جاءت منصات التواصل الاجتماعي بصيحاتٍ كثيرة، منها ما تبخّر مع مرور الأيام ومنها ما استقرّ وأصبح جزءاً من السلوكيات الاجتماعية. من بين اختراعات «تيك توك» موضة الـ«Trad Wife» أي الزوجة التقليدية.
في زمنٍ تطمح فيه النساء إلى الاستقلالية المادية وإثبات الذات مهنياً، برزت مجموعة من السيدات في العالم الافتراضي، اللواتي يمجّدن حياة الزوجة التقليدية. أما مرتكزات تلك الحياة فهي وضع الاهتمامات المنزلية في الطليعة. تتفرّغ الزوجة التقليدية للاعتناء بزوجها وتلبية طلباته، ولإنجاب كثير من الأولاد، وللطهو وتحضير الحلويات، ولتنظيف البيت وترتيبه.
يحصل كل ذلك من دون أن يتعرّض شكلها الخارجي لأي إهمال. فمن مقوّمات شخصية الزوجة التقليدية أن تطلّ في معظم الأوقات بشعرٍ مصفّف، وبملابس أنيقة، وبوجهٍ متبرّج. ومن العلامات الفارقة لدى الزوجة التقليدية أنها تكاد لا تتأفّف، بل تحافظ على ابتسامتها وإيجابيتها طيلة الوقت.

غالباً ما تظهر المؤثرات اللواتي يحملن لقب الزوجة التقليدية من داخل المطبخ وهنّ يحضّرن طعام الغداء أو قالب حلوى. كما يوثّقن يومياتهنّ مع أطفالهنّ وأزواجهنّ، في محاولة لتقديم المثال عن «الزوجة الصالحة».
نارا سميث واحدةٌ منهنّ. في الـ24 من عمرها، هي متزوجة وأمّ لثلاثة أولاد. يفوق عدد متابعيها على «تيك توك» 12 مليوناً. غالباً ما تطلّ من المطبخ بين ذراعَيها مولودتها الجديدة، وهي تعدّ طبقاً لزوجها وتشرح الوصفة بصوتها الخفيض والرتيب.
@naraazizasmith favorite soup? #easyrecipe #homecooking #fypシ #soup #comfortfood
الزوج، والأطفال، والطعام؛ إنه الشغل الشاغل للزوجات التقليديات. هكذا هي الحال بالنسبة إلى هانا نيلمان (35 سنة) والمعروفة بـ«باليرينا فارم». فإضافةً إلى موهبتها في رقص الباليه، والتي غالباً ما تستعرضها أمام متابعيها، تتفرغ الشابة ذات الـ11 مليون متابع والـ8 أطفال، لتوثيق حياة الزوجة التقليدية المقيمة في مزرعة.
هناك تعدّ المونة وأصنافاً كثيرة من الأطعمة الصحية. وقد حوّلت نشاطها الافتراضي إلى علامة تجارية وإلى مجموعة من المتاجر والمطاعم بالشراكة مع زوجها.
@ballerinafarm We’ve been running from pillar to post the last 3 weeks. Feeling grateful ♥️
تزامنَ صعود تلك الموجة مع الحجر المنزلي الذي فرضته جائحة «كورونا» عام 2020، عندما كان الجميع يريد تحويل المكوث في البيت إلى نشاطٍ مسلٍ ومفيد. غير أن وهج الظاهرة لم يخفت بعد انتهاء الجائحة، إذ إنها تحوّلت إلى ما يشبه الموقف من النسويّة المعاصرة؛ كما لو أن الزوجات التقليديات أردن تقديم صورة معاكسة عن النساء اللواتي ينادين بالحرية والإنجاز خارج المنزل وبعيداً عن جناح الزوج. إذ تنظر الزوجة التقليدية إلى الرجل على أنه المعيل الأوحد، فيما لا يتجاوز نشاطها هي جدران المنزل.
صحيح أن هذه الحركة ولدت في الربع الأول من القرن الـ21، غير أنها أعادت إلى الأذهان شخصية المرأة خلال خمسينيات القرن الماضي؛ حيث كانت الصورة المتداولة لربّات المنازل تُظهرهنّ وهنّ يربطن المئزر فوق فستان أنيق ويضعن طعام العشاء على الطاولة، أو يكنسن غرفة الجلوس وهنّ ينتعلن الكعب العالي.

من الزوجة التقليدية إلى الابن التقليدي أو «Trad Son»، وهي موجة جديدة تجتاح «تيك توك» منذ مطلع 2025. الأبناء التقليديون هم رجال تجاوزوا الـ30 من عمرهم قرروا أن يستقروا في بيت الوالدَين، أو أن يعودوا إليه بعد أن كانوا قد غادروه في وقت سابق.
إلى جانب تسمية «الابن التقليدي»، هم استحقوا عن جدارة لقب «ابن الماما» (Mama’s Boy). ووفق دراسة نشرتها جامعة مسيسيبي الأميركية، فإن عدد البالغين الذين يعيشون مع أمهاتهم وآبائهم قد ارتفع بما يُقدّر بـ1.5 مليون خلال السنوات الـ10 الماضية في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يُعتبر ظاهرة في مجتمعٍ يخرج فيه الأبناء من البيت الوالديّ ما إن يبلغوا الـ18 من العمر.

ليست حالة الابن التقليدي مجرّد ظاهرة افتراضية تثير الفضول على منصات التواصل الاجتماعي، إذ إن أبعادها اقتصادية. في وجه التضخّم وارتفاع الإيجارات وأسعار الشقق، بات من الصعب على الشابات والشبان الانتقال للعيش في منازلهم الخاصة، وهذا ما دفع بهم للبقاء مع العائلة.
بعد أن غادر وظيفته في مجال التسويق، انتقل لوك باركهورست (34 سنة) إلى بيت والدته في لاس فيغاس. سرعان ما تحوّل إلى نجم على «تيك توك»، يشارك المتابعين على «تيك توك» يومياته كابن تقليدي.
يبدأ لوك يومه بالذهاب إلى النادي الرياضي، ثم يبتاع حاجيات البيت مستخدماً بطاقة الائتمان الخاصة بأمّه. فور عودته إلى المنزل، يعدّ طعام الغداء. بعد ذلك، يقوم بالأعمال المنزلية ويعتني بجدّته وأولاد أشقائه.

غالباً ما يتولّى الابن التقليدي جزءاً كبيراً من الأعمال المنزلية، فتكون بمثابة بدلٍ عن الإيجار. غير أن شافير نوراني يقدّم نموذجاً مختلفاً، فهو يعرّف عن نفسه أنه «ابن ملياردير». ليس نوراني بحاجة للقيام بأعمال منزلية وباستطاعته شراء شقته الخاصة، لكنه فضّل الإقامة مع والدَيه وإخوته في منزلهم الشاسع.
في فيديوهاته على «تيك توك»، يوثّق يومياته كابن أثرياء عاطلٍ عن العمل، يمضي معظم يومه في الرياضة أو في تحضير شراب الماتشا لأفراد عائلته.
@shaavir6 Momma loves her matcha #lifestyle #family #matcha
وفق تقرير نشرته شركة «بيو» الأميركية للأبحاث في أبريل (نيسان) الماضي، فإنّ عدد الذكور الذين يقررون المكوث مع أهلهم يفوق عدد الإناث اللواتي يتخذن هكذا قرار، أما مردّ ذلك فهو ارتفاع نسبة البطالة.

