قالت المديرة الفنّية لمهرجان «الجونة السينمائي» ماريان خوري، إنّ الدورة الثامنة التي امتدَّت من 16 إلى 24 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تُمثّل «نقلة نوعية بكلّ المقاييس»، موضحةً أنها «شهدت توسُّعاً لافتاً على مستوى الحضور الجماهيري، وعدد الفعاليات، والمشروعات السينمائية، وحجم مشاركة الشباب في مختلف قطاعات التنظيم والأنشطة الموازية، مما يعكس تطوّر المهرجان واستقراره بعد 8 سنوات من انطلاقه».
وأضافت، في حوارها مع «الشرق الأوسط» قبل ساعات من حفل الختام، أنّ «نجاح الفعاليات، والإقبال على الحضور، والمشاركة الفاعلة من صنّاع السينما والجمهور لم يكن مصادفةً، بل نتيجة تراكم الخبرات والعمل المنهجي الذي يتواصل منذ تأسيس المهرجان»، مؤكدة أنّ «(الجونة السينمائي) أصبح أكثر نضجاً، وهو اليوم فضاء حقيقي للنقاش والإبداع».
وتابعت: «الدورة الثامنة حقّقت التوازن بين الطابع الاحتفالي للمهرجان ومضمونه المهني والثقافي؛ إذ تراجع التركيز المُعتاد على المظاهر الخارجية لمصلحة الاهتمام بالمضمون الفنّي والنقاشات الفكرية»، لافتةً إلى مشاركة الفنانين في الفعاليات وحضور الندوات وورشات العمل والمعارض، مما جعل المهرجان يبدو أكثر جدّية وتكاملاً، خصوصاً أنّ «الحضور النشط للنجوم في الحوارات والفعاليات يعكس وعياً يتزايد بأهمية دورهم في دعم الصناعة، فالمشهد العام لم يعُد مقتصراً على السجادة الحمراء، بل أصبح مساحة حقيقية لتبادُل المعرفة والتجارب».

وقالت ماريان خوري إنّ «الجونة» يسعى في السنوات المقبلة إلى توسيع اهتمامه بالسينما العربية خارج مصر، لا سيما من السعودية ومنطقة الخليج، مشيرةً إلى أنّ هذا الانفتاح ضروري لتكريسه منصّةً عربيةً شاملةً. وتابعت أنّ برمجة الأفلام واختيار الأعمال الجيدة للمشاركة في المهرجان يتطلّبان عملاً طويل الأمد يبدأ بمتابعة الإنتاجات الجديدة في المهرجانات الدولية الكبرى منذ بدايات العام، في «صندانس»، و«برلين»، و«كان»، و«لوكارنو»، وغيرها.
وأضافت أنّ «عملية البرمجة تستلزم وقتاً وجهداً ومراسلات متواصلة مع صنّاع الأفلام، وقد أصبحت علماً قائماً على التخطيط والرؤية، عبر فريق يعمل بصفة دائمة على استباق المواعيد وضمان تنوُّع الاختيارات بما يُعبّر عن روح السينما المعاصرة»، مؤكدةً أنّ ما يجمع أفلام المهرجان في النهاية هو بُعدها الإنساني.
ولفتت خوري إلى أنّ «المهرجان يمنح أولوية واضحة للأصوات الجديدة، خصوصاً من البلدان التي لا تمتلك صناعة سينما متكاملة، لأنّ دعم تلك التجارب يُثري المشهدَيْن السينمائيين العربي والدولي في آن واحد»، مشيرةً إلى أنّ وجود هذه الأصوات الشابة يُعزّز الطابع الإنساني للمهرجان، ويمنحه حيوية متجدّدة كلّ عام، خصوصاً أنه «لا يسعى إلى استعراض أفلام النخبة، بل إلى خلق توازن بين التجارب الأولى والمشروعات الكبيرة، بما يتيح تبادلاً حقيقياً بين الأجيال».

