شهدت الولايات المتحدة حدثاً لافتاً في عالم الفنون والتشفير، بعد بيع الشيفرة السرّية الكاملة لمنحوتة «كريبتوس» الشهيرة، المعروضة في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) بولاية فيرجينيا، مقابل نحو مليون دولار، رغم تعرّض الحلّ للتسريب عن طريق الخطأ قبل أسابيع قليلة من المزاد.
لغزٌ صمد ثلاثة عقود
منذ تثبيت المنحوتة عام 1990، حيّرت «كريبتوس» آلاف المتخصصين والهواة حول العالم، إذ تتضمن أربع رسائل مشفّرة تمكّن الخبراء من فك ثلاث منها فقط، بينما بقيت الرسالة الرابعة المعروفة بـ «K4» عصيّة على الحلّ طوال 35 عاماً.
الفنان الأميركي جيم سانبورن، مبتكر العمل، احتفظ بحلّ الرسالة الأخيرة في سرية تامة، رغم الضغوط التي تعرّض لها، من بينها اختراق حاسوبه وتلقيه تهديدات. ومع اقتراب عامه الثمانين، قرر الإفصاح عن الحل عبر طرح النسخة الأصلية المكتوبة بخط يده للبيع.
بيعٌ يفوق التوقعات
عُرضت الشيفرة ضمن مجموعة تضم وثائق غير منشورة ونموذجاً أولياً للمنحوتة في مزاد نظمته شركة «R.R. Auction»، لتصل قيمة البيع النهائية إلى 962500 دولار، متجاوزة التقديرات الأولية التي تراوحت بين 300 و500 ألف دولار.
ووفق الشركة المنظمة، سيُخصص جزء من العائدات لدعم برامج ذوي الإعاقة، فيما ظلّ الفائز بالمزاد مجهول الهوية، في خطوة زادت الغموض المحيط بالعمل.
تسريب مربك قبل المزاد
قبل أسابيع قليلة من عملية البيع، تقوّضت سرية الشيفرة إثر تمكن صحافييْن من الوصول إلى الحلّ بالصدفة، بعد الاطلاع على معلومات وردت في كتيّب المزاد.
فقد توصّل الصحافي جاريت كوبِك إلى وجود الأوراق الأصلية الخاصة بـ«جداول التشفير» محفوظة داخل مؤسسة سميثسونيان. وبالاستعانة بزميله ريتشارد بيرن، جرى استخراج نص «K4» الكامل اعتماداً على أدلّة سبق أن كشفها سانبورن في 2010 و2014.
وعلى الرغم من طلب سانبورن من الصحافيين توقيع اتفاقية عدم إفشاء وعرض جزء من عائدات المزاد عليهما، فإنهما رفضا المقترح، معتبرين أن المشاركة قد تثير شبهة احتيال.
لاحقاً أوضح الفنان أن وضع الوثائق داخل سميثسونيان كان عن طريق الخطأ خلال فترة خضوعه لعلاج السرطان قبل نحو عقد، مؤكداً أن هذه الوثائق أُغلقت ولن يُسمح بالاطلاع عليها حتى عام 2075.
فن مشفّر... وغموض مستمر
تُعد «كريبتوس» من أشهر الأعمال الفنية المرتبطة بالاستخبارات. يبلغ ارتفاعها 12 قدماً، وتجمع بين النحاس والخشب المتحجر والحجارة. وقد صمّم أنظمة التشفير فيها الخبير إدوارد شايدت، الرئيس السابق لمركز التشفير في الـ«CIA».
ورغم التطورات التقنية ومحاولات استخدام الذكاء الاصطناعي لفك الرسالة الرابعة، أكد سانبورن أن ما تلقّاه من نماذج الذكاء الاصطناعي، بينها «ChatGPT»، كان بعيداً تماماً عن الحل.
السرّ بين يدي مالك جديد
يمثل بيع الشيفرة انتقال ملكية المفتاح الأخير للغز الأشهر في عالم التشفير، للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود ونصف. وأعرب سانبورن عن أمله في أن يحافظ المالك الجديد على سرية الحلّ، وربما يتولى مهمة مراجعة آلاف المحاولات التي لا تزال تُرسل إليه سنوياً.
وقال نائب رئيس دار المزادات: «النتيجة المثالية أن يكون الفائز وصياً على السر... لا كاشفاً له».
ما الذي حصل عليه المشتري؟
وفق دار المزاد، فإن الصفقة شملت مجموعة فريدة من المواد، بينها:
النسخة الأصلية من الشيفرة بخط يد سانبورن
رسالة موقعة من مصمم التشفير إدوارد شايدت
نموذج نحاسي أولي للمنحوتة يعود لعام 1988
صور أرشيفية لعمليات التصنيع
نسخة موقعة من كتيّب الإهداء من مدير الـ«CIA» الراحل ويليام وبستر
جداول التشفير الأصلية المستخدمة في عملية الترميز.
وبينما يواصل آلاف المهتمين حول العالم محاولة فكّ السر المعلّق، يبقى الحلّ الحقيقي مغلقاً داخل خزائن صاحب جديد... يملك مفتاح لغز حيّر العالم لأكثر من ثلاثة عقود.

