في رحلة تستمر لنحو 140 دقيقة، يعود المخرج الفلسطيني كمال الجعفري في فيلمه الوثائقي الجديد «مع حسن في غزة» بالمُشاهد إلى مدينة غزة قبل نحو 24 عاماً، وتحديداً في عام 2001، عندما عاد إليها بعد غياب أكثر من عقدين ليبحث عن صديق مفقود رافقه في سجون الاحتلال. فخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى سُجن كمال الجعفري وعمره 17 عاماً مع زميله «عبد الرحيم»، وبعد 12 عاماً، قرر زيارة قطاع غزة بحثاً عن زميله، الذي لا يعرف سوى اسمه الأول فقط، وصور الزيارة عبر كاميرته، وترك أشرطتها جانباً لفترة، حتى قرر العمل على الفيلم.

حصد الفيلم جائزة الاتحاد الدولي للنقاد (الفيبرسي) ضمن فعاليات النسخة الماضية من مهرجان «لوكارنو»، ويعرض ضمن فعاليات النسخة الحالية من مهرجان «تورنتو السينمائي»، وقد جرى تصويره خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، فمن خلال كاميرا صغيرة وثَّق المخرج الفلسطيني صورة كثير من الأهالي والمناطق بالقطاع في رحلة بحث لم تتوقف خلال الأحداث.
الفيلم لا يتضمن أي أحداث درامية كبرى، لكنه يعرض صورة لمدينة مغايرة عن التي نراها اليوم مدمرة بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر، فمن الأسواق الشعبية للتنقل بين القطاع في شماله وجنوب، ورصد الطرق والشواطئ، ومشاهدة الأهالي وهم يستمتعون بمياه المتوسط، تتجول الكاميرا راصدة الكثير من تفاصيل الحياة اليومية.

يبدأ الفيلم بلقطة مطولة لحاجز التفتيش الإسرائيلي، لنبدأ تتبع تفاصيل تبدو في البداية غير مهمة، لكنها تكشف تدريجياً عن جوانب مختلفة، فما بين المخيمات التي يزورها والرجال والنساء الذين يتحدثون إليه، مروراً بتوثيق صرخات النساء في وجه جنود الاحتلال، وطلب توثيق شظايا قذيفة إسرائيلية في حارة ضيقة.
تفاصيل كثيرة كانت تحدث في تلك الفترة لم يغفلها الفيلم، تُبرز نمط الحياة في المدينة، فيما جاء اسم الفيلم مرتبطاً بالدليل الغزاوي في الأحداث، الشاب حسن، الذي يصطحب المخرج في رحلة بحثه عن صديقه عبد الرحيم، الذي نكتشف قصته لاحقاً، ليتركنا مع مصير مجهول ليس فقط لصديقه الذي لم يصل إليه ولكن أيضاً للشاب حسن، في انعكاس لمصير الآلاف من أهالي غزة الذين فقدوا.
لا تبدو الأحداث كأنها رحلة بحث فقط، ولكنها معايشة حقيقية يظهر فيها اهتزاز الكاميرا وتحركها لإبراز جوانب مختلفة من الحياة الواقعية، حتى مع اهتزازاتها المفاجئة، فالمخرج كأنه يضع المتفرج في لحظات الاضطراب التي عاشها أهالي غزة بشكل يومي، حتى مع ضيق الطرق التي يتحرك فيها وأصوات الرصاص التي تُسمع على فترات متقطعة.

يتركنا المخرج الفلسطيني مع الأصوات الطبيعية طوال الأحداث، فلا تعليق صوتياً يصاحب فيلمه، ولا موسيقى تصويرية ترافقنا في المشاهد التي يُسمع فيها صوت ضجيج الحياة اليومية، لينقل لمشاهديه صورة شديدة الواقعية عن تلك الفترة، مستعيناً بالأرشيف الذي صوّره حصراً دون الاستعانة بأي لقطات من مصادر خارجية، مع الاكتفاء بكلمات محدودة تظهر على الشاشة من وقت لآخر.
مخرج الفيلم كمال الجعفري أكّد أن عثوره على المادة التي استخدمها لإنجاز الفيلم جاء بالمصادفة، بعدما عثر على شريط مصور مسجل عليه «مع حسن في غزة» ليستذكر رحلته إلى المدينة، ويبدأ العمل على المشروع، مؤكداً في تصريحات صحافية أن عثوره على الشرائط جاء مع عمله على نقل الأشرطة لتكون بشكل رقمي بالتعاون مع إحدى الشركات.
من جانبه، عبّر الناقد محمد هاشم عبد السلام عن إعجابه بأسلوب كمال الجعفري في تقديم الفيلم، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يحمل رؤية مغايرة عن التجارب السينمائية التي قدمها من قبل، بعدما كانت حرب غزة دافعه لتقديم التجربة للجمهور، من خلال المادة التي صورها في زيارته للقطاع عام 2001»، مشيراً إلى أنه نجح في نقل صورة صادقة عن تفاصيل الحياة اليومية دون افتعال أو مبالغة.
وختم بالقول إن «مشاهد الفيلم المختلفة، سواء التي تُبرز واقع الحياة الصعبة للفلسطينيين أو المناوشات على حدود المستوطنات التي كانت مقامة داخل القطاع خلال تلك الفترة، مروراً بالتلقائية الطبيعية التي تركها المخرج نجحت في إيصال فكرة العمل للجمهور، مع استدعاء مقارنات بين الأحداث الحالية في غزة والماضي الذي عاشه سكان القطاع».


