«ما زلت ألعب»... فيلم ينقل مأساة فلسطين إلى الألعاب الإلكترونية

المخرج الجزائري محمد مصباح وصف عمله بأنه «رحلة عميقة»

مشهد من الفيلم (مهرجان لوكارنو)
مشهد من الفيلم (مهرجان لوكارنو)
TT

«ما زلت ألعب»... فيلم ينقل مأساة فلسطين إلى الألعاب الإلكترونية

مشهد من الفيلم (مهرجان لوكارنو)
مشهد من الفيلم (مهرجان لوكارنو)

وصف المخرج الجزائري - الفرنسي محمد مصباح تجربة فيلمه القصير «ما زلت ألعب» بأنها رحلة شخصية وفنية عميقة، بدأت منذ اللحظة التي قرر فيها تحويل القضايا الاجتماعية والسياسية إلى سرد بصري ملموس، مشيراً إلى أن فكرة الفيلم بدأت من اهتمامه بعالم الألعاب الإلكترونية، وارتباطه بفكرة نقل الواقع الصعب وتجارب البشر إلى فضاءات افتراضية قادرة على إيصال رسائل قوية دون أن تفقد العنصر الإنساني.

الفيلم القصير عرض للمرة الأولى ضمن فعاليات النسخة الماضية من مهرجان «لوكارنو» السينمائي وحصد جائزة «الفهد الفضي»، وهي الجائزة التي اعتبرها المخرج الشاب الذي يخوض أولى تجاربه الإخراجية بمنزلة «تقدير للجهد الذي بذله في توظيف السينما باعتبارها وسيلة للتعبير عن التجربة الإنسانية تحت ظروف الحرب والاحتلال».

تدور أحداث فيلم «ما زلت ألعب» حول حياة «رشيد»، وهو أب فلسطيني رفض المنفى، مفضلاً تربية أطفاله في وطنهم رغم القصف والحصار. كما تتناول تفاصيل الفيلم أيضاً قصة «رشيد» الذي يعمل مطوّراً لألعاب الفيديو، حيث يحول معاناة شعبه وتجربته الشخصية إلى عوالم افتراضية، تتسرب فيها المأساة إلى صناعة الترفيه.

الفيلم صُور باللغتين العربية والإنجليزية، مع ترجمة فرنسية، مستهدفاً بذلك جمهوراً غربياً قد يجهل حجم المأساة الفلسطينية، ليظهر من خلال قصة شخصية كيف يمكن للفن واللعب أن يصبحا وسيلتين للمقاومة والتواصل الإنساني العميق، وفق المخرج الشاب.

المخرج الجزائري محمد مصباح (الشرق الأوسط)

يقول مصباح لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أريد أن أرى كيف يمكن لشخص يعيش تحت القصف والحصار أن يجد مساحة للتعبير واللعب في الوقت نفسه، وكيف يمكن لهذه التجربة أن تتحول إلى مادة سينمائية غنية بالمعاني»، لافتاً إلى أن «العمل سعى لإيصال فكرة أن اللعب، ورغم كونه متعة للأطفال، يمكن أن يصبح أداة مقاومة سياسية وفنية في آن واحد».

كما أكد أن المشهد الذي يجسد فلسفة الفيلم بالكامل يظهر على شرفة المنزل، حيث ينظر «رشيد» إلى الأفق بينما يعمل طفله على الروبوت في الخلفية، موضحاً أن هذا المشهد يعكس التناقض بين اللعب والواقع، ويكشف عن صعوبة ممارسة الأبوة في سياق الحرب، فالروبوت ليس مجرد لعبة، بل وسيلة للتواصل مع أطفاله وتقديم درس عن الحياة وسط صعوبات الاحتلال والمجازر المستمرة.

وحول التوازن بين الطابع السياسي والجمالي في الفيلم، قال مصباح: «عند صناعة الفيلم، خصوصاً أثناء التصوير، لا يمكنك التفكير كثيراً، بل يجب أن تعتمد على حدسك وانتباهك لكل التفاصيل الصغيرة. اللحظة المناسبة والمكان المناسب، والانتباه للعناصر الصحيحة، يمكن أن تكشف عن معانٍ عميقة حتى في أبسط الكلمات أو المشاهد».

وأوضح مصباح أن «دراسته للعلوم السياسية في باريس ساعدته على تطوير حساسيات مختلفة في قراءة العالم وسرد القصص»، مؤكداً أن «هذه الخلفية السياسية جعلته أكثر قدرة على التعمق في القضايا الاجتماعية والسياسية دون أن تتحول السينما إلى مجرد بيان سياسي». إضافة إلى ذلك يرى أن «السياسة جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومن الصعب تجنبها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالصراعات والهويات، لذا كان من الطبيعي أن ينطوي الفيلم على أبعاد سياسية وإنسانية في آن معاً».

