خالد يوسف: أتمنّى تقديم سيرة جمال عبد الناصر فنّياً

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يُكرّر تجربة الإخراج التلفزيوني

المخرج المصري خالد يوسف تحدَّث عن أعماله الفنّية المتنوّعة (الشرق الأوسط)
المخرج المصري خالد يوسف تحدَّث عن أعماله الفنّية المتنوّعة (الشرق الأوسط)
TT

خالد يوسف: أتمنّى تقديم سيرة جمال عبد الناصر فنّياً

المخرج المصري خالد يوسف تحدَّث عن أعماله الفنّية المتنوّعة (الشرق الأوسط)
المخرج المصري خالد يوسف تحدَّث عن أعماله الفنّية المتنوّعة (الشرق الأوسط)

أعرب المخرج المصري خالد يوسف عن أمنيته في تقديم مشروع فنّي عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأكد أنه لن يخوض تجربة الإخراج التلفزيوني مجدّداً إلا إذا كان عملاً يستحق وفي إطار المسلسلات القصيرة، مشدداً، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على أنه بذل مجهوداً في مسلسل «سره الباتع» يوازي إنتاج 6 أفلام.

وعن عضويته في لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة برئاسة الفنان السوري غسان مسعود، في الدورة الثانية لمهرجان «بغداد السينمائي» التي انقضت قبل أيام، قال إنّ «المهرجان شهد توليفة أفلام متنوّعة تحمل في طياتها سحر السينما».

وتطرّق يوسف إلى الأُسس التي يعتمد عليها في تقييم الأعمال الفنّية، فأوضح أنه يبحث عن «أهمية الرؤية الفنّية والإضاءة والزوايا، والالتزام بالمعايير العلمية»، مؤكداً أنّ تقييمه يعتمد على طبيعة الجائزة المطروحة، فمثلاً عند الحكم على أفضل مخرج يركز على رؤية المخرج، وهل نجح في تقديمها بشكل متكامل من خلال إدارة الممثلين، والكاميرا، والزوايا، والإضاءة، وكلّ عناصر العمل.

المخرج المصري خالد يوسف والفنان السوري غسان مسعود (الشرق الأوسط)

وأضاف المخرج المصري: «إذا كان التقييم على التمثيل، فأرى كيفية أداء الممثلين وتقمّصهم للأدوار، وذلك وفق بنية درامية منضبطة خالية من الملل أو الإطالة. ونطبّق الضوابط والمعايير للوصول إلى قرار اللجنة، الذي يعبّر في النهاية عن وجهة نظرها الشخصية، وقد تختلف إذا عُرضت الأعمال عينها على لجنة أخرى».

وعن تجربته في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل «سره الباتع»، قال إن «تجربة العمل على 30 حلقة كانت مرهقة جداً، رغم أنّ العمل نفسه كان يستحقّ العناء»، مؤكداً: «لن أخوض تجربة الإخراج التلفزيوني مجدّداً، إلا إذا كان مشروعاً يستحقّ وفي إطار المسلسلات القصيرة فقط»، لافتاً إلى أنه بذل مجهوداً في مسلسله الدرامي الأول ما يعادل إنتاج 6 أفلام.

وأبدى يوسف رأيه في نصيحة المخرج الراحل يوسف شاهين للفنانين بعدم العمل في التلفزيون، فقال: «هذه النصيحة كانت صحيحة في وقتها، نظراً إلى بدائية الدراما التلفزيونية حينها واعتمادها على الأداء النصّي من دون وجود رؤية»، موضحاً أنّ «المنصات الرقمية نقلت الدراما إلى مستوى أقرب إلى السينما، إذ يمكن مشاهدة حلقات قصيرة كأنها فيلم طويل، وأعتقد أنه إذا كان يوسف شاهين على قيد الحياة لتبدَّل رأيه».

