8 قطع ثمينة من المجوهرات النادرة تعود للقرن التاسع عشر هي حصيلة عملية السطو التي تعرض لها متحف «اللوفر» في باريس، صباح أمس. وفي حين لم تتمكن فرق الشرطة من وضع اليد على العصابة المؤلفة من سرّاق محترفين، فإن أخبار السرقة ما زالت تتصدر عناوين نشرات الأخبار، وتلقي بثقل صدمتها على عموم الفرنسيين. وبقي المتحف الأشهر في العالم مغلقاً يوم أمس لاستمرار التحقيق.

كانت المسروقات معروضة في قاعة «أبولو» التي استهدفها اللصوص وتسللوا إليها عبر نافذة جانبية. وهي قاعة تقع في الطابق الأول من جناح المتحف المطل على نهر السين، وتحتضن مجوهرات التاج الفرنسي منذ القرن السابع عشر. وإذا كان تاج الإمبراطورة أوجيني قد أفلت من أيدي أفراد العصابة أثناء فرارهم من المكان، فإنهم نجحوا في انتزاع تيجان أخرى، وأطقم من الحلي ذات القيمتين التاريخية والمادية. ومنها تاج ثانٍ مرصع باللؤلؤ، وعقدة بديعة للخصر يعودان للإمبراطورة أوجيني أيضاً، ودبوس للصدر يحمل ألماسات كبيرة الحجم، وتاج وطقم من أحجار السفير يعودان للملكتين ماري إميلي، وهورتانس، وقلادة مع قرط من الزمرد تعود للملكة ماري لويز.
صالة «أبولو» هي من قاعات «اللوفر» التي تحظى بإقبال الزوار، لأنها تعرض تلك الجواهر والحلي البديعة لملكات خطفن قلوب ملوك فرنسا، وجاءت أغلبهن من خارجها، أي من بقاع أوروبية مجاورة. ثم إن هذه الصالة سبقت بمحتوياتها وشهرتها قاعة المرايا في قصر «فيرساي». وقد تأسست تحت حكم الملك لويس الرابع عشر حتى أصبحت فيما بعد مقراً للمجموعة الملكية من المجوهرات الثمينة المرصعة بالألماس والزمرد والياقوت واللؤلؤ وكريستال روش والعقيق واليشم والجمشت واللازورد، وغيرها. كما أن الصالة ذاتها تعتبر تحفة معمارية ذات سقوف مذهبة، ونقوش مستوحاة من الأساطير اليونانية. وقد أبدعها رسام الملوك شارل لوبران. وبعد وفاته أكمل العمل الفنان الشهير يوجين دولاكروا.

سُميت هذه القاعة تكريماً لأبولو، إله النور والشمس عند الإغريق، وهي تُمثل الطاقة الشمسية التي اختارها لويس الرابع عشر لاستخدامها رمزاً له خلال حياته. ومن هنا جاء لقبه المعروف عبر التاريخ «الملك الشمس». وقد تجلى هذا التفوق في مجموعة الملك التي ضمت آنذاك أكثر من 800 قطعة استثنائية تعكس عظمة الصياغة الفرنسية، ومهارة فنانيها، بما في ذلك الأحجار النادرة والمجوهرات الاحتفالية التي اقتناها ملوك فرنسا، من النظام القديم إلى الإمبراطورية الثانية، ولم يبقَ منها اليوم الكثير، إذ أُعيد بيع معظمها، أو فُقدت، أو حتى سُرقت.
عندما تخلى لويس الرابع عشر عن الإقامة في متحف «اللوفر» عام 1679 وانتقل إلى قصر «فيرساي»، ظل ديكور الصالة غير مكتمل. ولكنه كان بمثابة نموذج لقاعة المرايا، محور مشروعه الجديد كلياً. وفي عهد لويس الخامس عشر أصبحت الصالة أوسع، حيث يزيد طولها عن 60 متراً، وهي النقطة المحورية للفنانين الملكيين المستقبليين الذين كُلِّفوا آنذاك بإكمال النقوش.

تشهد القطع المعروضة على التاريخ الحقيقي للملكية. فقد اعتنى البعض من أصحاب التيجان بهذه الجواهر، بينما أهدرها آخرون، أو اختفت خلال الثورة الفرنسية قبل أن يُعاد العثور عليها بعد بضع سنوات. وأقدم هذه الأحجار هو حجر الإسبنيل المعروف باسم «كوت دو بريتاني»، والذي دخل الخزانة الملكية بفضل النبيلة آن التي حملت لقب دوقة بريتاني نسبة إلى مقاطعة بالاسم نفسه غرب فرنسا. تشمل القطع الأخرى المعروضة أيضاً ثلاث ألماسات تاريخية: ألماسة «ريجنت»، وهي ألماسة ذات أوجه مقطوعة بشكل وسادة، تزن 140.64 قيراط، توصف بأنها «أول ماء»، أي صافية وعديمة اللون تماماً. ويُقال إن كاتب اليوميات سان سيمون وصفها بأنها «بحجم برقوقة الملكة كلود».
تم اكتشاف هذه الألماسة في عام 1698 في مناجم جولكوندا بالهند. كان وزن الحجر الخام أكثر من 426 قيراطاً. وفي البداية رفضها لويس الرابع عشر لارتفاع سعرها، فاشتراها فيليب دورليان، الوصي على العرش، عام 1717، ومن هنا جاء اسم الحجر، لأن ريجنت يعني ولي العهد. وقد تزين بها جميع الملوك الفرنسيين منذ ذلك الحين، واستقرت على تاجي لويس الخامس عشر، ولويس السادس عشر، وعلى سيف نابليون، وتاج الإمبراطورة أوجيني. أي إنها الحجر الثمين النادر الذي دار على عدة رؤوس ملكية.

وهناك الألماسة «سانسي» البيضاء التي تزن 55.23 قيراط، وألماسة «هورتينسيا» الوردية التي تزن 21.32 قيراط كانت ملكاً للإمبراطورة أوجيني. هذا بالإضافة إلى مجوهرات مصنوعة يدوياً تتضمن مجموعة من 38 زمردة، عشر منها على شكل كمثرى، وأيضاً ألماسات أهداها الإمبراطور نابليون الأول إلى ماري لويز بمناسبة زفافهما عام 1810. ويمكن لزائر القاعة التمتع برؤية ما مجموعه 23 قطعة محفوظة في ثلاث خزائن، كسر اللصوص زجاج اثنتين منها.




