حلب تُغنّي في بيروت... «شيوخ الطرب» يُحيون تراث القدود في «المونو»

ليلة أكّدت أنّ الطرب لغة تتجاوز الخراب والحدود

شيوخ الطرب على «مسرح المونو»... أصواتٌ تحيي ذاكرة حلب (الشرق الأوسط)
شيوخ الطرب على «مسرح المونو»... أصواتٌ تحيي ذاكرة حلب (الشرق الأوسط)
TT

حلب تُغنّي في بيروت... «شيوخ الطرب» يُحيون تراث القدود في «المونو»

شيوخ الطرب على «مسرح المونو»... أصواتٌ تحيي ذاكرة حلب (الشرق الأوسط)
شيوخ الطرب على «مسرح المونو»... أصواتٌ تحيي ذاكرة حلب (الشرق الأوسط)

تحوّل «مسرح المونو» في بيروت إلى ملتقى يعبق بأصداء القدود الحلبية وألوان الطرب الأصيل. ثلاثة أصوات شكَّلت فرقة «شيوخ الطرب»، حملت السامعين إلى فضاء آخر. لم تكتفِ بإطراب الأذن، فأرادت أن تمسّ الروح وترفعها إلى مرتبة من الصفاء لا تتيحها الأغنيات السريعة والاستهلاك اليومي للموسيقى. كانت ليلة القدود استثنائية، تعلن أنّ لهذا الفنّ قدرة على إقامة مَعبر بين الذاكرة واللحظة، بين الشام وبيروت، وبين مدينة جُرحت بالحروب وأخرى اعتادت أن تستقبل الفنون وتمنحها مناخ الحياة.

ما إن أطلّ المُغنّون بعباءاتهم، حتى بدا واضحاً أنهم هنا ليبعثوا ذاكرة حلب بكلّ ما تُمثّله. هيّأت الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو عبود غفرجي الجمهور لاستقبال «شيوخ الطرب»، فغنّوا ما رسَّخه صباح فخري وأجيال من الحلبيّة الذين صانوا هذا الفنّ عبر عقود. الأغنيات مألوفة، يُردّدها الناس في أمسيات السهر والمناسبات، وإنما وَقْعها على المسرح مختلف. غناءٌ يبقى مُتّقداً لا ينال منه التكرار.

الحضور ينهض من المقاعد مع تصاعد إيقاعات الطرب (الشرق الأوسط)

بدت حلب في الأمسية معنى يتجاوز حدود المكان، حاملةً رمزية الطرب العربي. فهذه المدينة التي عُرفت بلقب «مدينة الطرب»، لاحتضانها الموشَّحات الأندلسية وصياغتها في ثوب مشرقي متجدّد؛ منها وُلدت القدود؛ تلك الألحان الروحية أو الدنيوية المُعاد سَكْبها في مقامات مألوفة لتجمع بين السمو الروحاني واليومي العابر، وبين الغزل الأرضي والوجد الصوفي. ومن الجوامع والزوايا حيث حلقات الذِّكر، إلى المقاهي التي كانت منصات دائمة للمُنشدين والعازفين، خرج تراثٌ يُعاند الخراب والنسيان، وينجو من الحروب ليبقى إعلان حياة في وجه الموت.

لهذا، كان بدهياً أن تتداخل الأغنيات في الأمسية مع صورة المدينة. وحين غنّت الفرقة «قدّك الميّاس»، أحسَّ الحضور أنهم يتجوّلون في سوق العتيق، بين بيوت حجرية مقوَّسة وحارات مشبَّعة بالذاكرة مثل التي شاهدناها في المسلسلات. ثم حملت «يا مال الشام» حنين الشام البعيد وأودعته بيروت التي لطالما كانت مدينة يتردّد الغناء على اسمها وموطناً للفنون الشرقية والغربية. ولم يفُت «شيوخ الطرب» أن يحيّوها بصوتهم، مُدركين أنها الحاضنة الصامدة رغم الانكسارات، والتي لا تزال تستقبل الطرب كما لو أنها تُجدّد ذاتها مع كلّ لحن يتردّد فيها.

شادي الأصيل يُغنّي مثل مَن يهب قلبه للجمهور (الشرق الأوسط)

لفت عازف العود والمغنّي شادي الأصيل الحضور بقدرته على أن يضع قلبه كلّه في غنائه. غنَّى من دون تأثّر بِما إذا كان المسرح ممتلئاً، أو الجمهور يتألّف من فرد واحد. لا يهمّ العدد، ما دام القلب سخيَّ العطاء. وإلى جانبه، عمران روبي وشادي الصغير، قدَّما أداء مُفعماً بالشغف. كأنّ هذه الثلاثية أرادت إهداء الناس لحظة انتشاء جماعي تجعل الغناء العربي يتجاوز حدود اللحظة ويبدو أوسع منها.

