أرام جوغيان في «بنات ومياه وغيوم»... ولادة الألوان في عالم تجريدي

بعد غياب عن ساحة المعارض التشكيلية

الألوان محور لوحات أرام جوغيان في معرضه «بنات ومياه وغيوم» (الشرق الأوسط)
الألوان محور لوحات أرام جوغيان في معرضه «بنات ومياه وغيوم» (الشرق الأوسط)
TT

أرام جوغيان في «بنات ومياه وغيوم»... ولادة الألوان في عالم تجريدي

الألوان محور لوحات أرام جوغيان في معرضه «بنات ومياه وغيوم» (الشرق الأوسط)
الألوان محور لوحات أرام جوغيان في معرضه «بنات ومياه وغيوم» (الشرق الأوسط)

مثل الزئبق، يتنقَّل الرسام اللبناني، الأرمني الأصل، أرام جوغيان في صالة «ريبيرث بيروت» بمنطقة الجميّزة البيروتية. فهو لا يهدأ ويتحرَّك بسرعة بين الباحتين الداخلية والخارجية. معرضه «بنات ومياه وغيوم» موعدٌ انتظره محبّوه بعد غياب. وفي لوحاته نلاحظ محاولة هروب إلى عالم جميل ونقي. أبطالها يُصارعون الأمواج ويُحلّقون بين الغيوم، بينما وجوه بناته توحي بحبّ المواجهة بعيداً عن الخضوع. أما الطبيعة، فتشكِّل المحور الأساسي لأعماله؛ إذ المعروف عن أرام حبّه لها بعيداً عن المدينة وضجيجها.

على عكس الفنانين من زملائه، لم يستقبل زوّاره كما المتوقَّع ليلة الافتتاح. فوقف الجميع ينتظر وصوله، هو المشهور بلقب «الفنان البوهيمي». وعند وصوله إلى مركز «ريبيرث بيروت»، علا التصفيق ترحيباً به، فحتى اللحظة الأخيرة بقي حضوره مجرّد فكرة يمكن أن تتحقّق أو لا. لكنه في النهاية رضخ لمشيئة زوّاره، ودخل عليهم يربط شعره الأبيض، مرتدياً قميصاً أحمر يُلائم بوهيميته.

يؤكّد جوغيان أنّ لوحاته تولد لحظة إمساكه بالريشة (الشرق الأوسط)

في لوحاته الموزَّعة على غرف مركز «ريبيرث بيروت» ريشةٌ حرّة تُحلّق في فضاء الألوان. وتحت عناوين ترتبط مباشراً بالطبيعة، تبدأ رحلتك في المعرض. وثمة لوحات أخرى تبدو مثل شاشات سينما وتلفزيون الواقع، فتستطلع موضوعات تتراوح بين الحبّ من النظرة الأولى، وتحية ملوّنة إلى إسبانيا.

وبنظرة شاملة على أعمال أرام، تدرك أهمية الألوان فيها، وغالبيتها زاهية وفرِحة تزرع الأمل والشعور بالسعادة، فيستمدّ منها ناظرها الطاقة الإيجابية. وكلّما اقتربتَ منها ودقّقتَ في خطوطها، لمستَ انسيابية ريشته في تلوين صفحات بيضاء. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أُخطّط للموضوع الذي سأرسمه، ولا أضع له طريقاً محدّداً أسير عليه. وبمجرّد أن أمسك الريشة تأخذني في الرحلة المشوّقة التي أنتظرها منها».

وماذا عن كمية الألوان التي يصبّها مثل جرعات حياة على أعماله؟ يوضح: «هل تعلمين بأنْ لا لوحة (باليت) ألوان عندي؟ خياراتي تحصل في اللحظة نفسها. أغطُّ فرشاتي بلون واحد وألحقها بثانٍ وثالث ورابع من دون أن أفكّر، فيأخذ كلّ لون طريقه مثل شجرة عملاقة. توليد الألوان نملكه بالوراثة في عائلتنا. أكون بمثابة رجلٍ أعمى وألوانه تشكّل بصيرته، فألتقط موجات اللون وذبذباته بالفطرة. تتراءى اللوحة فجأة في ذهني قبل أن أبدأ بتنفيذها، فأطبّقها ببساطة على القماش».

كما «المغيب»، و«شروق القمر»، و«هواء الربيع»، يحضر شهر الزهور مايو (أيار) في لوحات أرام. تستشفّ منها رائحة باقات الورود العطرة، وسَعة الحقول، ودفء الشمس، وبُعد الأفق، وزرقة البحر بأسلوبه التجريدي الغامض. فالألوان وخطوط فرشاته المجنونة توحي إليك بها من دون أن تراها، إذ إنّ هذا الفنان التشكيلي يرسم ما يشعر به لا ما هو مألوف.

