«نوبل» ياغي تكرس السعودية مركزاً عالمياً للعلم والمعرفة والابتكار

إنجاز تاريخي يُجسِّد أهمية الاستثمار في العقول المبدعة

TT

«نوبل» ياغي تكرس السعودية مركزاً عالمياً للعلم والمعرفة والابتكار

يعد البروفسور عمر ياغي من ألمع العلماء في مجال الكيمياء الشبكية (واس)
يعد البروفسور عمر ياغي من ألمع العلماء في مجال الكيمياء الشبكية (واس)

تُوِّج البروفسور عمر ياغي، بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025 المقدمة من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، بصفته أول عالم سعودي يفوز بها، تقديراً لإسهاماته الريادية في تأسيس علم الكيمياء الشبكية، وتطوير الأطر المعدنية العضوية، والعضوية التساهمية، التي أحدثت ثورة في علوم المواد، وفتحت آفاقاً جديدة لتطبيقات الطاقة النظيفة والمياه والبيئة.

ويعد البروفسور ياغي من ألمع العلماء بمجال الكيمياء الشبكية، حيث ساهم خلال مسيرته العلمية في نشر أكثر من 300 بحث علمي، وحظيت أعماله بأكثر من 250 ألف استشهاد علمي، كما أسَّس عدة شركات عالمية، وأطلق مجموعة مبادرات علمية بمجال الطاقة النظيفة وعلوم المواد.

وأدّت إنجازاته المتميزة إلى حصوله على جوائز عالمية، منها: «الملك فيصل» و«ألبرت آينشتاين» للعلوم، و«وولف» في الكيمياء، و«إيني» للتميز في الطاقة، و«غريغوري أمينوف» من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، و«فين فيوتشر» للعلوم والتقنيات الناشئة، و«إرنست سولفاي»، و«نوابغ العرب»، إلى جانب أوسمة مرموقة وتصنيفات دولية.

الملك سلمان يُكرّم عمر ياغي بجائزة الملك فيصل في العلوم لعام 2015 (موقع الجائزة)

من جانبه، رفع المهندس عبد الله السواحة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، التهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بهذا الإنجاز التاريخي الذي يُجسّد ثمرة «رؤية 2030» في تمكين العقول السعودية، واستقطاب الكفاءات العالمية، وتسخير العلم والابتكار لخدمة الإنسان والتنمية المستدامة، مشيداً بما قدمه البروفسور ياغي من إسهامات نوعية عزَّزت مكانة البلاد في ريادة العلوم والبحث والابتكار عالمياً.

بدوره، رفع الدكتور منير الدسوقي، رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «كاكست»، الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد، على دعمهما المتواصل لمنظومة البحث والتطوير والابتكار، وتمكين الكفاءات الوطنية، واستقطاب العقول المبدعة من أنحاء العالم، بما يعود بالنفع على البلاد في المجالات كافة، تماشياً مع «رؤية 2030».

شاشة تعرض أسماء الثلاثة الحائزين الجائزة بينها اسم عمر ياغي خلال مؤتمر صحافي للأكاديمية في استوكهولم الأربعاء (رويترز)

وقال الدسوقي، إن هذا الفوز «يُجسد رؤية القيادة الرشيدة في أن تكون المملكة مركزاً عالمياً للعلم والمعرفة والابتكار، ويؤكد أن الاستثمار في العقول المبدعة هو طريقنا لبناء مستقبلٍ مستدامٍ للإنسانية»، عادّاً ابتكارات البروفسور ياغي في تصميم وإنتاج مواد نانونية واستخدامها لاستخلاص المياه من الهواء «نموذجاً مُلهماً لما يمكن أن يصنعه العلم حين يجتمع الشغف بالإصرار».

وتحدَّث العالِم السعودي عن لحظة تلقيه خبر الفوز، قائلاً: «لست معتاداً على رنين الهاتف لذلك نظرت إليه ووجدت الاتصال من السويد فأجبت، وكان سكرتير لجنة نوبل والأكاديمية السويدية للعلوم على الهاتف يُبلغني بقرارهم منح الجائزة»، مضيفاً عبر مقطع فيديو مصوَّر: «تحدثت أيضاً مع بعض أعضاء اللجنة، وجميعهم تمنوا لي التوفيق، لكن الأمر كان مثيراً للغاية. لا يُمكنك الاستعداد للحظة مثل هذه، لذا كنت متفاجئاً ومسروراً بالخبر».

يشار إلى أن العالِم ياغي قد حصل على الجنسية السعودية؛ تقديراً لجهوده وإسهاماته العلمية البارزة، ومساهماته في مجال الكيمياء الشبكية والمواد النانوية، وانطلاقاً من مستهدفات «رؤية 2030»؛ نحو تعزيز البيئة الجاذبة لاستقطاب الكفاءات البشرية المتميزة ذات الخبرات والتخصصات التي تُسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والتقنية والعلمية؛ وتعزز الابتكار في البلاد.