جمَّلت الأمسية سلسلةٌ من المحطات الطربية. بدت «لمّا بدا يتثنّى» بجذورها الأندلسية قطعة كلاسيكية تستعيد الأصول الأولى لفنّ الموشّح. ثم «خمرة الحبّ» التي جمعت بين الروحاني والغزلي، لتؤكد قدرة القدود على المزج بين العشق الأرضي والإلهي. وبعدها «فوق النخل»، التي وإنْ كانت عراقية الأصل، فقد اندمجت في تقاليد الغناء الحلبي حتى غدت جزءاً من هوية الطرب. أما «قمارة يا قمارة» و«ألف ليلة وليلة»، فبهما اكتملت السهرة بمزيج من الرصانة والطرب الاحتفالي.

شيئاً فشيئاً، لم يعُد الجمهور جالساً في مقاعده. ارتفعت الأيدي، وبدأ كثيرون يتمايلون أو ينهضون للرقص، كأنّ الأمسية تحوَّلت إلى عرس طربي. كان واضحاً أنّ الحضور الحلبي في المسرح وجد نفسه في بيته، وأنّ البيروتيين الذين شاركوا شعروا بأنهم يعيشون جزءاً من ذاكرة شامية أصيلة.

ذلك جعل ما قدّمته «شيوخ الطرب» إعلاناً أنّ الطرب لا يزال قادراً على إعادة تعريف السمع والذائقة. لقد حملت الفرقة معها رمزية حلب وربطتها برمزية بيروت، وبين القدود والموشّحات والوصلة الطربية، ذكَّر الغناء بأنّ الحياة ستظلّ ممكنة ما دام الفنّ قادراً على التحليق بنا نحو فضاءات أرحب من واقعنا.


مقالات ذات صلة

بلاكبي: الراب مساحة للتعبير... واعتزالٌ بعد الألبوم العاشر

يوميات الشرق السعودي بلاكبي من بين أبرز رواد موسيقى الراب في الخليج (الشرق الأوسط)

بلاكبي: الراب مساحة للتعبير... واعتزالٌ بعد الألبوم العاشر

مع ظهور المنصات الرقمية، خصوصاً «يوتيوب»، انتقل الراب السعودي إلى فضاء أوسع.

فاطمة القحطاني (الرياض)
يوميات الشرق غضب في مصر لإقامة حفل لأم كلثوم في إسرائيل (أسرة أم كلثوم)

غضب مصري تجاه فرقة إسرائيلية تقدم حفلات لأم كلثوم

تصاعدت حالة من الغضب في مصر عقب إعلان فرقة موسيقية إسرائيلية تُدعى «فرقة النور» تقديم حفلات موسيقية في إسرائيل تتضمن أداء أغنيات لأم كلثوم.

محمود إبراهيم (القاهرة)
يوميات الشرق الرباعي الإيطالي «كريمونا» يُشارك في إحياء أمسية 2 ديسمبر (الجهة المنظّمة)

«بيروت ترنّم»... صوت الحياة يعلو فوق كل شيء

في النسخة الـ18 من «بيروت ترنّم»، تتغنَّى شوارع العاصمة اللبنانية وأحياؤها بفنون موسيقية مختلفة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مَن يُغنّي فعلاً... الإنسان أم التقنية؟ (إكس)

أغنية من «آلة ذكية» و«فنان بلا وجه» تتربَّع على عرش الكانتري في أميركا

تصدّر مغنٍ يُشتبه في كونه فناناً افتراضياً بصوت مُولَّد بالذكاء الاصطناعي قائمةَ أكثر الأغنيات شعبية في الولايات المتحدة، في سابقة من نوعها في البلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق ملصق ترويجي يحمل اسم إذاعة «القرآن الكريم» (حساب الإذاعة على موقع فيسبوك)

بث أغنية لأم كلثوم في إذاعة «القرآن الكريم» يثير ضجة بمصر

أثار بث إحدى أغنيات «كوكب الشرق» أم كلثوم بشكل مفاجئ على أثير إذاعة «القرآن الكريم»، ضجة وجدلاً «سوشيالياً» واسعاً في مصر، الاثنين.

