إسبانيا: تفكيك الخلية الإرهابية المسؤولة عن هجومي كتالونيا

مخاوف من فرار المطلوب الأول أبو يعقوب إلى فرنسا - مداهمات وملاحقة فارّين والتأهب الأمني عند الدرجة الرابعة

حالة من الحزن وأكاليل من الورود حداداً على أرواح الضحايا في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
حالة من الحزن وأكاليل من الورود حداداً على أرواح الضحايا في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
TT

إسبانيا: تفكيك الخلية الإرهابية المسؤولة عن هجومي كتالونيا

حالة من الحزن وأكاليل من الورود حداداً على أرواح الضحايا في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
حالة من الحزن وأكاليل من الورود حداداً على أرواح الضحايا في برشلونة أمس (إ.ب.أ)

أعلن وزير الداخلية الإسباني خوان إجناسيو زويدو، أمس، أنه تم تدمير «خلية كتالونيا» الإرهابية وراء الهجمات التي وقعت في برشلونة وكامبريلس». وقال زويدو أيضا إن التأهب الوطني ضد الإرهاب سيبقى دون تغيير عند المستوى الرابع، وهو مستوى أقل من الحد الأقصى، بيد أنه أضاف أن الأمن سوف يتم تعزيزه في المناطق المزدحمة والنقاط السياحية». وتابع زويدو «ندرك أن انعدام الخطر غير موجود، وأن من المستحيل, الحصول على الأمن المطلق، ولكننا سنعمل ليلا ونهارا لتقديم الإرهابيين إلى العدالة والقضاء على مخططاتهم». وقالت الشرطة الإسبانية إنها تبحث عن ثلاثة أشخاص أعضاء في خلية يشتبه أن لها علاقة بهجوم الدهس في مدينة برشلونة وجنوبها في بلدة كامبريلس». وأضافت الشرطة أن من بينهم يونس أبو يعقوب المطلوب الأول, وهو من أصل مغربي، ويعتقد أنه السائق الذي قاد العربة التي دهست المشاة في المنطقة السياحية بلاس رابلاس». وكانت السلطات الإسبانية قالت في وقت سابق إن المشتبه به الرئيسي في هجوم برشلونة هو موسى أوكبير البالغ من العمر 17 عاما من أصل مغربي وأنه قتل». ونفذت الشرطة الإسبانية أمس عمليات مداهمة وتفتيش ونشرت لائحة بأسماء أشخاص يشتبه في أنهم أعضاء بخلية لـ«داعش» مسؤولة عن عملية الدهس في برشلونة وإطلاق نار في مدينة كامبرليس الخميس الماضي، في وقت قررت السلطات رفع حالة التأهب الأمني». وفي وقت مبكر أمس، فتشت الشرطة حافلتين بمدينتي خيرونا وغاريغاس شمال غربي إقليم كتالونيا بحثا عن الأعضاء المتبقين من الخلية التي يعتقد أنها مؤلفة من 12 شخصا، بيد أنها لم تعثر على أي منهم. وتعد التطورات الأخيرة من شأنها أن تثير القلق بين سكان برشلونة الذين كانوا يعتقدون عند ذهابهم للنوم أن المنفذ الرئيسي وراء هجوم برشلونة قتل ليستيقظوا ويعلموا أن لا يزال فارا».
ولا يزال 59 شخصا في المستشفيات في أعقاب هجوم برشلونة، 15 منهم في حالة حرجة».
وتم التعرف رسميا على سبعة قتلى في هجوم برشلونة وهم خمسة إسبان وإيطالي وبرتغالي». وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن الهجوم الأحدث في سلسلة من الهجمات التي استهدفت مدنا أوروبية على مدى 13 شهرا ماضية». لكن من غير الواضح ما إذا كان المهاجمون على صلة مباشرة بالتنظيم أم أنهم استوحوا أفكارهم منه فقط». وخلف حادث الدهس 13 قتيلا وأكثر من 120 جريحا».