تحية إلى إسبانيا بريشة جوغيان (الشرق الأوسط)

نسأل أرام: ماذا لو لم يستخدم الرسم للتعبير عن أحاسيسه؟ يردّ بسرعة: «لكنتُ مارست أيّ نوعٍ آخر من الفنون. فالرسم بمثابة رقص تعبيري، أو كنتُ مارست هوايتَي السباحة، وصيد السمك. فجميعها أدوات فنّية يمكننا أن نغوص فيها ونخلق منها صوراً».

ويشير إلى أنه يمارس كلّ هذه الفنون الرياضية، ويضيف: «لا أختار التعبير بالرسم دائماً. فرشاتي تسير وفق مزاجي، ولذلك أغيب لمدّة ومن ثَمَّ أعود إلى الساحة التشكيلية».

تولّد أعمال أرام جوغيان عند ناظرها فسحات أملٍ، وتعكس عليه راحةً وطمأنينة مثل مَن يمارس رياضة التأمُّل أو اليوغا. وكلّما دقَّق في تفاصيلها سافر معها إلى عوالم حالمة وسريالية.

الوحدة تُحفّزه على توليد أعماله، فهو بعيداً عن زحمة المدينة يقيم في منزلٍ ريفي صغير حوَّله إلى ورشة عمل. يروي: «يقول لي ابني إني أجمع شخصيات فنانين عدّة، فلديَّ قليل من جنون المُخرج الفرنسي غانسبورغ، وجرعات أخرى من فان غوخ وكوكسكي. فكلّ واحد منهم له ميزته في مجالٍ فنيّ يبدع به».

رأي أرام بالفن ومَعارض الرسم يُشبه شخصيته الحرّة، إذ يقول: «المال لا يعني لي شيئاً. أرسم لأفرح وأعبّر عن شغفٍ يتملكني. لا أحبّ إقامة المعارض بشكلٍ دائم. لا أدري، ربما أفكاري ستجدونها غريبة، ولكن أيّ منتجٍ يخرج من مكان ولادته يصبح بمثابة بضاعة معروضة للبيع. بالنسبة إليّ، الدهان والقماش اللذان أستخدمهما لصناعة اللوحة يبلغان نحو 5 في المائة من سعرها. لا أهتمّ برصيد الربح الذي أحقّقه، ولا أحبّ التفكير بمصير اللوحة التي أرسمها».

ولكن أليست لوحاتكَ عزيزة على قلبك؟ يُجيب: «أبداً، فمن لديه هذا الكمّ من الأبناء لا يستطيع أن يُحدّد طبيعة المودّة».

رحلةٌ حالمة تقوم بها في معرض أرام جوغيان، تُلامس فيها وجوه الفتيات ومياه البحار وغيوم السماء، فتُخبرك قصصاً مُتشابكة تستمتع بفكّ أحجيتها واكتشاف ألغازها. ويستمرّ المعرض في «ريبيرث بيروت» حتى الأسبوع المقبل، وهو من تنسيق الدكتور طوني كرم بالتعاون مع غاليري «ذا غاليرست» لصاحبتها عليا مطر.


مقالات ذات صلة

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

يوميات الشرق عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

حرفيون سوريون يشاركون في «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية - بنان» بالرياض لعرض مهاراتهم التقليدية وإبداعاتهم التي حافظت على التراث رغم تحديات الزمن والحرب.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق فن التشكيل في الفراغ بالأسلاك اشتهر به جلال جمعة (إدارة الغاليري)

فنان مصري يصارع الثيران بالأسلاك في معرض قاهري

تتمدد الأسلاك وتتشابك في مساحة من الفراغ لتصنع هيئة أو جسد حيوان، في إطار من التعبير أحياناً، والتجريد في أحيان أخرى. إنه «الثور».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق استعادة سريعة لعمل بانكسي الأشهر (رويترز)

سرقة عمل لبانكسي لتسديد ديون قديمة

قضت محكمة بريطانية بسجن رجل لمدّة 13 شهراً بعد إدانته بسرقة مطبوعة فنّية نادرة للفنان الشهير بانكسي من إحدى صالات العرض في لندن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يتيح المعرض فرصة اكتشاف حرف يدوية من أنحاء العالم (واس)

معرض «بنان» في الرياض يُقدِّم أعمال حرفيين من 40 دولة

انطلقت فعاليات الأسبوع السعودي الدولي الثالث للحرف اليدوية «بنان» في الرياض، بمشاركة أكثر من 400 حرفي وحرفية يُمثلون نحو 40 دولة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق إحدى طائرات الدرون المشاركة في جناح وزارة الداخلية (وزارة الداخلية) play-circle 01:07

«الداخلية السعودية» تكشف مستقبل حماية الحشود بخطاب ذكي وتقنيات لا تتوقف

وزارة الداخلية تستخدم تقنيات متقدّمة، مثل الدرونات والروبوتات والسوار الصحي، لضمان أمن وسلامة الحجاج بكفاءة عالية.