داليا ماهر (القاهرة )

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
TT

حرفيو سوريا ينفضون آثار سنوات الحرب في ملتقى دولي بالرياض

عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)
عثمان شبعانية يؤكد أنه ورغم تغيّر الزمن حافظت الحرف اليدوية السورية على حضورها (هيئة التراث)

من القطع الزجاجية الملوّنة إلى المنمنمات الخشبية الدقيقة والزخارف المستمدة من مدارس دمشق وحلب وحمص، يشارك حرفيون سوريون في ملتقى دولي بالرياض يحتفي للعام الثالث بالحرف اليدوية والصناعات الإبداعية التي حافظت على تراث الشعوب والمجتمعات رغم التحديات.

وفي الجناح السوري، يعكف الخطّاط محمد ماهر حاضري على إنجاز عدد من المخطوطات، ويستقبل زوّار الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان 3)، متباهياً بمنجزه الذي أمضى 12 عاماً في تنفيذه عبر حياكة ونقش آيات المصحف الشريف على القماش.

حرفيون سوريون يشاركون في ملتقى دولي بالرياض (هيئة التراث)

بدأ مشروع الخطّاط السوري عام 1998، وبذل فيه جهده ووقته وخبرته، ما ساعده في إنجاز هذه القطعة الفنية التي انتهى منها عام 2010، وقد وجد في معرض «بنان» الدولي بالرياض فرصةً لعرض عمله والتعريف ببقية أعماله.

وسجّلت سوريا حضوراً لافتاً في «بنان 2025» من خلال عرض حرفها اليدوية وفنونها التقليدية ومنتجاتها الإبداعية. وتكشف الأعمال المعروضة في الجناح مهارات صناعة الحرف السورية التي بقيت حيّة في ذاكرة الحرفيين.

وخلال جولة «الشرق الأوسط»، تحدّث عدد من الحرفيين السوريين عن الفرصة التي يوفرها الأسبوع السعودي لدعم تعافي قطاع الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية السورية، بعد محاولات استمرت طوال العقد الماضي للصمود في وجه تحديات الأزمة والحرب وتراجع الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد.

الخطاط السوري محمد ماهر حاضري يعكف على إنجاز مخطوطات عدّة (هيئة التراث)

يقول الحرفي السوري عثمان شبعانية إن الحرف اليدوية السورية حافظت على حضورها رغم تغيّر الزمن، مشيراً إلى أن جزءاً من هذا الصمود يعود لقدرة المبدعين السوريين على تطوير أعمالهم دون الانفصال عن جذورها.

ويضيف شبعانية أنه أدخل زخارف جديدة وطوّر أشكالاً تواكب الذوق المعاصر، لكنه حافظ على «الروح الدمشقية» التي تُعرَف من النظرة الأولى، وعلى الأسلوب اليدوي الذي يمنح القطعة قيمتها الإنسانية قبل الفنية.

ويشارك شبعانية بجناحه الخاص في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية، حيث يعرض قطعاً نحاسية دقيقة وجميلة تحتفظ في تفاصيلها بذاكرة دمشق الممتدة عبر أجيال من الحرفيين.

ويمارس عثمان حرفته، كما ورثها عن والده وأجداده، ويعمل اليوم في مشغله برفقة إخوته وابنه البكر، في مشهد يعكس جوهر الحرفة الدمشقية الأصيلة القائمة على العائلة والتراث والعمل اليدوي الخالص.

فكل قطعة تُشكَّل يدوياً بالكامل، بدءاً من اختيار النحاس الخام وتسخينه وصولاً إلى الطرق والصقل والنقش، قبل أن تتحول إلى صينية أو مبخرة أو قدر يحمل ملامح دمشق وأصالتها.

يعرض الجناح السوري القطع الزجاجية والمنمنمات الخشبية والزخارف المستمدة من مدارس مدنه (هيئة التراث)

وتتواصل فعاليات «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية - بنان» في نسخته الثالثة، الذي تنظمه هيئة التراث في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بمدينة الرياض.

ويشهد الأسبوع إقبالاً لافتاً من الزوّار والعائلات ومحبي التراث والحرف التقليدية من داخل السعودية وخارجها، إذ حرصوا على التجوّل بين أكثر من 400 جناح لحرفيين من أكثر من 40 دولة.

وقد أتاح المعرض للزوّار فرصة استكشاف تنوع الحرف اليدوية وتاريخها الممتد في الثقافات الإنسانية، والتعرّف عن قرب على الموروث الثقافي الغني الذي تمثله هذه الفنون التقليدية، من أعمال النسيج والخزف والمشغولات الخشبية والمعدنية إلى الفنون الدقيقة التي تجسد الإبداع الإنساني بأبهى صوره.