خالد يوسف وحسين فهمي في كواليس تصوير «الإسكندراني» (صفحة يوسف في «فيسبوك»)

وعن انتمائه الناصري المعروف عنه، ورغم ذلك لم يقدّم عملاً فنّياً عن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، أوضح خالد يوسف أنّ «تقديم شخصية ناصر أمنية ومشروع فنّي، ولكن لا يوجد مَن هو على قدره، فالمشروع ضخم يتطلّب حساب كلّ خطوة بعناية، حتى إنّ يوسف شاهين نفسه قال إنه لا يستطيع تقديمه»، مضيفاً أنّ «تقديم أسطورته التي تشبه أسطورة غاندي في عمل فنّي أمر صعب، ويحتاج إلى تحضيرات دقيقة، مع الإشارة إلى أنّ الأعمال التي تناولت شخصيته محل تقدير وإشادة، فهو ظاهرة يمكن تناولها بأكثر من وجهة نظر».

ووصف واقع السينما المصرية والعربية بأنه «يعكس واقع الأمة العربية»، مضيفاً أنّ «المجتمع يعيش حالة متكرّرة من الهزيمة واليأس والعربدة الإسرائيلية التي لا تحترم أي مواثيق دولية، ما ينعكس على المناخ الثقافي والفنّي والعلمي الذي يتطلَّب نهضة متكاملة تحوّل المشهد بشكل كلّي».

وعن مقارنة كيان «السينما المصرية» بدول مثل الهند أو أميركا رغم مشكلاتهم الاقتصادية، أوضح يوسف أن «هذه الكيانات تدعم الفنّ والسينما في هوليوود وبوليوود، ورغم الظروف الاقتصادية، فإنهما لم يتعرَّضا للهزيمة مثل ما نتعرَّض له من يأس وإحباط ونظرة سوداوية للمستقبل».

وتطرق خالد يوسف إلى فيلمه «حين ميسرة»، مؤكداً أنه «الأقرب إلى وجدانه لأنه يعبّر عن قضايا الفقراء، وهو من أكثر الأعمال التي عبَّرت عن هموم المستضعفين على الأرض».

وتوقّف عند مواقفه الشخصية في الفنّ والسياسة: «لن أغيّر قناعاتي ودفعت مقابل ذلك ضرائب باهظة بضمير مطمئن، لأنني دائم التشبُّث بمواقفي من دون موازنات»، مؤكداً أنه لم يدخل أروقة السياسة بمنطق السياسي، «بل بمنطق الفنان الحالم الذي يريد أن يرى العالم مدينة فاضلة، ومن الطبيعي أن أواجه صدامات ومشكلات».

وعن الانتقادات التي تلقاها في بعض أعماله، شدَّد خالد يوسف على أنه لم ولن يغيّر رأيه أو موقفه، حتى لو تعرَّض لانتقادات أو ضغوط، مؤكداً أن الصدق مع الذات أهم من كل حساب آخر.

وكشف عن رؤيته تجاه المَشاهد التي وُصفت بالجريئة في أفلامه السابقة، مؤكداً أنه إذا عاد به الزمن سيواصل تقديمها، مشدداً على أنه لا يراها «قليلة الأدب»، بل قُدّمت باحترام شديد، لافتاً إلى أنّ «المجتمع بات أكثر تحفظاً وحساسية، حتى إنّ القضايا المهمّة التي يطرحها الفيلم أحياناً تُغفل لمصلحة التركيز على المَشاهد الجسدية. وأنا غير مستعدّ للتجاوب مع هذه المبالغات في التحفُّظ، فلكلّ فنان قناعاته التي يلتزم بها مهما كان الوضع».

وتطرق يوسف إلى الجدل الذي شهده الوسط الفني بين الفنانَيْن بيومي فؤاد وأحمد العوضي، وتأكيد كل منهما على أنه بطل فيلم «الإسكندراني»، إذ أكد مخرج الفيلم أنّ «البطل هو (الإسكندراني) نفسه، فالسينما فنّ جماعي تتضافر فيه كلّ العناصر، وما قيل كان معركة مفتعلة وهامشية اقتاتت منها مواقع التواصل».