وقالت الشرطة الإسبانية إن سائق حافلة هجوم الخميس، الذي خلف 14 قتيلا في منطقة سياحية بمدينة برشلونة، ربما لا يزال حيا وهاربا». وكشفت الشرطة عن أنها تعكف على مطاردة شخص من أصول مغربية، يُدعى يونس أبو يعقوب، قالت إنه المشتبه به الرئيسي الجديد في قيادة السيارة».
وكان موسى أوكبير، الذي قالت تقارير إنه المشتبه به الرئيسي، واحدا من بين خمسة أشخاص قتلتهم الشرطة بعد الهجوم في بلدة كامبريلس، غربي برشلونة». وتقول الشرطة إن المشتبه بهم كانوا يخططون لمزيد من الهجمات الأكثر تعقيدا».
وتتضمن اللائحة التي نشرتها الشرطة في إسبانيا، وتم أيضا تعميمها في فرنسا، أسماء أربعة أشخاص بوصفهم المشتبه فيهم الرئيسيين في حادثة الدهس التي وقعت الخميس في شارع «لاس رامبلاس» السياحي وسط برشلونة، وفي حادثتي إطلاق النار في كامبريلس، وانفجار منزل في ألكانار، وكلتا المدينتين تقع على الساحل جنوب عاصمة إقليم كتالونيا».
وقال وزير الداخلية الإسباني خوان زويدو إن إسبانيا ستبقي على مستوى التأهب الأمني عند المستوى الرابع وهو ما يقل درجة عن أعلى مستوى الذي يشير إلى أن هناك هجوما وشيكا وذلك بعد هجومين أسقطا قتلى في منطقة كتالونيا بشمال شرقي البلاد الأسبوع الماضي». وأضاف أن الحكومة ستعزز الأمن في المناطق المزدحمة والسياحية بعد أن دهست سيارة فان أشخاصا في برشلونة يوم الخميس مما أسفر عن مقتل 14 شخصا بينهم الكثير من السياح». ولقي شخص آخر حتفه بعد هجوم منفصل في بلدة كامبريلس حيث قتلت الشرطة بالرصاص خمسة مشتبه بهم». وقال زويدو في مؤتمر صحافي «سنعيد توجيه جهودنا وسنسخرها لكل مكان أو منطقة تحتاج إلى حماية خاصة». وأضاف أن السلطات الإسبانية تعتبر أن الخلية التي تقف وراء الهجمات جرى تفكيكها تماما». وقالت الشرطة إن أربعة آخرين هم ثلاثة مغاربة وإسباني من منطقة مليلية المغربية الخاضعة لإسبانيا اعتقلوا للاشتباه في صلتهم بالهجمات. وحددت أجهزة الأمن الإسبانية هويات ثلاثة من أفراد الخلية ربما لا يزالون طلقاء، لكنها لا تستبعد في نفس الوقت أن يكون اثنان قتلا في الانفجار الذي وقع بمدينة ألكانار قبل يوم من عملية الدهس في برشلونة». وتعتقد تلك الأجهزة أن المنزل الذي وقع فيه الانفجار استخدم للتخطيط لهجوم أوسع نطاقا، وأن الانفجار أجبر المدبرين على تعديل خططهم، واستخدام وسائل أقل فتكا». وأكدت الشرطة الفرنسية تلقيها لائحة المفتش عنهم، وقالت إنها تبحث عن سائق سيارة صغيرة من طراز «رينو كانجوو» التي ربما استخدمها منفذو هجوم برشلونة، وضمت اللائحة شابا مغربيا يدعى يونس أبو يعقوب (22 عاما) وفق وكالة أسوشييتد برس. وقد تبنى تنظيم الدولة اليوم إطلاق النار في كامبريلس بعدما كان تبنى مساء أول من أمس عملية الدهس ببرشلونة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