أسماء الغابري (جدة)

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
TT

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)

من القطع الزجاجية الملوّنة إلى المنمنمات الخشبية الدقيقة والزخارف المستمدة من مدارس دمشق وحلب وحمص، يشارك حرفيون سوريون في ملتقى دولي بالرياض يحتفي للعام الثالث بالحرف اليدوية والصناعات الإبداعية التي حافظت على تراث الشعوب والمجتمعات رغم التحديات.

وفي الجناح السوري، يعكف الخطّاط محمد ماهر حاضري على إنجاز عدد من المخطوطات، ويستقبل زوّار الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان 3)، متباهياً بمنجزه الذي أمضى 12 عاماً في تنفيذه عبر حياكة ونقش آيات المصحف الشريف على القماش.

حرفيون سوريون يشاركون في ملتقى دولي بالرياض (هيئة التراث)

بدأ مشروع الخطّاط السوري عام 1998، وبذل فيه جهده ووقته وخبرته، ما ساعده في إنجاز هذه القطعة الفنية التي انتهى منها عام 2010، وقد وجد في معرض «بنان» الدولي بالرياض فرصةً لعرض عمله والتعريف ببقية أعماله.

وسجّلت سوريا حضوراً لافتاً في «بنان 2025» من خلال عرض حرفها اليدوية وفنونها التقليدية ومنتجاتها الإبداعية. وتكشف الأعمال المعروضة في الجناح مهارات صناعة الحرف السورية التي بقيت حيّة في ذاكرة الحرفيين.

وخلال جولة «الشرق الأوسط»، تحدّث عدد من الحرفيين السوريين عن الفرصة التي يوفرها الأسبوع السعودي لدعم تعافي قطاع الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية السورية، بعد محاولات استمرت طوال العقد الماضي للصمود في وجه تحديات الأزمة والحرب وتراجع الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد.

الخطاط السوري محمد ماهر حاضري يعكف على إنجاز مخطوطات عدّة (هيئة التراث)

يقول الحرفي السوري عثمان شبعانية إن الحرف اليدوية السورية حافظت على حضورها رغم تغيّر الزمن، مشيراً إلى أن جزءاً من هذا الصمود يعود لقدرة المبدعين السوريين على تطوير أعمالهم دون الانفصال عن جذورها.

ويضيف شبعانية أنه أدخل زخارف جديدة وطوّر أشكالاً تواكب الذوق المعاصر، لكنه حافظ على «الروح الدمشقية» التي تُعرَف من النظرة الأولى، وعلى الأسلوب اليدوي الذي يمنح القطعة قيمتها الإنسانية قبل الفنية.

ويشارك شبعانية بجناحه الخاص في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية، حيث يعرض قطعاً نحاسية دقيقة وجميلة تحتفظ في تفاصيلها بذاكرة دمشق الممتدة عبر أجيال من الحرفيين.

ويمارس عثمان حرفته، كما ورثها عن والده وأجداده، ويعمل اليوم في مشغله برفقة إخوته وابنه البكر، في مشهد يعكس جوهر الحرفة الدمشقية الأصيلة القائمة على العائلة والتراث والعمل اليدوي الخالص.

فكل قطعة تُشكَّل يدوياً بالكامل، بدءاً من اختيار النحاس الخام وتسخينه وصولاً إلى الطرق والصقل والنقش، قبل أن تتحول إلى صينية أو مبخرة أو قدر يحمل ملامح دمشق وأصالتها.

يعرض الجناح السوري القطع الزجاجية والمنمنمات الخشبية والزخارف المستمدة من مدارس مدنه (هيئة التراث)

وتتواصل فعاليات «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية - بنان» في نسخته الثالثة، الذي تنظمه هيئة التراث في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بمدينة الرياض.