فيلم «الإسكندراني» من إخراج خالد يوسف (الشركة المُنتجة)

وأشار إلى أنّ المنشورات المثيرة، التي تتعلّق بالشتائم أو الاستهزاء، تلقى رواجاً وتهدُر الطاقة والوقت، وقال إنه تعرَّض شخصياً لبعض التجاوزات غير المُحتملة على وسائل التواصل، وأقام دعاوى قانونية وكسب بعضها، لكنه أكد أنه لا يمكنه متابعة كلّ شيء على الإنترنت وملاحقة كلّ مَن يخطئ.

وعن حلمه الفنّي، «الأندلس»، كشف خالد يوسف عن أنه «طال انتظاره، ولم أتمكن حتى الآن من تأمين الإنتاج الكافي لبدء العمل عليه، فأنا مصمّم على تقديمه بمستوى عالمي يجعله يصل إلى جمهور دولي، مع الحفاظ على اللغة العربية في السيناريو والحوار الذي كتبته بلهجة بيضاء أقرب إلى العامية منهما إلى الفصحى، فتكون مفهومة وواضحة للناس من دون تعقيد».

وعن الانتقادات التي تتعرَّض لها أعماله، ردَّ: «أعمل ما أشعر به، والكلمة التي أطرحها في السوق يجب أن تُحدث جدلاً، ليس الجدل العقيم، بل العلمي الذي يحفّز على التأمُّل والنقاش، وهذا هو هدف الفنّ».

وختاماً كشف خالد يوسف عن أنّ فيلمه المقبل سيكون بعنوان «خطوات الخوف»، موضحاً أنه يناقش الخوف على أنه محرّك أساسي في حياة البشر، وكيف يؤثر في تصرفاتهم اليومية، من خوف الأب على أولاده، وخوف الحكومة من الشعب، وخوف اللص من الشرطة، وصولاً إلى خوف كلّ إنسان من المرض أو الموت.


مقالات ذات صلة

كلارا خوري: الأمومة والإنكار وهواجس المرأة جذبتني لـ«غرق»

يوميات الشرق كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)

كلارا خوري: الأمومة والإنكار وهواجس المرأة جذبتني لـ«غرق»

فيلم «غرق» يسلط الضوء على تحديات الأمومة والصحة النفسية في مجتمع محافظ من خلال قصة امرأة تحاول التوازن بين حياتها وعلاج ابنها المصاب باضطراب نفسي.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

قال المخرج المصري، أبو بكر شوقي، إنه يبحث دوماً عن الأفلام التي تدخله عوالم جديدة، كما في فيلميه السابقين «يوم الدين» و«هجان».

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر (مهرجان البحر الأحمر)

آن ماري جاسر لـ«الشرق الأوسط»: «فلسطين 36» يربط النكبة بالمأساة الجديدة

من العرض العالمي الأول في مهرجان تورنتو للعرض العربي الأول في النسخة الماضية من مهرجان البحر الأحمر، مروراً باختياره في «القائمة المختصرة» لجوائز الأوسكار.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة صابرين تميزت بأدوارها المتنوعة (صفحتها على فيسبوك)

صابرين لـ«الشرق الأوسط»: قرار ابتعادي عن الغناء الأصعب بحياتي

أعربت الفنانة المصرية صابرين عن سعادتها بعرض أحدث أفلامها «بنات الباشا» في الدورة الأحدث لمهرجان «القاهرة السينمائي» الدولي بقسم «آفاق السينما العربية».

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق أحمد رضوان قدَّم دور ابن شقيقة أم كلثوم (الشرق الأوسط)

أحمد رضوان لـ«الشرق الأوسط»: «السِّت» لا يحمل أي إساءة لأم كلثوم

لم يكن سهلاً على ممثل شاب أن يدخل إلى عالم مغلق تحيط به هالة من الرهبة، وأن يتحرك داخله، من دون أن يقع في فخ التقليد أو المبالغة.

