أعمال شغب في مناطق أردنية احتجاجاً على نتائج الانتخابات البلدية

الأحزاب تفوز بـ10 % من المقاعد... والعشائر تحصد 85%... و5 % للمستقلين

TT

أعمال شغب في مناطق أردنية احتجاجاً على نتائج الانتخابات البلدية

اندلعت أمس، في عدد من المناطق الأردنية، أعمال شغب احتجاجا على نتائج انتخابات المجالس البلدية واللامركزية، بعد إعلان النتائج النهائية ليل الأربعاء، من دون وقوع إصابات.
وقال مصدر أمني، إن المحتجين يطالبون بإعادة فرز نتائج الانتخابات التي شابتها «خروقات»، وفق ادعائهم.
وقام المحتجون بإغلاق دوار الطيبة، في محافظة إربد شمال الأردن، بالحجارة والإطارات المشتعلة، قبل أن تتدخل قوات الدرك وتستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وإعادة الأمور إلى طبيعها. وشهدت محافظة الكرك احتجاجات مماثلة على نتائج بعض المرشحين، الذين لم يفوزوا في الانتخابات البلدية واللأمركزية.
وقام المحتجون بإغلاق طريق الكرك الأغوار الجنوبية، في منطقة الرسيس، قبل أن تتدخل قوات الدرك وتفتح الطريق أمام المركبات التي احتجزت خلال أعمال الشغب.
كما تعرضت محطتا كهرباء تغذيان الانارة النموذجية على الطريق الصحراوي، في منطقه الهاشمية وروضة الأمير راشد، التابعه للواء الحسينية، التابع لمحافظة معان جنوب الأردن، إلى إطلاق عيارات نارية، أدت إلى تلفهما، حسب المدير التنفيذي لكهرباء معان، المهندس محمد المزايدة، الذي قال إنه تم عزل المحطات المذكورة وإعادة التيار للمناطق التي تأثر فيها ألفا مشترك. وأشار المزايدة، إلى أن الاعتداءات تلك تلحق الضرر الكبير بالشركة، وتؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين، ما يتطلب تعاون الجميع في الحد من تلك الأعمال ومحاسبة مرتكبيه.
بدوره قال وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، إن ما جرى من أحداث في الموقر، أثناء الانتخابات البلدية والمركزية، وقيام مجموعة خارجة عن القانون بالعبث بإرادة الناخبين يعد أمرا معيبا.
وأضاف المومني، في تصريح له أمس، إن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عدد من المتورطين في القضية، وهناك مجموعة ملاحقة ومعروفة لدى الأجهزة الأمنية. واعتبر أن ما حصل «لا يليق بنا ولا بدولتنا ولا بمجتمعنا، ولا يجوز أن تقوم قلة قليلة خارجة عن القانون ولا تمثل الغالبة في تلك المناطق، بهذه الأعمال في يوم نحتفل به. مشيرا إلى أن الضرر طال أهالي تلك المنطقة الذين يحتاجون الخدمات البلدية.
وكانت مجموعة من الأشخاص اعتدت على الصناديق في لواء الموقر، وهو ما وصفته ‹هيئة الانتخاب›، بـ›الاعتداء على هيبة الأردن›.
وألغت الهيئة، الانتخابات في 3 مجالس محلية بالموقر، وتحفظت على صناديق 10 مجالس أُخرى، بعد اعتداء وقع على الصناديق.
وقال المومني معلقا على فوز قيادات شبابية ونسائية في عدد من البلديات، إن ذلك يشير إلى أن العملية الانتخابية حققت هدفاً سياسيا كبيراً، يتمثل في توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، مؤكّداً أنّ وعي المجتمع الأردني وقبوله بالتنوع، يؤكدان جوهر العملية الديمقراطية المتسمة بالديناميكية. وأكّد أنّ المشاركة حقّ لجميع أطياف المجتمع، مشدّداً على ضرورة خدمة الناس في مناطقهم، وتحقيق العدالة في تقديم الخدمات، من دون أن يكون للبعد السياسي أو الحزبي أي تأثير على القرار الخدماتي الصرف، مثلما شدد على أنّ العمل البلدي وإدارة البلديّات، يجب أن يترفّعا عن الحزبيّة.
