بعد أيام من إعلان وزارة الداخلية المصرية عن هُوية سارقة السوار الذهبي الأثري من المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة)، تعرّض وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي لانتقادات سوشيالية بسبب تعليقه الرسمي على الواقعة التي وصفها خبراء الآثار بأنها «غير مسبوقة»، إذ تم صهر السوار النادر وبيعه.
ووصف وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، السبت، الحادثة بأنها «تصرف دنيء يفتقر إلى أي انتماء للمكان أو للوطن»، وأشار خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «الحكاية» الذي تذيعه قناة «mbc» مصر إلى أن «تراخي بعض الإجراءات الأمنية داخل المتحف أتاح الفرصة لوقوع الجريمة» حسب تعبيره، كما عبّر في الوقت ذاته عن «أسفه لتسريب تفاصيل القضية قبل استكمال التحقيقات»، وشدّد الوزير على أنه لن يتخذ «قرارات صارمة» قبل انتهاء التحقيقات.

وأكّد فتحي أن «كاميرات المراقبة في المتحف تقتصر على مداخل ومخارج المبنى فقط، من دون أن تغطية لصالات الترميم، مما سهّل عملية السرقة»، لافتاً إلى أن الدولة ستتخذ «خطوات لتعزيز المنظومة الأمنية في المتاحف والمواقع الأثرية كافة، مع محاسبة أي مسؤول يثبت تقصيره، وأن حماية التراث المصري تمثل حماية لهوية الأمة وذاكرتها التاريخية».
وتعرّض الوزير لانتقادات عبر موقع «فيسبوك» عقب ظهوره في المداخلة التلفزيونية، وانتقده موظفون في قطاع الآثار بداعي «عدم معرفته بحقيقة رواتبهم المتدنية التي لا تكفي احتياجاتهم الأساسية، وتراعي متطلبات التفتيش على مواقع عملهم»، كما انتقده آخرون عبر حساب برنامج «الحكاية» على «فيسبوك» لـ«عدم توحيد الرواتب بين قطاعي السياحة والآثار».
كما اعترض متابعون وآثاريون على تعليق فتحي بخصوص واقعة سرقة سوار متحف التحرير وغياب كاميرات المراقبة، بجانب التأخر في الإعلان عن الواقعة للرأي العام المصري. وطالبوا بمنح المتحدثين باسم الوزارات الفرصة للتحدث لوسائل الإعلام المختلفة لعدم إجادة بعض الوزراء التحدث للإعلام.

وعدّ الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام السابق لوزارة الآثار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «ثمة فجوة زمنية بين حدوث الواقعة وتداول صورة خاطئة للسُوار المسروق بشكل واسع، وهو في الأصل سوار مختلف عن الذي تم صهره، وما أعقبها من بيان وزارة الداخلية الذي كشف تفاصيل القضية، ثم خروج أول تصريح رسمي من وزارة السياحة والآثار».
ويرى عبد المقصود أن «هذا التباعد في المواقف الرسمية ترك مساحة للشائعات والالتباس، في وقت كان ينتظر فيه حسم كثير من اللغط عبر بيان سريع أو تصريح واضح يضع الأمور في نصابها».
ويضيف عبد المقصود: «لا يوجد أي تعارض بين استمرار التحقيقات الجنائية وبين التعليق على الواقعة، مع التنويه بأن التحقيقات لا تزال مستمرة، إذ إن هناك قضايا إجرائية بحتة لا علاقة لها بسير التحقيقات كان من الضروري حسمها منذ اللحظة الأولى، فالمتحف المصري بالتحرير ليس مجرد مبنى أثري، بل هو أبو المتاحف في العالم وأقدمها على الإطلاق، ويمثل رمزاً لمكانة مصر الحضارية أمام العالم، ومن غير المقبول أن يغيب عن غرف الترميم والمخازن نظام مراقبة بالكاميرات، لأن هذه الأماكن هي قلب المتحف الحقيقي، وفيها تُصان المقتنيات ويتم العمل على ترميمها».

ويتابع عبد المقصود موضحاً: «غياب الكاميرات في غرف الترميم من الأمور التي يُنتظر أن تُعالج بشكل سريع وفوري، لأنها لا ترتبط بسير التحقيقات ولا تخضع لاعتبارات قانونية، بل هي إجراءات وقائية بديهية لحماية التراث، وتجاهل مثل هذه الثغرات هو الذي يفتح الباب أمام تكرار الكوارث».
وكانت السلطات المصرية قد أعلنت، الخميس، القبض على مرتكبة الواقعة، وهي إخصائية ترميم بالمتحف، وأوضحت وزارة الداخلية، في بيان، أن المتهمة استولت على السوار أثناء فترة عملها، وأن السوار تم بيعه لعامل في مسبك ذهب مقابل 194 ألف جنيه (الدولار يعادل نحو 48 جنيهاً)، قبل أن يقوم الأخير بصهره ضمن مصوغات أخرى لإعادة التشكيل.
وتعد الدكتورة هبة نشأت، أستاذة الآثار بجامعة حلوان، أن «موقف الوزارة يُعيد إلى الأذهان واقعة صاحب الفيديو الدعائي للمتحف المصري الكبير، الذي أُوقف بعد بلاغ قدّمه وزير السياحة والآثار ضده، وكان التعامل مع الواقعة محل انتقاد واسع، خصوصاً أن الموقف جاء متشدداً ومتأخراً في الوقت نفسه، وهو ما يعكس أن تأخر رد الوزارة الرسمي في التعقيب على حادث سرقة السوار الذهبي لا يتعلق بمجرد واقعة، بقدر ما يتعلق بنمط مُتكرر من الوزارة في إدارة الأزمات والتواصل مع الرأي العام».