أحمد عدلي (القاهرة )

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
TT

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

رغم إعلان محافظة القاهرة نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) إلى مقابر الخالدين التي تضم رفات رموز المجتمع المصري من ساسة ومبدعين وعلماء وأمراء، فإن خبر هدم ضريح أحمد شوقي في مكانه التاريخي قوبل بردود فعل غاضبة، جاء معظمها من مهتمين بتراث المقابر ذات الطرز المعمارية المتميزة، وأضرحة الشخصيات التاريخية، والعارفين بقدر شوقي، ومكانته في تاريخ الشعر المصري والعربي الحديث.

ويؤكد الباحث في التاريخ الدكتور مصطفى الصادق أن «هدم ضريح أمير الشعراء أحمد شوقي، يأتي ضمن لائحة طويلة من قبور المشاهير والعظماء التي تمت إزالتها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غضب كبير، إلا أن عملية الهدم نفسها غير مستغرَبة، ومتوقَّعة، فقد سبقه كثيرون، جرفتهم المعاول، حيث سبق هدم ضريح محمود الفلكي، والسردار راتب باشا، وكثيرون آخرين».

وتحدث الصادق عن «وعود لم يفِ بها أحد»، على حد قوله، مضيفاً: «بعد هدم قبة حليم بن محمد علي باشا، أعلن المسؤولون أن أعمال الهدم سوف تتوقف، لكن ما جرى بعدها فاق الوصف، كانت أعمال الإزالة بعد ذلك خرافية»، ولفت إلى أن الحديث الذي يدور حالياً عن «مقابر فاخرة» لا معنى له في ظل هدم أضرحة لا مثيل لها في الفخامة والإبداع والعمارة.

من جهتها أعلنت محافظة القاهرة قرب افتتاح «مقابر تحيا مصر للخالدين»، التي «أقامتها الدولة خصيصاً لنقل رفات الشخصيات التاريخية، وسيخصص جزء منها لعرض التراكيب المعمارية الفريدة ذات الطراز المعماري المتميز».

جانب من أعمال الهدم في المقابر (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

وقالت المحافظة في بيان: «إن المقابر شرفت بإعادة دفن رفات شوقي، إذ تم وضعه في المكان الذي يليق بمكانته الأدبية والتاريخية». فيما قال الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هدم ضريح شوقي جاء على خلاف ما أعلن عنه المسؤولون، فقد كان الحديث عن عدم المساس به، لكننا فوجئنا بنقل رفاته منذ شهور، ثم هدم المقبرة الذي لم يراع مكانة شوقي؛ فهو أشهر شعراء العربية في العصر الحديث».

وأضاف عبد المجيد أن «الخبر مؤلم جداً، خصوصا أنه يأتي في ظل الحديث عن هدم أضرحة رموز إبداعية مهمة في تاريخ مصر، بدءاً من مدفن محمود سامي البارودي، وصولاً إلى ضريح عميد الأدب العربي طه حسين، الذي يختفي الآن تحت الجسر».

ووفق عبد المجيد: «هناك أضرحة عديدة هدموها وكانت بمثابة متاحف زاخرة بالتحف والتماثيل والرسومات والزخارف الفنية المرصعة بالمعادن، تعرضت للسرقة وبيعت في السوق، وبينها شواهد قبور وتركيبات لمشاهير كان يجب حمايتها ومنع المساس بها».

المحزن في واقعة هدم ضريح شوقي، وفق الباحث في التراث إبراهيم طايع، أن «عمليات الإزالة سبقها بشهور نقل رفاته، وقام مجهولون بسرقة تركيبات عدد من المقابر داخل الضريح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الواضح أن مصير الضريح إلى زوال، لأن كل ما حوله من مدافن جرفتها المعاول».

من جهته وصف الشاعر المصري، أحمد عبد المعطي حجازي، إزالة مقبرة شوقي بأنها بمنزلة «هدم جسم حي وكيان باقٍ وخالد بأيدي فانين وعاجزين عن تقدير القيم». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث لمقبرة شوقي يطول الثقافة المصرية كلها، منذ عقود وحتى الآن، ومَن هدموا مقبرة شوقي هم أنفسهم الذين يهدمون الثقافة المصرية».

