تواجه حركة «حماس» وضعاً استثنائياً منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فخلال سنتين من الحرب المدمّرة على قطاع غزة، تمكنت الحركة من الحفاظ على حياة عدد لا بأس به من المختطفين الإسرائيليين، الأمر الذي أنجح مهام الوسطاء بالتوصل إلى عمليتي وقف إطلاق نار، كانت إحداها قصيرة لعدة أيام، والأخرى امتدت لأكثر من شهرين فاعتقدت «حماس» لنهاية الحرب، لتعود إسرائيل وتستأنف هجماتها مركزة الاستهداف على قيادات الحركة ونشطائها.
سعت إسرائيل منذ بداية الحرب لاغتيال قيادات «حماس» وجناحها العسكري «كتائب القسام»، خصوصاً المسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر، وقد نجحت في ذلك، فقتلت الغالبية العظمى من المشرفين عن الهجوم، وقيادات أخرى من المستوى السياسي لا علاقة لهم بالهجوم، ولم يكونوا على اطلاع مباشر بكل تفاصيله أو يعرفون حجمه وتوقيته.
وأبرز القادة الذين قامت إسرائيل بتصفيتهم هم محمد السنوار، ومحمد شبانة، وحذيفة الكحلوت الملقب بـ«أبو عبيدة» الناطق باسم الكتائب وأحد قادة مجلسها العسكري باعتباره المسؤول عن ملفها الإعلامي، إلى جانب قيادات من مختلف الصفوف.

«نجاحات» حماس
طوال فترة الحرب، يمكن أن يحسب لـ«حماس» أنها حافظت حتى الآن على هيكلية عملها التنظيمي والعسكري، على عكس ما كانت تدعيه إسرائيل من أنها فككت ألوية وكتائب وغيرها. فقد أثبت ذلك عدم صحته من خلال الهجمات التي نفذتها الحركة معتمدةً أسلوب «حرب العصابات» في مواجهة القوات الإسرائيلية.
ويُحسب للحركة أيضاً أنها حافظت على حياة عدد كبير من المختطفين الإسرائيليين، الأمر الذي ساعدها في لي ذراع إسرائيل في عديد المرات، بعدما فشلت المؤسسة الأمنية في تل أبيب في تحقيق إنجاز كبير باستعادة عدد بسيط من المختطفين الأحياء، فيما نجحت باستعادة العديد من الجثث.

كذلك، حافظت «حماس» على قوتها الاقتصادية خلال الحرب، ونجحت في صرف رواتب موظفيها الحكوميين، وعناصرها وناشطيها في المستويين السياسي والعسكري، رغم أنها كانت في بعض الفترات تتأخر الرواتب وتتفاوت نسب صرفها، إلا أنها بقيت مستمرة.
ولا شك أن الحركة تأثرت اقتصادياً بفعل قصف إسرائيل لأماكن أموالها، ومقرات شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية، ولاقت صعوبات أكبر في عملية نقل الأموال من الخارج، سواء بفعل التضييق على الحوالات المالية أو بقصف إيران وقطع شريان الإمداد الأساسي، إلا أن الرواتب بقيت ثابتة إلى حد بعيد.
ونجحت «حماس» أمنياً في محاربة من تقول إنهم متخابرون مع إسرائيل، وأعدمت عدداً كبيراً منهم، كما أنها نصبت عدة كمائن لمجموعات مسلحة ونفذت ضدها هجمات أيضاً في مواقع تتحصن بها بحماية القوات الإسرائيلية.
وعلى المستوى الإعلامي، ما زالت «حماس» تملك زخماً إعلامياً كبيراً في ما يتعلق بتوثيق هجماتها العسكرية ضد القوات الإسرائيلية، إلى جانب تصوير المختطفين الإسرائيليين وبث مواد إعلامية عنهم، الأمر الذي يشير إلى أنها ما زالت متماسكة تنظيمياً إلى حد بعيد، وتستطيع إدارة صفوفها بدون عوائق كبيرة.