ويشهد الأسبوع إقبالاً لافتاً من الزوّار والعائلات ومحبي التراث والحرف التقليدية من داخل السعودية وخارجها، إذ حرصوا على التجوّل بين أكثر من 400 جناح لحرفيين من أكثر من 40 دولة.

وقد أتاح المعرض للزوّار فرصة استكشاف تنوع الحرف اليدوية وتاريخها الممتد في الثقافات الإنسانية، والتعرّف عن قرب على الموروث الثقافي الغني الذي تمثله هذه الفنون التقليدية، من أعمال النسيج والخزف والمشغولات الخشبية والمعدنية إلى الفنون الدقيقة التي تجسد الإبداع الإنساني بأبهى صوره.

يدعم الأسبوع السعودي تعافي قطاع الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية السورية (هيئة التراث)

يأتي تنظيم «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية» هذا العام بالتزامن مع «عام الحرف اليدوية 2025»، في إطار جهود وطنية متكاملة تهدف إلى دعم الحرفيين والحرفيات وتمكينهم اقتصادياً وثقافياً، والحفاظ على الموروث الثقافي غير المادي للسعودية، إضافة إلى تعزيز مكانة الحرف اليدوية في المشهد الإبداعي العالمي وترسيخها بوصفها عنصراً رئيسياً من عناصر الهوية الثقافية ورافداً مهماً من روافد التنمية المستدامة.


تقنية مبتكرة لتشخيص وعلاج سرطان الرئة

يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
TT

تقنية مبتكرة لتشخيص وعلاج سرطان الرئة

يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)

أعلن باحثون في جامعة أوساكا اليابانية عن تطوير تقنية مبتكرة تتيح الوصول إلى أورام الرئة الصغيرة الموجودة في أعماق الرئتين، والتي كان من المستحيل الوصول إليها باستخدام المناظير التقليدية.

وأوضح الباحثون أن التقنية الجديدة تحسّن دقة التشخيص المبكر، مما يزيد فرص التدخل العلاجي الناجح لسرطان الرئة، ونُشرت النتائج، الاثنين، بدورية «Thorax».

ويُعدّ سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطان شيوعاً وخطورة عالمياً؛ إذ يتميز بنمو غير طبيعي للخلايا داخل أنسجة الرئة، مما يؤدي لتدهور وظيفتها وانتشار المرض إلى أجزاء أخرى من الجسم إذا لم يُكتشف مبكراً. وغالباً لا تظهر الأعراض في المراحل الأولى، مما يجعل التشخيص المبكر تحدياً كبيراً للأطباء.

ويعتمد تشخيص المرض عادة على الأشعة المقطعية، والفحوصات التنظيرية، وأخذ عينات من الأنسجة (خزعات) لتحديد نوع السرطان ومرحلة تقدّمه. ورغم أن الأشعة المقطعية حسّنت من اكتشاف الأورام الصغيرة، فإن الحصول على عينات دقيقة ظل صعباً بسبب ضيق الشعب الهوائية في مناطق الرئة الطرفية.

وحسب الدراسة، تُعرف التقنية المبتكرة باسم إدخال المنظار بمساعدة البالون (BDBD)، وقد طوّرها الباحثون لتسهيل الوصول إلى الأورام الصغيرة الواقعة في الأطراف البعيدة للرئتين، والتي كان الوصول إليها صعباً أو مستحيلاً بالمناظير التقليدية.

وتعتمد التقنية على استخدام بالون صغير لتوسيع المجاري الهوائية الرقيقة بلطف، مما يسمح للمنظار بالتقدّم نحو الأورام الخفية في المناطق الطرفية من الرئة. وأظهرت التجربة السريرية الأولى على البشر أن التقنية آمنة وفعّالة، وقد نجحت في الوصول إلى أورام يقل حجمها عن 20 ملم، مع تحسين دقة أخذ العينات التشخيصية بشكل ملحوظ.

ووفقاً للباحثين، يُعزّز هذا الابتكار إمكانيات التشخيص المبكر لسرطان الرئة، ويقلل الحاجة إلى التدخل الجراحي الكبير، ما يوفر للمريض علاجاً أكثر فاعلية. كما يمهد الطريق لعلاجات تنظيرية مستقبلية تستهدف الأورام مباشرة دون الحاجة إلى التدخلات الجراحية الكبرى، مما يقلل من مخاطر المضاعفات ويسرّع من عملية التعافي، مع الحفاظ على جودة التشخيص وفاعليته.

وأشار الفريق إلى أن هذه القدرة على التدخل المبكر تمثل فرصة مهمة لتحسين معدلات بقاء المرضى على قيد الحياة، كون التشخيص الدقيق المبكر يسمح بالتعامل مع الأورام قبل انتشارها.

