

الموقعون

بلغ عدد الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية 191 دولة. وتوافق الدول الحائزة للأسلحة النووية على عدم نقل هذه الأسلحة أو مساعدة الدول غير المسلحة نووياً في الحصول عليها.

غير الموقعين

طوّرت دولتان لم توقعا على المعاهدة وهما الهند وباكستان أسلحة نووية. كما يعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، لكنها لم تؤكد ذلك أو تنفه علناً.

ووقّعت كوريا الشمالية على المعاهدة في 1985، لكنها أعلنت انسحابها في 2003 بعد أن واجهها مسؤولون أميركيون بأدلة قالوا إنها تشير إلى برنامج تخصيب سري. وبعد فترة من التقارب، طردت كوريا الشمالية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجدداً في 2009 ولم يعودوا منذ ذلك الحين.

بند الانسحاب

تنقسم المعاهدة إلى 11 بنداً، منها بند يمكن الدولة من الانسحاب «إذا رأت أن أحداثاً استثنائية... قد عرّضت المصالح العليا لبلادها للخطر». ويتعيّن على الدولة إخطار الدول الأعضاء الأخرى في المعاهدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر من الانسحاب.

مراجعة المعاهدة

تجتمع الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لمراجعتها كل خمس سنوات. ومن المقرر عقد مؤتمر المراجعة القادم في 2026.

صورة من محطة بوشهر النووية الإيرانية (رويترز - أرشيفية)

إيران

وقّعت إيران، وهي من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، على معاهدة حظر الانتشار النووي منذ عام 1970، ولديها برنامج لتخصيب اليورانيوم تقول إنه لأغراض سلمية وليس لتطوير أسلحة، لكن قوى غربية وإسرائيل تشتبه في أنها تعتزم تطوير وسائل لصنع القنابل الذرية.

كان إعلان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يضم 35 دولة، في 12 يونيو بأن إيران تنتهك التزاماتها في مجال منع الانتشار النووي بمثابة أول قرار من نوعه منذ ما يقرب من عشرين عاماً. وأعلن المجلس ذلك بعد تقرير يدين إيران أرسلته الوكالة إلى الدول الأعضاء في 31 مايو (أيار).

وأشار القرار الذي اعتمده المجلس إلى «العديد من الإخفاقات من جانب طهران منذ 2019 في الوفاء بالتزاماتها بتوفير التعاون الكامل وفي الوقت المناسب للوكالة فيما يتعلق بالمواد والأنشطة النووية غير المعلنة في مواقع متعددة غير معلنة في إيران».

قضايا مثيرة للقلق

من القضايا المحورية المثيرة للقلق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم تقديم طهران تفسيرات مقبولة لكيفية وصول آثار اليورانيوم المكتشفة في مواقع غير معلنة في إيران إلى تلك المواقع رغم تحقيق الوكالة في المسألة لسنوات. وتعتقد الوكالة أن هذه الآثار تشير في الغالب إلى أنشطة نُفّذت قبل أكثر من عشرين عاماً.

وردّت وزارة الخارجية الإيرانية وهيئة الطاقة الذرية على ذلك بأن إيران أوفت دائماً بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات. ووصفت الجهتان النتائج التي خلصت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها ذات دوافع سياسية وتفتقر إلى أي أساس فني أو قانوني.

ولدى سؤاله في مؤتمر صحافي حول احتمال انسحاب طهران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، جدد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية موقف طهران الرسمي الرافض لتطوير الأسلحة النووية، لكنه قال: «في ضوء التطورات الأخيرة، سنتخذ القرار المناسب. على الحكومة إنفاذ مشاريع القوانين البرلمانية، لكن هذا الاقتراح قيد الإعداد، وسننسق مع البرلمان في المراحل اللاحقة».

عقوبات بسبب البرنامج النووي

فُرضت عقوبات على إيران في 2006 بسبب عدم الامتثال لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي طالب بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم.

ثم وافقت إيران على كبح برنامجها النووي، مع الاستمرار في التخصيب إلى مستوى منخفض، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع ست قوى كبرى في 2015، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحب من الاتفاق في 2018 وأعاد فرض العقوبات الأميركية.

ردت إيران على ذلك بتسريع وتيرة برنامجها النووي، متخلية عن القيود المفروضة بموجب الاتفاق. وتجري إيران والولايات المتحدة محادثات غير مباشرة منذ أبريل (نيسان) سعياً لفرض قيود جديدة على الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات.