من مقرّ إقامتها في لندن، توجّهت خلود الدعمي إلى بغداد لمواصلة نشاط بدأته قبل سنوات في رعاية الأطفال المحرومين. وتشرف هذه المرة على تنظيم ورش عمل فنية وتربوية في مدرسة تقع في مدينة الصدر، تحتضن 800 يتيم ويتيمة. والدعمي فنانة تشكيلية وخزّافة عراقية، ولدت عام 1954، وتحمل الماجستير في الفن والتصميم من جامعة «كريست تشرش» في إنجلترا، كما درست التصوير وفنّ الخزف، ودرّست الخط العربي والفنون الإسلامية، ونظّمت معارض فردية عدّة. وقد غادرت وطنها منذ 4 عقود من دون أن تنقطع عنه، وبعد سنوات من الانغماس في العمل الفني بدأت عملها التطوعي الفردي لبثّ شيء من الفرح في يوميات أطفال حُرموا دفء الأسرة.

كان اسم المدرسة التي تدعمها «كافل اليتيم»، ثم غُيّر إلى «مدرسة الفرح للبنات» إلى جانب «مدرسة الفرح للبنين». أمّا الورشات الفنية التي تقيمها مرتين في العام فهي فسحة لتبادل الأفكار تتيح للصغار التحدّث والتعبير عن آمالهم وأحلامهم وهواجسهم. ومن خلال خبرتها التي تمتدّ لثلاثة عقود في مجال التصميم في بريطانيا، تسعى المغتربة العراقية إلى التعبير، عبر هذا النشاط، عن امتنانها لبلدها الأصلي. وقد اتّسع نشاطها من رعاية اليتيم ليصل إلى أحد بيوت المسنّين، وإلى مركز الصمّ والبكم في مدينة الديوانية، وإلى بيت النساء المعنّفات في كربلاء.
وتصطحب الدعمي تلاميذ مدارس الفرح في زيارات إلى المتحف العراقي، وتزوّدهم بالأوراق والأقلام لرسم شواهد الحضارات الرافدينية القديمة، وهو ما كانت تفعله أيضاً مع طلاب درستهم الفنّ في لندن، إذ رافقتهم إلى قسم الآثار الإسلامية في متحف «فيكتوريا وآلبرت» ليرسموا النقوش المبهرة على الملابس والخزف والسجاد. ولا يعتمد عملها على أي دعم حكومي، بل تُدبّر نفقاته من مرتبها التقاعدي مصمّمة، ومن مساهمات يقدمها أبناؤها. كما تتبرّع سيدات كثيرات بالمساعدة، وتتولى إحداهنّ الإشراف على توفير وجبة غذائية يومية لتلاميذ المدرسة، إضافة إلى شراء الزي الموحّد ولوازم الدراسة من حقائب وقرطاسية.

تصف خلود الدعمي نفسها بأنها «فنانة مكافحة»، تكافح لإيجاد صالة لعرض لوحاتها في العاصمة لندن بسبب ارتفاع تكاليف القاعات. وآخر معرض لها كان قبل 3 سنوات في غرفة التجارة العربية - البريطانية. ومع اشتعال الحرب في غزة راحت تبدع في تقديم ما تستطيع لخدمة قضية هذا الشعب؛ فبدأت بخياطة الثياب التقليدية الفلسطينية والحقائب المطرّزة والشماغات وتوزيعها بين المعارف والأصدقاء وفي المظاهرات، وتتبرّع بعائداتها لمنظمة «أطباء بلا حدود» وغيرها من الجمعيات الطبية العاملة في غزة. وتقول إنها تشعر بنوع من السعادة لأن هذه المساهمة منحتها بعض السكينة وسط موجة الحزن والإحباط التي رافقت متابعتها للمآسي هناك.
والخير بحر لا حدود له؛ إذ لا تنسى خلود الدعمي تلك الموظفة البسيطة في المتحف العراقي التي رافقت التلاميذ بوصفها دليلة لهم في إحدى زياراتهم، وفي ختام الجولة أخرجت خلسة من محفظتها ورقة من فئة 100 دولار وقدّمتها لمدرسة الفرح.