لقطة من الفيلم (مهرجان لوكارنو)

وتابع: «خبرتي في دراسة العلوم السياسية لم تكن لتشكل وصفة جاهزة لصنع الفيلم، لكنها ساعدت على توسيع رؤيتي للعالم وفهم الصراعات الاجتماعية والسياسية التي تشكل الواقع المحيط، مما أثر بشكل مباشر على حسه الإبداعي وقدرته على خلق مشاهد غنية بالدلالة والرمزية».

وأوضح مصباح أن «الدراسة المكثفة لتاريخ السينما وفلسفة السياسة كانت أدوات تساعده على فهم عمق القضايا الإنسانية، لكنها لم تحدد شكل الفيلم مسبقاً، بل سمحت له بالاعتماد على حدسه وحدود قدرته الإبداعية في اللحظة، مع التركيز على التفاصيل التي تعكس المأساة الإنسانية والواقعية اليومية». وأضاف: «عندما تصنع فيلماً لا يمكنك الاعتماد فقط على الثقافة السينمائية، بل يجب أن تكون متفاعلاً مع اللحظة، وأن تستمع وتلاحظ وتختار ما سيترك أثراً حقيقياً في المشاهد».

يقدم الفيلم جانباً من معاناة الفلسطينيين (مهرجان لوكارنو)

وشرح محمد مصباح أن «التحدي الأكبر الذي واجهه بصفته مخرجاً لأول مرة لم يكن التمويل أو الكتابة، بل الثقة بنفسه كونه صوتاً سينمائياً جديداً»، معلقاً: «الفيلم كان يسير بسلاسة في التمويل والكتابة، لكن الحرب التي اندلعت في منتصف الإنتاج شكلت تحدياً كبيراً، وجعلت عملية التصوير أكثر صعوبة وتعقيداً، خصوصاً أن الفيلم يتناول حياة أشخاص يعيشون تحت القصف والمجازر اليومية».

وأشار إلى أن العمل الوثائقي يختلف عن كتابة مقالة سياسية، حيث إن الفيلم يركز على معاناة فردية وحياة شخصية، ليعكس من خلالها مصيراً جماعياً لشعب بأكمله، لافتاً إلى أن بطل فيلمه رشيد يمتلك شخصية فريدة وطريقة خاصة في التعبير عن نفسه، وهذا ما يجعل الفيلم أكثر إنسانية وأقرب إلى المشاهدين، بدلاً من أن يكون مجرد تحليل سياسي جاف.

وأكد مصباح حرصه خلال كتابة الفيلم على «التركيز على استخراج أقصى تأثير عاطفي من أداء الشخصيات، سواء في المشاهد الوثائقية أو التمثيلية»، موضحاً أن العلاقة مع الشخصية هي الأساس لإظهار الإنسانية الحقيقية، وأن المشاهد العاطفية يجب أن تكون المحرك الرئيسي للفيلم. ومضى إلى القول إن «اهتمامه كان منصباً على الأداء الشخصي لـ(رشيد)، وكيفية جعل الجمهور يتعاطف معه ويشعر بما يعيشه، مؤكداً أن النجاح يكمن في قدرة المشاهد على فهم التجربة الإنسانية من خلال التفاصيل الصغيرة والتصرفات اليومية».

مشهد من الفيلم (مهرجان لوكارنو)

وأشار إلى أن تجربته في صناعة فيلم «ما زلت ألعب» كانت أيضاً محاولة لإيجاد لغة سينمائية تعبر عن الهوية الفلسطينية وتجارب الأبوة تحت ظروف الحرب، حيث كل مشهد يحمل رمزية مزدوجة تجمع بين المعنى الشخصي والسياسي، لافتاً إلى أن الهدف من الفيلم يكمن في الوصول إلى جمهور عالمي يمكنه فهم معاناة الفلسطينيين من خلال قصة إنسانية، وأن يكتشف كيف يمكن للفن والألعاب الرقمية أن يصبحا وسيلتين للمقاومة، و«المقاومة الإبداعية» في آن واحد.

واعتبر المخرج الجزائري أن السينما، رغم أنها قد لا تغير العالم بمفردها، فإنها تمتلك القدرة على تشكيل خيال الناس، وإيصال التجارب الإنسانية بطريقة تجعل المشاهدين يشعرون ويستوعبون ما يحدث بعيداً عن الإحصاءات والسياسات، وفي ختام حديثه قال: «الفن قادر على بناء تعاطف، والفيلم الذي يصنعه الشخص يعكس تجربة فريدة يمكنها أن تساهم في وعي أوسع ومعرفة أعمق بالقضايا الإنسانية».


مقالات ذات صلة

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».