يدعم الأسبوع السعودي تعافي قطاع الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية السورية (هيئة التراث)

يأتي تنظيم «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية» هذا العام بالتزامن مع «عام الحرف اليدوية 2025»، في إطار جهود وطنية متكاملة تهدف إلى دعم الحرفيين والحرفيات وتمكينهم اقتصادياً وثقافياً، والحفاظ على الموروث الثقافي غير المادي للسعودية، إضافة إلى تعزيز مكانة الحرف اليدوية في المشهد الإبداعي العالمي وترسيخها بوصفها عنصراً رئيسياً من عناصر الهوية الثقافية ورافداً مهماً من روافد التنمية المستدامة.


تقنية مبتكرة لتشخيص وعلاج سرطان الرئة

يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
TT

تقنية مبتكرة لتشخيص وعلاج سرطان الرئة

يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)
يعتمد تشخيص سرطان الرئة عادة على الأشعة المقطعية لتحديد مرحلة تقدّمه (جامعة أبردين)

أعلن باحثون في جامعة أوساكا اليابانية عن تطوير تقنية مبتكرة تتيح الوصول إلى أورام الرئة الصغيرة الموجودة في أعماق الرئتين، والتي كان من المستحيل الوصول إليها باستخدام المناظير التقليدية.

وأوضح الباحثون أن التقنية الجديدة تحسّن دقة التشخيص المبكر، مما يزيد فرص التدخل العلاجي الناجح لسرطان الرئة، ونُشرت النتائج، الاثنين، بدورية «Thorax».

ويُعدّ سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطان شيوعاً وخطورة عالمياً؛ إذ يتميز بنمو غير طبيعي للخلايا داخل أنسجة الرئة، مما يؤدي لتدهور وظيفتها وانتشار المرض إلى أجزاء أخرى من الجسم إذا لم يُكتشف مبكراً. وغالباً لا تظهر الأعراض في المراحل الأولى، مما يجعل التشخيص المبكر تحدياً كبيراً للأطباء.

ويعتمد تشخيص المرض عادة على الأشعة المقطعية، والفحوصات التنظيرية، وأخذ عينات من الأنسجة (خزعات) لتحديد نوع السرطان ومرحلة تقدّمه. ورغم أن الأشعة المقطعية حسّنت من اكتشاف الأورام الصغيرة، فإن الحصول على عينات دقيقة ظل صعباً بسبب ضيق الشعب الهوائية في مناطق الرئة الطرفية.

وحسب الدراسة، تُعرف التقنية المبتكرة باسم إدخال المنظار بمساعدة البالون (BDBD)، وقد طوّرها الباحثون لتسهيل الوصول إلى الأورام الصغيرة الواقعة في الأطراف البعيدة للرئتين، والتي كان الوصول إليها صعباً أو مستحيلاً بالمناظير التقليدية.

وتعتمد التقنية على استخدام بالون صغير لتوسيع المجاري الهوائية الرقيقة بلطف، مما يسمح للمنظار بالتقدّم نحو الأورام الخفية في المناطق الطرفية من الرئة. وأظهرت التجربة السريرية الأولى على البشر أن التقنية آمنة وفعّالة، وقد نجحت في الوصول إلى أورام يقل حجمها عن 20 ملم، مع تحسين دقة أخذ العينات التشخيصية بشكل ملحوظ.

ووفقاً للباحثين، يُعزّز هذا الابتكار إمكانيات التشخيص المبكر لسرطان الرئة، ويقلل الحاجة إلى التدخل الجراحي الكبير، ما يوفر للمريض علاجاً أكثر فاعلية. كما يمهد الطريق لعلاجات تنظيرية مستقبلية تستهدف الأورام مباشرة دون الحاجة إلى التدخلات الجراحية الكبرى، مما يقلل من مخاطر المضاعفات ويسرّع من عملية التعافي، مع الحفاظ على جودة التشخيص وفاعليته.

وأشار الفريق إلى أن هذه القدرة على التدخل المبكر تمثل فرصة مهمة لتحسين معدلات بقاء المرضى على قيد الحياة، كون التشخيص الدقيق المبكر يسمح بالتعامل مع الأورام قبل انتشارها.

