هاني نسيرة
بتوضيح أكثر، فإن الحسم بأن جريرة الإرهاب تقع على المؤسسة الدينية، سلفية كانت أم أزهرية، وقوع في خطأ فادح. أو الحكم بأنها مسؤولية النص خطأ فادح قد يقترب منه تحميل قراءاته في التراث وبعض أحكام فقهائه الماضين كذلك (التي تؤخذ أحيانا من كتاب تعليمي أو كتاب تجميعي أو فتاوى شاردة دون اعتناء بالنسق الكامل لمن أفتاها ومدرسته) خطأ أكبر. وهو يحول قضية تجفيف روافد الإرهاب لمعركة مع التراث منفصلة عن الاشتباك بنص الإرهاب نفسه.
قبل «أبو بكر البغدادي» وسلفه «أبو مصعب الزرقاوي» (ت 2006)، ألح شكري مصطفى، مؤسس جماعة التكفير والهجرة (أُعدِم عام 1978) على الحكومة المصرية للسماح له ولجماعته بالهجرة إلى الشام، من أجل إقامة «دولة إسلامية» هناك، انتظارًا لحروب آخر الزمان وقدوم المهدي. وكما أنه ليس «البغدادي» وحده مَن بشَر عناصره وأتباعه بمعارك «آخر الزمان» في دابق، التي خسرها خسارة سريعة وسهلة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل كذلك يتحرك المقاتلون المتشددون والراديكاليون الشيعة التابعون للولي الفقيه بروايات شبيهة وشعارات شبيهة.
هل فشلت الحداثة العربية وكان فشلها مبررًا وسببًا رئيسيًا لصعود الأصوليات الدينية كبديل كما يقول البعض؟ وهل انهزمت هذه الحداثة في معاركها جميعًا.. وفي تحقيق أي من وعودها سواء في الحرية أو التحرر والتحرير.. أو في تحقيق الوحدة التي كانت في خمسينات القرن الماضي «نشيد إنشاد العرب»، حسب تعبيرات منيف الرزاز حينئذ؟ فصعدت تيارات الخلافة بديلاً عنها، كما يطرح بعض المؤرخين والمنظرين في الاتجاهين؟ من يقولون بفشل الحداثة العربية، لا يقيسونها بأفكارها ولكن بارتباطات زائفة مدخولة عليها.
مع أن التاريخ العالمي والإسلامي مليء بصفحات ناصعة للتسامح والقبول بالآخر، كان الاعتدال والتسامح فيها شعارا وسلوكا في آن واحد.
تنظيم داعش يتراجع ميدانيًا وينحصر، لكنه ينكسر نظريًا وتندثر جاذبيتها الآيديولوجية كذلك، وهذا هو الجانب الأخطر لأنه يفض هالته ويعلن إفلاس خياراته وأطروحاته، وينفض المنبهرون من المقاتلين الأجانب والمتعاطفين معه من حولها. ملامح تراجع «داعش» الميداني واضحة، بضرب مركزه في العراق وسوريا، واستهداف شبكات اتصاله العالمية التي ترفده بالمقاتلين الأجانب وبالتمويل والموارد المالية، وكذلك شبكات الاتصال عبر استراتيجية المطرقة الصلبة التي استأصلت عددًا من القادة الفاعلين في التنظيم.
تصر الأصوليات المنغلقة على أهدافها ولا تفاوض عليها، هي تفاوض على واقعها متى احتاجت ذلك، ولكن شريطة ألا تخسر أهدافها الرئيسة وشعاراتها ومبادئها الصلبة التي تمثل شرايين الدماء التي تهبها الحياة لدى قواعدها وحلفائها. هذه الفرضية يمكن أن تكون قاعدة تفسر مشاهد وحوادث كثيرة، تربط بين مختلف الأصوليات وحركات التطرف التي تؤمن بعقيدة العداء والبراء، وتنطلق من مرجعية الصراع الأبدي بين ما تراه حقا وما تصمه باطلا.
بدأت عملية تحرير الموصل من قبضة «داعش» يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد مرور ما يزيد على العامين من سقوطها بأيديهم صيدا سهلا، في أعقاب فرار قوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في 9 و10 يونيو (حزيران) 2014. إلا أن هذه المعركة تظل صعبة بكل المقاييس، ولا يمكن الجزم سريعا بأنها نهاية أبدية لـ«داعش»، رغم الإصرار الدولي والإقليمي والوطني على ضرورتها وتصويرها كذلك.
عاد الإرهاب لخطورته من جديد في مصر، سواء عبر محاولات نوعية لاستهداف رموز حكومية أو تجديده نفسه في سيناء عبر نقله معاركه لمناطق جديدة، وتغييره أسلوب عملياته الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش في سيناء، وهو بذلك يرسم خط صعود جديدًا بعد أن تراجعت عملياته في سيناء أو انحساره وصده عن العاصمة والمحافظات الأخرى خلال الفترة الماضية، بشكل واضح، وانعدام عمليته الكبرى، التي يبدو أنه مصرّ على العودة لها من جديد، تزامنًا مع لحظات أزمة وفوران سياسي واجتماعي متعدد، واستهدافًا لكل الإنجازات التي تتم والاستقرار الذي يتمكن وعودة السياحة المأمولة، وفي مشهد متحول يبحث عن الوضوح في عدد من الملفات كذلك. عاد مؤشر خطورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
