بعد مرور 52 عاماً على حرب السادس من أكتوبر 1973، تتردد أسئلة في الوسط الفني المصري حول أسباب قلة الأعمال الدرامية والسينمائية التي تتناول الحرب، وانحسارها في الفترة الأخيرة تماماً، رغم القيمة التاريخية والوطنية الكبرى للحدث، ويشير نقاد إلى تحطم حلم إنتاج أعمال كبرى عن انتصارات أكتوبر على صخرة التمويل.
ومع كل ذكرى لانتصارات أكتوبر تذيع الشاشات المصرية أفلاماً عن الحرب أنتجت في وقت قريب من الحرب، من بينها «بدور» و«الرصاصة لا تزال في جيبي» و«حكايات الغريب»، و«أغنية على الممر» الذي يرصد حرب الاستنزاف، و«حتى آخر العمر»، وكان أحدث تلك الإنتاجات في عام 2019 فيلم «الممر» الذي تناول بطولات الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف، وقام ببطولته أحمد عز وإياد نصار وأحمد رزق، من تأليف وإخراج شريف عرفة.

في المقابل، هناك أكثر من مشروع سينمائي عن حرب أكتوبر لم ير النور، من بينها فيلم «الكتيبة 26»، وهو كتاب من تأليف الفنان الراحل لطفي لبيب الذي شارك في حرب أكتوبر، وكتب يوميات كتيبة المشاة التي عبرت القناة وشاركت في الانتصار، وقال لبيب، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، إنه قام بتوثيق بطولات سلاح المشاة في حرب أكتوبر بفيلم «الكتيبة 26» التي كان من بين جنودها، وأعرب عن أمنيته إنتاج هذا الفيلم الذي يتضمن خبرته ومشاهد حية من الحرب، بعد أن قضى الفنان الراحل 6 سنوات مقاتلاً على الجبهة.
ويقول محمد الديب، مدير أعمال الفنان الراحل لطفي لبيب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الفنان الراحل كتب بالفعل سيناريو الفيلم (الكتيبة 26)، ولكن لا يُعرف إن كان عرضه على أحد المنتجين، أو إذا كان اتخذ خطوات جدية نحو إنتاجه».
ويرى الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، أن «عقبة التمويل التي تضطر الدولة للمشاركة في مثل هذه الأفلام لفترة طويلة يجب أن نتجاوزها ونبحث عن بدائل لعدم تعطيل مشروعات فنية حول هذا الحدث التاريخي».
ويضيف الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مشروعات كثيرة تعطلت بسبب التمويل أو بسبب الطعن في التوجهات الآيديولوجية لصناع السينما أحياناً؛ فالكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة كتب فيلماً عن حرب 1973 كان من المفروض أن يخرجه شريف عرفة، لكن مؤسسة صحافية كبرى نشرت ما يفيد بأن عكاشة توجهاته ناصرية، وانتصار 73 مرتبط بالسادات، فكيف نأتي بشخص لا يحب السادات ليكتب سيناريو الفيلم؟ فتوقف المشروع الذي كان من المفترض أن تنتجه الدولة».
وكان السيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة كتب فيلماً سينمائياً عن حرب أكتوبر، وذلك في عام 1995 بعنوان «أبواب الفجر»، وفي تصريحات صحافية قالت ابنته الإعلامية نسرين عكاشة، إن السيناريو توقف ولم يكتمل بسبب ظروف خارجة عن إرادة السيناريست، فيما قال اللواء سمير فرج في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه حين كان يتولى إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، تحمّس لفكرة أن تنتج الدولة فيلماً كبيراً عن حرب أكتوبر، وعرض الفكرة على المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع وقتها، ووافق على الفكرة، «ووقع الاختيار على أسامة أنور عكاشة لكتابة الفيلم، وشريف عرفة لإخراجه، وجلس عكاشة مع نحو 500 ضابط وجندي للتعرف على قصصهم والخروج بفكرة الفيلم، لكن لم يكتمل المشروع، بسبب حملة شرسة أطلقت ضد عكاشة بأنه ناصري الهوى، وبالتالي سيبخس السادات حقه»، على حد تعبيره.