وتشير القراءة العامة لنتائج الانتخابات، إلى أن جميع الأحزاب لم تحصد غير 10 في المائة من مجموع المقاعد على مستوى الأردن، مقابل 85 في المائة ذهبت لمرشحي العشائرية والمناطقية، و5 في المائة للمستقلين.
كما لوحظ، خفوت الانتقادات الحزبية للهيمنة العشائرية على الأجواء الانتخابية، بخلاف ما كان عليه الحال قبل ذلك، على الرغم من تواضع ما حصلت عليه تلك الأحزاب.
بالمقابل، عبرت أحزاب أردنية عن رضاها للنتائج، وفي مقدمها حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي أعلن عن فوز مرشحيه برئاسة ثلاث بلديات من أصل ست جرى الترشح لها، وفي مقدمها بلدية الزرقاء الكبرى، التي فاز بها المهندس علي أبو السكر، ولم يعلن الحزب اسمي الفائزين برئاسة البلديتين الأخريين.
فيما فاز التحالف الوطني للإصلاح الذي ينخرط فيه «العمل الإسلامي»، بـ25 مقعداً في مجالس المحافظات اللامركزية، من أصل 48، شكلت نسبتهم 52 في المائة من مجمل مرشحي التحالف في ثماني محافظات.
وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات في الحزب، مراد العضايلة، إن خمسة من مرشحي التحالف الوطني للإصلاح، فازوا، أيضا، بخمسة مقاعد في مجلس أمانة عمان الكبرى، من أصل 12 مرشحا خاضوا الانتخابات.
وعبر العضايلة عن رضى الحزب عن النتائج المعلنة، قائلا: «نحن راضون بما حققنا، ولولا الضغوطات التي مورست على مرشحينا لكانت النتائج أفضل»، ولم يشر إلى طبيعة تلك الضغوطات. بدوره، أعلن حزب الشعب الديمقراطي «حشد»، بأن «5 من مرشحي الحزب فازوا في الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات، بحسب النتائج الأولية».
وكان الحزب شارك في الانتخابات بـ17 مرشحا، اثنان منهم لمجلس المحافظات والباقي للبلديات.
أما حزب الوسط الإسلامي، فاعتبر أنه حقق نتائج مهمة، إذ أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات في الحزب، الدكتور هايل داود، أن الحزب «حصد رئاسة ثلاث بلديات، بحسب النتائج الأولية». وعبر عن الرضى التام عن النتائج المتحققة، معربا عن أمله في تحقيق المزيد في الانتخابات المقبلة.
يشار إلى أن مشاركة مرشحي «الوسط الإسلامي» توزعت على 12 محافظة.
ويقسم قانون مجالس المحافظات (اللامركزية) المملكة إلى 158 دائرة، وكل دائرة لها عدد من الأعضاء، بإجمالي 304. يضاف إليهم 10 في المائة من النساء ليصبح العدد (336)، ويعين بعد ذلك، ما لا يزيد على 15 في المائة من عدد المنتخبين في تلك المجالس، على أن يكون ثلثهم من النساء، ليصبح عدد الممثلين في المملكة كافة 381 عضواً.
وبحسبة سريعة، لم تتجاوز نسبة الفائزين من الأحزاب مجتمعة، بمقاعد في الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات، 10 في المائة من مجموع المقاعد المخصصة للأعضاء في تلك المجالس.
في المقابل، بلغت نسبة الأعضاء الفائزين من إطار عشائري ومناطقي ومستقلين، 85 في المائة من مجموع الفائزين، فيما لم تعلن باقي الأحزاب، التي يتجاوز عددها الخمسين، عن مرشحين فائزين منها حتى الآن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.