كما نوه الباحثون بأن هذه النتائج تعكس أيضاً نجاح التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الصناعي في اليابان، حيث أسهم هذا التكامل في تطوير تقنية طبية متقدمة تمثل حلاً عملياً لأحد أكثر تحديات تشخيص سرطان الرئة تعقيداً.


اكتشاف أقدم بصمات كيميائية للحياة على الأرض

 أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
TT

اكتشاف أقدم بصمات كيميائية للحياة على الأرض

 أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)

كشفت دراسة دولية أدلة كيميائية هي الأقدم من نوعها تشير إلى وجود حياة على الأرض قبل أكثر من 3.3 مليار سنة.

كما اكتشف الفريق البحثي، بقيادة مؤسسة كارنيغي للعلوم في الولايات المتحدة، مؤشرات قوية على أن عملية التمثيل الضوئي المنتجة للأكسجين ظهرت قبل نحو مليار سنة مما كان يُعتقد سابقاً، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم».

ويشير مفهوم النشاط البيولوجي على الأرض إلى جميع العمليات الحيوية التي تقوم بها الكائنات الحية منذ بدايات ظهورها على الكوكب، مثل البناء الضوئي والتحلل وتبادل المواد مع البيئة. ورغم أن بدايات الحياة كانت بسيطة للغاية، متمثلة في كائنات دقيقة تعيش في المحيطات البدائية، فقد لعبت هذه الكائنات دوراً حاسماً في تشكيل الغلاف الجوي والمحيطات، وتهيئة الظروف التي سمحت لاحقاً بظهور كائنات أكثر تعقيداً. ومع مرور الزمن، تطوّر هذا النشاط البيولوجي ليصبح القوة المحركة لتنوع الحياة واستقرار الأنظمة البيئية على الأرض.

واستخدمت الدراسة مزيجاً من التحليل الكيميائي المتقدم وتقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن دلائل جزيئية دقيقة خلفتها الكائنات القديمة داخل الصخور، رغم اختفاء الجزيئات الحيوية الأصلية بفعل الدفن والتسخين والضغط عبر العصور الجيولوجية. واعتمد الفريق على تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي للتعرّف إلى البصمات الكيميائية المميزة للحياة.

وفحص الباحثون أكثر من 400 عينة شملت نباتات وحيوانات حديثة، ومتحجرات عمرها مليار سنة، وصخوراً نيزكية. ونجح النموذج الحاسوبي في التمييز بين المواد الحيوية وغير الحيوية بدقة تجاوزت 90 في المائة، كما كشف عن دلائل مرتبطة بالتمثيل الضوئي في صخور لا يقل عمرها عن 2.5 مليار سنة.

وشاركت في الدراسة الدكتورة كاتي مالوني، الأستاذة المساعدة بجامعة ولاية ميشيغان والمتخصصة في تطور الكائنات المعقدة المبكرة، وقدّمت عينات نادرة من حفريات طحالب بحرية عمرها مليار سنة من إقليم يوكون في كندا، تُعد من أوائل الأدلة على وجود طحالب كبيرة الحجم في السجل الأحفوري، في زمن كانت معظم مظاهر الحياة لا تُرى إلا بالمجهر.

وقالت مالوني عبر موقع الجامعة: «الصخور القديمة مليئة بالألغاز، لكن بعض قطع اللغز كانت مفقودة دائماً. الجمع بين التحليل الكيميائي والتعلم الآلي كشف لنا إشارات كانت مخفية كلياً».

وكانت الأدلة الجزيئية الموثوقة على الحياة محصورة حتى وقت قريب في صخور لا يتجاوز عمرها 1.7 مليار سنة، لكن المنهج الجديد ضاعف هذه النافذة الزمنية تقريباً، فاتحاً المجال أمام إعادة قراءة سجل الحياة المبكرة بعيون جديدة.

وقال الدكتور روبرت هازن، الباحث في مؤسسة كارنيغي والمشارك في الدراسة: «الحياة القديمة لا تترك فقط حفريات، بل تترك صدى كيميائياً. وباستخدام التعلم الآلي، أصبح بإمكاننا للمرة الأولى تفسير هذا الصدى بدقة».

وأوضح أن النتائج تحمل آثاراً مهمة للبحث عن الحياة خارج الأرض؛ إذ يمكن استخدام التقنية نفسها لتحليل عينات من المريخ أو أقمار الكواكب الأخرى بحثاً عن الإشارات الكيميائية للحياة.