كما نوه الباحثون بأن هذه النتائج تعكس أيضاً نجاح التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الصناعي في اليابان، حيث أسهم هذا التكامل في تطوير تقنية طبية متقدمة تمثل حلاً عملياً لأحد أكثر تحديات تشخيص سرطان الرئة تعقيداً.


اكتشاف أقدم بصمات كيميائية للحياة على الأرض

 أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
TT

اكتشاف أقدم بصمات كيميائية للحياة على الأرض

 أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)
أحافير طحالب بحرية من إقليم يوكون في كندا تعود إلى نحو مليار عام (جامعة ولاية ميشيغان)

كشفت دراسة دولية أدلة كيميائية هي الأقدم من نوعها تشير إلى وجود حياة على الأرض قبل أكثر من 3.3 مليار سنة.

كما اكتشف الفريق البحثي، بقيادة مؤسسة كارنيغي للعلوم في الولايات المتحدة، مؤشرات قوية على أن عملية التمثيل الضوئي المنتجة للأكسجين ظهرت قبل نحو مليار سنة مما كان يُعتقد سابقاً، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم».

ويشير مفهوم النشاط البيولوجي على الأرض إلى جميع العمليات الحيوية التي تقوم بها الكائنات الحية منذ بدايات ظهورها على الكوكب، مثل البناء الضوئي والتحلل وتبادل المواد مع البيئة. ورغم أن بدايات الحياة كانت بسيطة للغاية، متمثلة في كائنات دقيقة تعيش في المحيطات البدائية، فقد لعبت هذه الكائنات دوراً حاسماً في تشكيل الغلاف الجوي والمحيطات، وتهيئة الظروف التي سمحت لاحقاً بظهور كائنات أكثر تعقيداً. ومع مرور الزمن، تطوّر هذا النشاط البيولوجي ليصبح القوة المحركة لتنوع الحياة واستقرار الأنظمة البيئية على الأرض.

واستخدمت الدراسة مزيجاً من التحليل الكيميائي المتقدم وتقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن دلائل جزيئية دقيقة خلفتها الكائنات القديمة داخل الصخور، رغم اختفاء الجزيئات الحيوية الأصلية بفعل الدفن والتسخين والضغط عبر العصور الجيولوجية. واعتمد الفريق على تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي للتعرّف إلى البصمات الكيميائية المميزة للحياة.

وفحص الباحثون أكثر من 400 عينة شملت نباتات وحيوانات حديثة، ومتحجرات عمرها مليار سنة، وصخوراً نيزكية. ونجح النموذج الحاسوبي في التمييز بين المواد الحيوية وغير الحيوية بدقة تجاوزت 90 في المائة، كما كشف عن دلائل مرتبطة بالتمثيل الضوئي في صخور لا يقل عمرها عن 2.5 مليار سنة.

وشاركت في الدراسة الدكتورة كاتي مالوني، الأستاذة المساعدة بجامعة ولاية ميشيغان والمتخصصة في تطور الكائنات المعقدة المبكرة، وقدّمت عينات نادرة من حفريات طحالب بحرية عمرها مليار سنة من إقليم يوكون في كندا، تُعد من أوائل الأدلة على وجود طحالب كبيرة الحجم في السجل الأحفوري، في زمن كانت معظم مظاهر الحياة لا تُرى إلا بالمجهر.

وقالت مالوني عبر موقع الجامعة: «الصخور القديمة مليئة بالألغاز، لكن بعض قطع اللغز كانت مفقودة دائماً. الجمع بين التحليل الكيميائي والتعلم الآلي كشف لنا إشارات كانت مخفية كلياً».

وكانت الأدلة الجزيئية الموثوقة على الحياة محصورة حتى وقت قريب في صخور لا يتجاوز عمرها 1.7 مليار سنة، لكن المنهج الجديد ضاعف هذه النافذة الزمنية تقريباً، فاتحاً المجال أمام إعادة قراءة سجل الحياة المبكرة بعيون جديدة.

وقال الدكتور روبرت هازن، الباحث في مؤسسة كارنيغي والمشارك في الدراسة: «الحياة القديمة لا تترك فقط حفريات، بل تترك صدى كيميائياً. وباستخدام التعلم الآلي، أصبح بإمكاننا للمرة الأولى تفسير هذا الصدى بدقة».

وأوضح أن النتائج تحمل آثاراً مهمة للبحث عن الحياة خارج الأرض؛ إذ يمكن استخدام التقنية نفسها لتحليل عينات من المريخ أو أقمار الكواكب الأخرى بحثاً عن الإشارات الكيميائية للحياة.