وتابع فرج: «كل يوم يمر من دون إنتاج فيلم كبير يوثّق لحرب أكتوبر يمثل خسارة كبيرة لنا؛ لأن المعدات والأسلحة التي كانت موجودة وقتها تختفي تدريجياً، صحيح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر بدائل، لكنه لن يكون مثل الأسلحة الحقيقية، كما أن أبطال الحرب يرحلون، وكنا رصدنا إنتاجاً ضخماً لهذا الفيلم ولكنه لم ينجز»، في المقابل يشير فرج إلى قيام الشؤون المعنوية بإنتاج 13 فيلماً وثائقياً عن حرب أكتوبر، تصل مدة كل منها إلى 45 دقيقة، كما تناول حرب الاستنزاف، وقام خلالها بالتسجيل مع معظم قادة الحرب، من بينهم سعد الدين الشاذلي وصاحب حائط الصواريخ محمد علي فهمي، وتناولت الأفلام كل محاور الحرب.
واعترض الشناوي على فكرة ارتباط أفلام الحرب بالدولة، مؤكداً أن «فيلم (الممر) كان إنتاجاً خاصاً لهشام عبد الخالق رئيس غرفة صناعة السينما، ويمكن أن تكون الدولة ساعدت في الأسلحة والمعارك وتفاصيل من هذا القبيل، لكن القطاع الخاص يجب أن يتصدى لهذه الأفلام، وسمعت أن شريف عرفة يكتب الجزء الثاني من (الممر)، وسيكون عن حرب أكتوبر مباشرة، وأتمنى له النجاح كما نجح فيلم (الممر1) وحقق إيرادات كبيرة».

ويرى الشناوي أن «سبب نجاح (الممر) ربما يعود لإبرازه الروح القتالية للجندي المصري والسماح رقابياً بالحديث عن بشاعة الهزيمة وحتى عرض النكات التي قيلت عنها باعتبارها جزءاً من الحالة المصرية»، ويتابع: «إذا سمح سقف الرقابة والإنتاج بتقديم انتصارات 73 بكل أبعادها سيصب في عمل فني جيد ليس بالضرورة أن تنتجه الدولة لكن يمكن أن تساعد لوجيستياً أو أدبياً».
ومن الأفلام المهمة التي تناولت بطولات الجيش المصري وتم عرضها على الشاشات خصوصاً خلال احتفالات أكتوبر، «الطريق إلى إيلات» للمخرجة إنعام محمد علي، و«العمر لحظة» و«المواطن مصري» من إخراج صلاح أبو سيف، و«حائط البطولات» من إخراج محمد راضي، وتكلّف إنتاج فيلم «الممر» من إخراج شريف عرفة 63 مليون جنيه، وفق تصريحات لمنتجه هشام عبد الخالق، فيما حقق إيرادات بالسينما تعدت 74 مليون جنيه، وفق تقارير محلية. (الدولار الأميركي يعادل حالياً نحو 48 جنيهاً).
وعدّ الناقد الفني المصري، أحمد السماحي، أن «مشكلة تمويل فيلم ضخم عن حرب أكتوبر موجودة منذ انتهاء حرب أكتوبر وحتى الآن»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لنحو 52 عاماً ومشكلة التمويل تطارد صناع السينما المصرية ممن يرغبون في تقديم فيلم عن الحرب، وإن كانت السينما تناولت حرب أكتوبر في 8 أفلام روائية طويلة من بينها (الرصاصة لا تزال في جيبي) إخراج حسام الدين مصطفى، و(الوفاء العظيم) إخراج حلمي رفلة، و(بدور) إخراج نادر جلال، وغيرها، فإن السينما المصرية لم تقترب من حرب أكتوبر من بعد هذه الأفلام التي كان بعضها أفلاماً عاطفية تخللتها مشاهد من الحرب».
وأشار السماحي إلى أن «الرئيس السادات قائد حرب أكتوبر كان يتمنى إنتاج فيلم كبير يوثّق لبطولات الحرب يجمع بين الروائي والتسجيلي، وتحدث في هذا الأمر مع يوسف السباعي، وزير الثقافة وقتها، بحيث يتم إنتاج فيلم ضخم عن تدمير اللواء 190 وأسر قائده عساف ياغوري، وبالفعل تم الإعداد للفيلم، ولكن المشروع لم يكتمل بسبب التمويل، رغم أن الرئيس نفسه هو الذي تحمّس لإنتاج الفيلم».
ويؤكد الناقد الفني أن «التمويل سيظل العائق الأكبر أمام إنتاج أفلام كبيرة عن حرب أكتوبر، ولكن أعتقد أن الدولة حالياً والشركة المتحدة يمكنها أن تقدم فيلماً كبيراً عن أكتوبر حتى لو اضطرت لتوفير ميزانية 3 أو 4 مسلسلات وتوجيهها لإنتاج فيلم عظيم عن حرب أكتوبر، خصوصاً أن الشركات الخاصة لن تتمكن من ذلك».