خسارة القادة والدعم
على مستوى القيادة، خسرت «حماس» كبار قادتها السياسيين والعسكريين، من بينهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، ونائبه صالح العاروري، ثم يحيى السنوار قائد الحركة بغزة الذي أصبح رئيساً للمكتب العام بعد اغتيال هنية، وقيادات أخرى، من بينهم روحي مشتهى وسامح السراج وغيرهما من أعضاء المكتب السياسي، فيما فقدت القيادة العليا لـ«القسام»، محمد الضيف، ومحمد السنوار، ومروان عيسى، وغيرهم من قادة المجلس العسكري.
كما فقدت «حماس» قيادات من الصفوف المختلفة، من بينهم قادة كتائب وسرايا وفصائل داخل «كتائب القسام»، وقيادات دعوية ومجتمعية وسياسية من صفوف مختلفة في المستوى السياسي.

وعلى المستوى السياسي، فقدت «حماس» الكثير من الدعم الذي كانت تحاول فتح آفاق بشأنه من خلال علاقات مع جهات عربية وأوروبية، لكن بعد هجوم السابع من أكتوبر تغيرت نظرة الكثيرين تجاه الحركة وإمكانية انفتاحها لتكون في المستقبل صورة الجهة الفلسطينية الحاكمة، وهو ما كانت تسعى له من خلال إيجاد نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفق اتهامات علنية كانت توجهها لها حركة «فتح».

وعلى رغم التعاطف الشعبي الكبير مع الفلسطينيين في قطاع غزة، خلال الحرب وفي ظل الجرائم الإسرائيلية، فإن نظرة الكثيرين في العالم تجاه «حماس» بقيت على ما هي عليه إضافة إلى خسارة رصيد شعبي في الداخل.
فعلى المستوى الشعبي، خصوصاً داخل قطاع غزة، تراجع الدعم الذي كانت تتلقاه الحركة حتى في صفوف المؤيدين لها، بفعل ما لحق بالسكان من دمار طال كل نواحي الحياة، حيث يرى كثيرون أن «حماس» لم تأخذ بالحسبان نتائج هجومها المدمر بالنسبة لهم.

ما مصير «جمهور» حماس؟
مع إمكانية التوصل لاتفاق يوقف الحرب بشكل نهائي، تواجه حركة «حماس» الكثير من المعضلات بشأن مستقبلها، أهمها فقدان حكم قطاع غزة، وهو أمر كانت الحركة أكدت قبولها به وتسليم الحكم لهيئة فلسطينية يتم التوافق عليها من قبل جميع الفصائل بما فيها حركة «فتح».
وفي وقت تؤكد فيه الحركة استعدادها لمثل هذا الخيار، يتساءل الكثير من موظفيها الحكوميين ممن هم أصلاً ناشطين ومؤيدين لها، إذا كانوا سيتركون لمواجهة مصيرهم بأنفسهم.
كذلك، لا يعرف الكثيرون من عناصر «كتائب القسام» الجناح المسلح لحركة «حماس» مصيرهم، ومصير أسلحتهم الخفيفة المتبقية معهم، وسط توقعات بأن تصدر لهم أوامر واضحة بحسب مصير الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه في أي لحظة.
بحثاً عن اتفاق شامل
أمام تحديات كثيرة قد تواجه «حماس»، ومنها خروج بعض قياداتها من داخل القطاع إلى خارجه ضمن الاتفاق المرتقب، فإن الحركة باتت تحاول تحسين موقفها المتعلق بمشاركتها في مستقبل الوضع الفلسطيني على الأقل من ناحية سياسية، وهذا ما ستسعى إليه خلال المفاوضات، ولذلك نقلت في ردها بعض التعديلات التي تتيح للرد فلسطينياً أن يكون موحداً بمشاركة جميع الفصائل في قضايا مصيرية مثل السلاح ومستقبل القطاع، والمستقبل السياسي برمته.
ولا تريد «حماس» أن يحسب عليها أنها هي من سلمت السلاح لوحدها، مع اشتراطها أن يكون لجهة فلسطينية، ولذلك دفعت بأن يكون هناك اتفاق وطني شامل بهذا الشأن، وبشأن المرحلة المقبلة.