وعن موقف الرقابة المصرية من الأعمال الفنّية، قالت خوري إنّ «جميع الأفلام المشاركة تمرّ عبر القنوات الرقابية الرسمية في مصر، وهو جزء من الإطار القانوني الذي تعمل فيه جميع المهرجانات المحلّية»، موضحةً أنّ «فريق البرمجة أصبح أكثر وعياً بهذا الجانب، فيختار الأفلام التي يمكن أن تُعرض من دون عراقيل أو تأجيل، ولا يمكن المجازفة بعمل قد يُمنع في اللحظات الأخيرة، ولا يعني ذلك التضحية بحرّية التعبير أو تجاهُل الموضوعات الجريئة، بل التعامل بشكل يضمن استمرار التجربة وتطوّرها».
وفي حديثها عن حفل الافتتاح، قالت إنّ المهرجان قرَّر هذا العام كسر النمط التقليدي والاكتفاء بحفل فنّي كبير من دون عرض فيلم افتتاحي مباشر، على أن تبدأ العروض السينمائية في اليوم التالي، وهذا القرار جاء بعد ملاحظات متكرّرة بأنّ الفيلم الافتتاحي كثيراً ما يُظلم بسبب انشغال الحضور بطقوس الحفل، والتجربة الجديدة أثبتت نجاحها، لأنها جعلت يوم الافتتاح احتفالياً خالصاً، فيما تحوّلت العروض إلى مناسبة مركّزة تُمنح فيها الأفلام كامل الاهتمام.
وأضافت أنّ هذا التغيير يعكس نضج المهرجان في إدارته لتفاصيله الدقيقة، ورغبته في إعطاء الصناعة السينمائية المصرية والعربية مساحة أوضح في جدول العروض؛ إذ جاء اختيار الفيلم المصري «السادة الأفاضل» ليُعرض في «الجونة» قبل طرحه التجاري في الصالات المصرية باليوم التالي، بمثابة خطوة رمزية لدعم الإنتاج المحلّي وتقديمه في إطار احترافي يليق به. وأوضحت أنّ المهرجان يسعى دائماً إلى أن يكون جزءاً من دورة الصناعة، لا مجرّد منصّة عرض، وذلك ينسجم مع رؤيته في تعزيز الشراكات بين المنتجين والموزّعين وصنّاع السينما في المنطقة.
وعن الشراكات الدولية، أكدت ماريان خوري أنّ «التعاون مع المنصّات العالمية مثل (نتفليكس) يمثّل بُعداً استراتيجياً لمستقبل المهرجان»، مشيرةً إلى أنّ استمرار تلك الشراكات ضروري لربط السينما العربية بالتحوّلات الرقمية التي يعيشها العالم، «لأنّ المنصّات لم تعد مجرّد وسائط عرض، بل شريكة فاعلة في إنتاج الأفلام وتوزيعها».

وأكّدت أنّ حضور الممثلة العالمية كيت بلانشيت هذا العام المهرجان أضفى عليه بُعداً إنسانياً وثقافياً مميّزاً، لافتةً إلى أنّ «أكثر ما يميّز النجمة العالمية هو التواضع والذكاء اللذان يجعلانها نموذجاً للفنان الحقيقي الذي يجمع بين العمق المهني والرقي الإنساني».
وعن بدء الاحتفال بعام مئوية يوسف شاهين من «الجونة»، قالت إنّ «ثمة تحضيرات مستمرّة لعام المئوية مع مهرجانات وفعاليات عدّة، والمعرض الذي صمّمته الفنانة يرين فرغل بهذه المناسبة وأُقيم على هامش المهرجان سيكون موجوداً في الدورة المقبلة من (القاهرة السينمائي)».
وتحدّثت المديرة الفنية لـ«الجونة» عن دور الشباب في هذه الدورة، مؤكّدةً أنّ حضورهم اللافت في جميع الأقسام؛ من التنظيم إلى إدارة الفعاليات والمشروعات، كان أحد أسباب الحيوية التي تميّزت بها النسخة الثامنة، موضحةً أنّ هذا الجيل يُمثّل الرهان الحقيقي لمستقبل السينما في المنطقة.
ورأت أنّ «مهرجان الجونة» نجح هذا العام في ترسيخ مكانته منصّةً تجمع بين الفنّ والصناعة، وبين الاحتفاء والإنتاج، وبين المحلّي والعالمي، مشيرةً إلى أنّ «التحدّي في السنوات المقبلة هو الحفاظ على هذا التوازن، وتوسيع فضاء الحوار بين السينمائيين من مختلف الخلفيات والثقافات». وختمت: «المهرجان سيواصل العمل على تكريس قيم الانفتاح والتنوُّع، وعلى بناء جسور جديدة بين السينما العربية والعالم».