دُفن أمير الشعراء في مقبرة تخص عائلة زوجته، وتعود لحسين باشا شاهين، وهناك يوجد رفاته أيضاً، ورفات زوجته ووالده. «أكثر من 5 تركيبات اختفت قبل هدم الضريح، ولم يتبقَّ سوى التركيبة الرخامية الخاصة بشوقي، التي ظلت حتى هدم الضريح»، وفق طايع.


«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)


علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
TT

علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)

يخوض الفنان الجزائري علي ناموس واحدة من أكثر تجاربه السينمائية تعقيداً، حسب وصفه، بدوره في فيلم «رقية» للمخرج يانيس كوسّيم، الذي شقّ طريقه من مهرجان «البندقية السينمائي»، مروراً بـ«البحر الأحمر»، ووصولاً إلى «أيام قرطاج السينمائية».

وخلال الفيلم، لا يواجه البطل رعباً تقليدياً، بل يغوص في طبقات الذاكرة والعنف والخوف من المجهول، مستعيداً مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ الجزائر الحديث.

يقول علي ناموس لـ«الشرق الأوسط» إن شخصية «أحمد» التي يجسدها في الفيلم كانت من أكثر الشخصيات تركيباً التي صادفها، واصفاً النص بأنه «كتبه المخرج بدقة شديدة، مع التأكيد على أن الضمادات التي تغطي وجه الشخصية لم تكن مجرد عنصر بصري، بل أداة نفسية أساسية ساعدته على خلق فاصل واضح بين ما كان عليه أحمد في الماضي، وما يحاول أن يكونه في الحاضر، وما يجهله تماماً عن نفسه».

فالشخصية، كما يوضح، تبدأ في الظهور بالفيلم وهي لا تعرف موقعها ولا زمنها ولا حقيقتها، وتسعى طوال الأحداث إلى أن تصبح «شيئاً آخر»، حتى دون أن تدرك ماهية هذا الشيء.

وعن إحساسه الأول عند قراءة السيناريو، يؤكد ناموس أنه شعر منذ اللحظة الأولى بأن الفيلم يتناول موضوعاً بالغ الأهمية، لكن بلغة فنية مختلفة وجميلة، مضيفاً أن «العمل يقترب من قضايا ثقيلة مثل العنف والتطرف، لا بوصفها ظواهر مباشرة، بل بوصفها شراً كامناً، وروحاً مظلمة قد تسكن الإنسان».

هذا الطرح، رغم سوداويته، كان أكثر ما جذب الممثل الجزائري للفيلم، إلى جانب كونه يعود إلى فترة صعبة في تاريخ الجزائر، هي سنوات العنف التي لم يُفتح النقاش حولها سينمائياً بالشكل الكافي حتى اليوم، مؤكداً أن «رقية» منحه فرصة نادرة للتعبير عن تلك المرحلة بوصفه مواطناً وإنساناً قبل أن يكون ممثلاً.

وقال ناموس إن «مصدر الرعب الحقيقي يكمن في المجهول، فالشخصية تحمل تاريخاً غامضاً لا ينكشف إلا تدريجياً، وهذا الغموض المتراكم هو ما يجعلها مقلقة»، فالخوف هنا، حسب تعبيره، «ليس من شكل أو كيان واضح، بل من عدم الفهم، ومن الإحساس بأن هناك شيئاً مخفياً يتربص دون أن يُسمّى».

عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية عدة (الشركة المنتجة)

وفيما يتعلق بتجسيد الصدمة النفسية دون الوقوع في المبالغة، يؤكد ناموس أنه لم يشعر يوماً بالحاجة إلى الأداء الصاخب، قائلاً: «فدراسة الشخصية بعمق، إلى جانب دقة المخرج يانيس كوسّيم في بناء عالم الفيلم، جعلت كل شيء يسير في اتجاه الاقتصاد في التعبير». لافتاً إلى أن العمل مع مخرج يعرف تماماً ما يريد ويحدد عالمه بدقة يمنح الممثل ثقة كبيرة، ويجعل التفاصيل الصغيرة أكثر صدقاً وتأثيراً.

