أعادت واقعة تمثال محمد علي باشا في شبرا الخيمة بالقليوبية (شمال القاهرة) الجدل حول تشويه تماثيل الميادين العامة في مصر، بعد نقل التمثال من مكانه وتغيير قاعدته المناسبة لكتلته في الحجم والارتفاع، ووضعه على قاعدة أسطوانية مرتفعة، ما عدّه الفنان صاحب التمثال، الدكتور شمس القرنفيلي، أستاذ النحت الميداني والعميد السابق لكلية الفنون التطبيقية في جامعة بنها (دلتا مصر)، عدم مراعاة للنسبة والتناسب بين حجم التمثال والقاعدة، معترضاً على تحريك التمثال وتغيير قاعدته، ونشر صوراً للتمثال في مراحل متعددة وكتب: «للأسف محمد علي باشا أصبح بهذا الشكل في مخرج شبرا الخيمة بعدما كان بهذا الشكل في مدخل شبرا الخيمة، وطبعاً لا أعرف بفضل من في حي شمال شبرا أو أيٍّ من مهندسي التنسيق والتجميل بمحافظة القليوبية؟» وفق منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، إلا أنه أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجري حالياً وضع حل مناسب للموقف»، وأشار إلى «وجود قرار لرئيس الوزراء تم تعميمه على المحافظين وجهاز التنسيق الحضاري بعدم التعدي على أي فراغات عامة داخلية أو خارجية إلا بعد الرجوع والتنسيق مع جهاز التنسيق الحضاري».
وتضامن مع الفنان عدد كبير من الفنانين المصريين وكتبوا على صفحاتهم «السوشيالية»، ما يفيد باستمرار سلسلة تشويه تماثيل الميادين، دون وضع رأي الفنانين أو الجهات المعنية بتنسيق الفراغ العام في الاعتبار.

وظهرت مطالبات بأن تخضع تماثيل الميادين والنحت في الميادين لسلطات رقابية من جهاز التنسيق الحضاري في وزارة الثقافة المصرية ونقابة الفنانين التشكيليين.
وأصدرت نقابة الفنانين التشكيليين بياناً أعربت خلاله عن رفضها القاطع وإدانتها الشديدة لما سمته «الممارسات غير المسؤولة التي تقوم بها المحليات وبعض الجهات التي لا نعلم عنها شيئاً»، ورأت النقابة أن «ما حدث مع تمثال محمد علي للفنان شمس القرنفيلي أستاذ النحت الميداني والعميد السابق لكلية الفنون التطبيقية في جامعة بنها تصرف غير مسؤول، فالقاعدة جزء أصيل من العمل الفني وعدم إدراك ذلك يعدّ تعدياً صارخاً على حقوق الملكية الفكرية للفنان وتشويهاً متعمداً للذائقة البصرية والذوق العام»، مؤكدة أن «أي تغيير أو نقل تمثال ميداني من موقع لآخر يجب أن يتم وفق المعايير الفنية والمهنية التي تحفظ القيمة الجمالية للعمل، وبعد التشاور مع الفنانين أصحاب الأعمال والنقابة المختصة لضمان خروج الأعمال بشكل لائق».
وقال نقيب الفنانين التشكيليين، طارق الكومي، لـ«الشرق الأوسط»: «حين حدث تصرف من جهات غير متخصصة في التعامل مع الأعمال الميدانية التي تجمل الميادين، وهناك بعض الأعمال التي كانت توضع بارتجال من غير متخصصين، أصدر رئيس الوزراء قراراً للمحافظين بأن أي أعمال فنية في الميادين تؤول لكليات الفنون الجميلة أو التنسيق الحضاري أو نقابة الفنانين التشكيليين المتخصصين، وهي مسألة بسيطة للغاية، المفروض أن المحافظين والجهات المعنية على علم بهذا الأمر، ولكننا نتفاجأ دائماً بأمور تُنفَّذ ليس لها البعد الجمالي والحضاري الملائم».
