قصف جوبر بالغازات السامة غداة توقيع «فيلق الرحمن» على هدنة

تجدد الاقتتال الداخلي بين «النصرة» و«جيش الإسلام» في الغوطة

جانب من معارك المعارضة ضد قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية (جيش الإسلام)
جانب من معارك المعارضة ضد قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية (جيش الإسلام)
TT

قصف جوبر بالغازات السامة غداة توقيع «فيلق الرحمن» على هدنة

جانب من معارك المعارضة ضد قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية (جيش الإسلام)
جانب من معارك المعارضة ضد قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية (جيش الإسلام)

لم تمضِ ساعات على إعلان روسيا عن انضمام «فيلق الرحمن» لاتفاق تخفيف التصعيد في ريف دمشق، حتى كثف النظام السوري ضرباته للمنطقة، في خرق جديد للهدنة الهشة، حيث استخدمت «الغازات السامة» في حي جوبر، بحسب ما ذكرت فصائل المعارضة في الغوطة.
وقال مدير المكتب الإعلامي لـ«فيلق الرحمن» موفق أبو غسان، أمس، إن قوات النظام «استهدفت حي جوبر بقذيفة تحوي مواد سامة، ما أدى لإصابة أربعة أشخاص بحالات اختناق تم توثيقها من قبل مكتب جوبر الطبي». وأوضح أن الاستهداف «تبع توقيع الاتفاق فوراً، وطال أيضاً مدينة زملكا وبلدة حمورية، قتل إثرها 3 أشخاص من عائلة واحد، وعشرات الجرحى. إضافة إلى عشرات القذائف الموزعة على بلدات سقبا وكفربطنا وعين ترما». وأوضح أبو غسان أن «الفيلق» التزم ببنود الاتفاق على كل الجبهات العسكرية، ووقف إطلاق النار المتفق عليه.
وأفادت وسائل إعلام النظام أن «الجيش السوري نفّذ رمايات مدفعية متقطعة على مواقع المجموعات المسلحة على محور جوبر عين ترما»، دون أن تعلّق على الاستهداف بالغازات السامة.

وقال المتحدث باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان لـ«الشرق الأوسط»، إنه «مع الساعات الأولى لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كانت هناك خروقات، أعنفها إطلاق قذيفة على جادة الأصمعي في حي جوبر تحوي غازات سامة، أدت لإصابة 45 حالة، بينهم حالتا اختناق متوسط وشديد».
وأشار إلى أن القصف تلا إسقاط تسعة براميل ليل الجمعة - السبت، فيما استهدفت قوات النظام صباحاً حمورية وحزة وزملكا ودوما، لافتاً إلى أن القصف الأعنف كان على حمورية، حيث قتلت عائلة من أب وأم وطفل، في حين نجت طفلة وبترت أطرافها.
وقال علوان إن «الوضع على الجبهات لناحية التحركات البرية، أمس السبت، كان نسبياً أهدأ من قبل، ورصد إطلاق نار برشاشات ثقيلة على حي جوبر».
وجاء القصف غداة إعلان وزارة الدفاع الروسية أن فصيل «فيلق الرحمن» من المعارضة السورية المسلحة التي تنشط في غوطة دمشق الشرقية، قد انضم إلى الهدنة في سوريا، حيث تم التوقيع على الاتفاق في جنيف بحضور ممثلين عن الوزارة والفصيل السوري المعارض. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ اعتباراً من الساعة التاسعة مساء الجمعة.
وتوسع القصف النظامي ليشمل مدن الغوطة الشرقية عموماً، كمدينة دوما التي تعرضت لعدة قذائف مدفعية. وذكرت شبكة «شام» المعارضة، أن قوات النظام واصلت عمليات القصف المدفعي والصاروخي على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، في خرق جديد للهدنة. وأوضحت أن القصف استهدف بالمدفعية الثقيلة مدن وبلدات دوما، وحمورية، وكفربطنا، وسقبا، وزملكا، وعين ترما، وأسفر عن وقوع عدد كبير من الجرحى ومقتل ثلاثة مدنيين «امرأتين وطفل» في حمورية، وجرحى في مدينة دوما، وسط استمرار القصف.
وكانت قوات النظام استهدفت ليلاً حي جوبر الدمشقي وبلدة عين ترما وأطراف مدينة زملكا بالغوطة الشرقية بصواريخ «أرض - أرض» من طراز فيل، ما أدى لحدوث أضرار مادية كبيرة، حيث فاق عدد الصواريخ التي سقطت على المنطقة الـ15 صاروخاً.
بالموازاة، تجدد الاقتتال بين «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) و«فيلق الرحمن» من جهة، و«جيش الإسلام» من جهة أخرى في محور مزارع بيت سوى في الغوطة الشرقية. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الاشتباكات العنيفة، تجددت بعد يوم على اندلاعها على محاور في منطقة مزارع الأشعري، حيث جاءت هذه الاشتباكات مع ترقب بدء تنفيذ اتفاق هدنة جديد في الغوطة الشرقية.
ونقل «المرصد السوري» عن مصادر خاصة قولها، إن «فيلق الرحمن» تعهد بفك ارتباطه وتحالفاته مع «النصرة» في غوطة دمشق الشرقية وشرق العاصمة، فيما يقوم الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار ومن ثم إدخال المساعدات الإنسانية وفك الحصار عن الغوطة الشرقية من قبل قوات النظام والمسلحين الموالين لها.
ويعتبر وجود «النصرة» في الغوطة، من أبرز العوائق لتنفيذ الاتفاقات، في ظل رفض محلي لها. فقد أفاد ناشطون بأن أكثر من 100 شخص تظاهروا الجمعة في منطقة عربين على بعد 7 كم إلى الشمال الشرقي من العاصمة السورية دمشق، مطالبين «هيئة تحرير الشام» بالخروج من المنطقة ومن غوطة دمشق الشرقية.
وفيما تتعرض هدنة الغوطة لخروقات كثيرة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، انضمام 14 بلدة في ريف كل من حلب وإدلب وحماة السورية إلى هدنة وقف إطلاق النار في سوريا خلال 24 ساعة. وقالت الوزارة في بيانٍ لها أذاعته قناة «روسيا اليوم» إن «عدد البلدات التي انضمت إلى نظام الهدنة منذ بدء سريانها وصل إلى 2200 بلدة». وأشارت إلى أن الجانب الروسي - في اللجنة الروسية التركية المشتركة لمراقبة الهدنة بسوريا - رصد 6 خروقات لنظام وقف إطلاق النار في ريفي حلب وإدلب ومحافظة اللاذقية.
بالتزامن، أفادت شبكة «الدرر الشامية» بأن غارات جوية عنيفة بالصواريخ الفراغية استهدفت الأحياء السكنية في منطقة الحولة المحاصرة شمال حمص، وقرية عقرب بريف حماة الجنوبي.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».