كان ياغي متفوقاً في دراسته منذ صغره، وانتقل في الخامسة عشرة من عمره إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بكلية المجتمع في وادي هدسون، ثم نال درجة البكالوريوس من جامعة ولاية نيويورك بمدينة ألباني، قبل أن يتلقى دراساته العليا بجامعة إلينوي في أوربانا - شامبين، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء، أعقبها بزمالة ما بعد الدكتوراه من المؤسسة الوطنية للعلوم بجامعة هارفارد عام 1990.

انضم البروفسور ياغي إلى هيئة التدريس بجامعة ولاية أريزونا بين عامي 1992 - 1998، ثم جامعة ميشيغان من 1999 إلى 2006، فجامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس بين 2007 وعام 2012، وأصبح أول من يتبوَّأ كرسي جيمس ونلتجي تريتر للكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا - بيركلي، ومديراً مشاركاً لمعهد كالفي لعلوم النانو، ومختبر لورانس بيركلي القومي.

وحقَّق إنجازات باهرة في تشييد أطر الفلزات العضوية، وطوَّر طرقاً مبتكرة لتصنيع مواد جديدة واستخدام تطبيقاتها بمختلف المجالات؛ بما فيها إدخال الجزيئيات الحيوية والتقاط الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين. وارتقى بهذا الحقل البحثي الرائد إلى آفاق جديدة ومثيرة، حيث قام بتطوير استراتيجيات اصطناعية وتصاميم ذكية أثارت اهتمام العالم بأسره.

أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي عمر ياغي يعمل في مختبره بجامعة كاليفورنيا بيركلي (رويترز)

ونال البروفسور ياغي إثر جهوده وإسهاماته جوائز وشهادات تقدير علمي، منها جائزة إكسون من الجمعية الأميركية للكيمياء عام 1998، وميدالية ساكوني من الجمعية الإيطالية للكيمياء عام 2004. واحتفت الأوساط العلمية بإنجازاته في تخزين الهيدروجين، وتم تصنيفه عام 2006 ضمن أذكى عشرة علماء ومهندسين بالولايات المتحدة. كما نال عام 2007 جائزة وزارة الطاقة الأميركية (برنامج الهيدروجين).

وحاز جازة «نيوكومب كليفلاند» من الجمعية الأميركية للتقدُّم العلمي لأفضل بحث منشور في مجلة «العلوم» الشهيرة عام 2007، وجائزة الجمعية الأميركية للكيمياء في 2009، وهو الوحيد الحاصل على ميدالية جمعية بحوث المواد تقديراً لأعماله الرائدة في تنظير وتصميم وتشييد وتطبيق الأُطر الفلزية – العضوية ذات الثقوب النانوية، كما اختير بوصفه ثاني أشهر علماء الكيمياء استشهاداً بأعمالهم خلال الأعوام 1998 - 2008 من بين 6 آلاف عالم، حيث نُشر له نحو مائتي بحث علمي استُشهِد بها من قبل العلماء الآخرين أكثر من 60 ألف مرة.

أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي عمر ياغي يقف بمختبره في الجامعة (رويترز)

وعُيِّن البروفسور ياغي مدير مركز تميز المواد النانونية لتطبيقات الطاقة النظيفة المشترك الذي أسَّسته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع جامعة كاليفورنيا – بيركلي، ومستشار رئيس «كاكست»، وعضو مجلس إدارة هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في السعودية.


مقالات ذات صلة

السعودية تحصد 6 جوائز في «التميز الحكومي العربي 2025»

يوميات الشرق جانب من حفل جائزة التميز الحكومي العربي 2025 (الشرق الأوسط)

السعودية تحصد 6 جوائز في «التميز الحكومي العربي 2025»

حقّقت السعودية إنجازاً جديداً في مسيرة التطوير والابتكار الحكومي، بحصدها 6 جوائز ضمن جائزة التميز الحكومي العربي 2025.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الخليج المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)

برنامج سعودي لتحسين وضع التغذية في سوريا

أبرم «مركز الملك سلمان للإغاثة» برنامجاً تنفيذياً لتحسين وضع التغذية لأكثر الفئات هشاشة في المناطق ذات الاحتياج ومجتمعات النازحين داخلياً بمحافظات سورية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان) play-circle 01:19

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أيقونة الهيب هوب كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي (تصوير: إيمان الخطاف)

كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي وتستعيد رحلتها الفنّية في «البحر الأحمر»

منذ اللحظة الأولى، تعاملت كوين لطيفة مع المسرح والجمهور بحميمية أثارت إعجاب الحاضرين...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق جلسة مليئة بالصدق والعمق (الشرق الأوسط)

زيارة أولى للشرق الأوسط... كريستن دانست تفتح قلبها لجمهور «البحر الأحمر»

رغم أنّ المهرجان اعتاد استقطاب أسماء عالمية سنوياً، فإنّ ظهور دانست حمل خصوصية لافتة...

إيمان الخطاف (جدة)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.