وأضاف الكومي: «من المفروض أن يتم التنسيق مع الجهات المذكورة التي تضم متخصصين لضمان وضع الأعمال الفنية أو تجميل الميادين بطريقة تلائم العمارة والبيئة المحيطة، فهذا أمر مهم يساهم في الوجه الحضاري والصورة الحضارية للبلد، وهذا يتضح للزائر أو السائح ويعطي انطباعاً مريحاً بصرياً لزائري مصر من كل أنحاء العالم».
وأوضح أنه تم التواصل بالفعل بين المسؤولين والتنسيق الحضاري، وسيُعاد إقامة التمثال الخاص بمحمد علي باشا للدكتور شمس القرنفيلي في مكان مناسب بقاعدة مناسبة لحجم التمثال ولتسهيل رؤيته، لافتاً إلى أن «سبب نقل التمثال كان للمنفعة العامة حسب ما وصلني من المسؤولين، وسيُنقل في مكان مناسب وبالقاعدة المناسبة، لكن أتمنى مستقبلاً التنسيق مع النقابة ومع أصحاب الأعمال».
وجدد الكومي المطالبة بأن تكون النقابة مرجعاً لأي أعمال ميدانية بالتنسيق مع التنسيق الحضاري والجهات المعنية ليقوم متطوعون من النقابة بالأعمال المطلوبة لتجميل الميادين أو الشوارع في كل محافظات مصر. ووفق نقيب التشكيليين، فالنقابة بها 5 شعب متنوعة، بها متخصصون في كل مجالات الفنون يجب أن يقوموا بدورهم الذي يمليه عليهم ضميرهم المهني.
وكتب الدكتور محمد الصبان، أستاذ الفنون في جامعة القاهرة ووكيل نقابة التشكيليين يقول: «في مدخل شبرا الخيمة أبدع الفنان شمس القرنفلي عميد كلية الفنون التطبيقية في بنها، تمثالاً لمحمد علي باشا ونصب له قاعدة تتناسب وحجم التمثال ذات تصميم جيد وتناسق واضح يظهر قوة التمثال»، مضيفاً على صفحته في «فيسبوك»: «ونفاجأ بعد فترة زمنية بسيطة بتغيير القاعدة لتتحول قاعدة التمثال لتشبه ماسورة صرف صحي ويبدو أن موظفي الحي تتردد في أذهانهم كلمة أعلى مبنى وأعلى جسر وأعلى سارٍ، فالناس اجتهدت ليكون التمثال أعلى تمثال في منطقتهم».
وقال الصبان لـ«الشرق الأوسط»: «إن التشويه البصري الذي يحدث في الميادين لا يقتصر على التماثيل والأعمال الفنية، بل يشمل النسق الحضاري والواجهة الجمالية للبلد بشكل عام، مع احترامنا للمحليات وموظفيها، لكن لدي اقتراح يتمثل في الاستعانة بالفنانين القاطنين في كل حي ومنطقة يُراد تجميلها، وأن يتطوع الفنان بالتنسيق مع الجهة المسؤولة، لاستشارته في مثل هذه الأعمال».
وسبق أن أثار «تمثال حورس» في ميدان البارود بمدينة قفط في محافظة قنا (جنوب مصر) أزمة قبل عامين، وكان نموذجاً وصفه متخصصون بـ«المشوه»، وكذلك تماثيل في محافظات الإسماعيلية وأسيوط، كما تعرّضت بعض التماثيل المنصوبة في الميادين لانتقادات وأثارت جدلاً، مثل تمثال محمد عبد الوهاب في ميدان باب الشعرية، وتمثال أم كلثوم في الزمالك، اللذين تم طلاؤهما. وكان أحدث الأعمال المثيرة للجدل تمثالاً يعكس روح الفن المصري القديم على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي المؤدي إلى المتحف الكبير، بالإضافة إلى ضجة سابقة بسبب تجميل سور حديقة الأسماك في حي الزمالك وطلاء واجهتها بألوان وصفها فنانون بأنها «نوع من العبث».