ويكشف ناموس أن تجربته الشخصية لعبت دوراً غير مباشر في بناء الشخصية، إذ مرّ في حياته بحالة فقدان ذاكرة مؤقتة، ويستعيد تلك اللحظة قائلاً: «أكثر ما كان يؤرقني آنذاك هو السؤال: هل كنت شخصاً جيداً مع الآخرين؟ كنت أبحث عن صورتي في عيون من حولي، عن هويتي من خلال نظراتهم». هذا الإحساس نقل جزءاً كبيراً منه إلى شخصية «أحمد»، كما استحضر ذكريات طفولته خلال سنوات العنف، حين كان يرى الحيرة والخوف وعدم الفهم في عيون الكبار، محاولاً أن يستوعب عالماً مضطرباً لا يملك أدوات تفسيره.

وعن بناء الرعب الداخلي، يوضح ناموس أن الضمادات والظلام لعبا دوراً حاسماً، فأن تكون محاصراً في عتمة لا ترى فيها نفسك ولا المكان من حولك يولد خوفاً دائماً من المجهول. هذا الإحساس، كما يقول، كان المحرك الأساسي لأدائه، خاصة مع وجود ممثلين محترفين في مواقع التصوير، من بينهم عبد الكريم الدراجي، الذين ساهموا في خلق حالة تمثيلية طبيعية ومتوازنة.

وعن تقديم التطرف الديني بملامح شيطانية رمزية، يؤكد ناموس أنه تعمد الابتعاد عن أي أداء قد يُقرأ بشكل مباشر كخطاب ديني، وحاول أن يذهب إلى رد الفعل الجسدي الغريزي، إلى الجسد الذي يرفض شيئاً لا يفهمه، ليجعل التطرف يبدو عضوياً وغير متكلف، نابعاً من الداخل لا مفروضاً من الخارج.

ويتوقف ناموس عند مشاهد العنف والذبح، ويرى أنها تحمل ذاكرة ثقيلة على الجمهور الجزائري، ورغم أنه كان طفلاً خلال تلك الأحداث، فإن هذه الصور «حاضرة في الذاكرة الجمعية، مؤلمة وغير مقبولة، لكنها في الوقت نفسه تستوجب المواجهة والحديث».

صناع الفيلم خلال حضور العرض في «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

ويؤكد أن «الشخصية كانت منقسمة بين ماضٍ مظلم وحاضر ملتبس»، وهو ما دفعه تمثيلياً إلى خلق مستويين مختلفين للأداء، وفق قوله: «فالضمادات صنعت عالمين متوازيين، عالم الظلام حيث الحيرة وعدم الفهم، وعالم النور حيث تتضح المعالم ويصبح الشر أكثر وعياً بذاته».

ويرى ناموس أن «رقية» هو في الوقت نفسه فيلم عن الذاكرة وفيلم رعب، لأن تلك الذاكرة نفسها مرعبة، ولا يمكن فصل النوعين بعضهما عن بعض، فالحديث عن الماضي، مهما كان مؤلماً، ضرورة لا مفر منها.

وعن استقبال الفيلم في «مهرجان البحر الأحمر»، يقول إنه كان متشوقاً لرؤية تفاعل الجمهور العربي بعد جولة عروض أوروبية وكندية، مؤكداً أن ردود الفعل أسعدته كثيراً، ليس لأن الجميع أحب الفيلم بالضرورة، بل لأنه أثار الأسئلة والجدل، وهو ما يراه إحدى أهم وظائف السينما.

وفي ختام حديثه، أكّد الفنان الجزائري أنه يعمل حالياً على مسلسل تلفزيوني يُعرض في رمضان، إلى جانب التحضير لمشروع مسرحي في الجزائر العام المقبل.