كشفت دراسة بريطانية أنّ باطن المريخ يحتفظ بسِجل مضطرب من تاريخه المبكر العنيف، إذ تبيَّن أنه غير مُتجانس ومليء بقطع قديمة، على عكس التصوّر التقليدي لطبقات منتظمة ومرتبة.
وأوضح الباحثون من «إمبريال كوليدج لندن» أنّ هذا الاكتشاف لا يقتصر على فهم تاريخ المريخ، بل يفتح نافذة على كيفية تشكّل الكواكب الصخرية الأخرى مثل الزهرة وعطارد، التي يُعتقد أنها مرّت بمصائر مُشابهة، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «ساينس».
وغالباً ما نتخيّل الكواكب الصخرية، مثل الأرض والمريخ، على أنها مُكوّنة من طبقات داخلية مرتبة وناعمة؛ قشرة خارجية صلبة، تليها طبقة وشاح متجانسة، ثم لبّ معدني في المركز، تماماً كما تُصوّرها الرسوم في الكتب المدرسية. لكن البحوث الحديثة تكشف أن هذه الصورة المبسطة لا تعكس الواقع، خصوصاً بالنسبة للمريخ.
وتشير النتائج إلى أنّ المريخ، مثل باقي الكواكب الصخرية، تكوَّن قبل نحو 4.5 مليار عام من تجمُّع الغبار والصخور حول الشمس الفتية. لكنه بعد اكتمال تشكّله تعرّض لاصطدامات هائلة بأجسام كوكبية ضخمة، مُشابهة لتلك التي يُعتقد أنها أدّت إلى تكوين القمر حول الأرض.
هذه الاصطدامات ولّدت محيطات شاسعة من الحمم البركانية، وعندما بردت وتصلبت، خلّفت وراءها كتلاً مختلفة التركيب الكيميائي. ومع الوقت، اختلطت هذه الكتل مع بقايا من القشرة، وربما من الأجسام المصطدمة، لكنها لم تُدمج بالكامل، بل ظلّت محبوسة في وشاح الكوكب تحت قشرة صلبة تُعرف بـ«الغطاء الراكد»، ليصبح باطن المريخ بمثابة «كبسولة زمنية» تحتفظ بآثار تلك الأحداث.
ويُعد الوشاح الطبقة الوسطى الداخلية للكوكب، الواقعة بين القشرة واللبّ، والمكوّنة أساساً من صخور صلبة شِبه منصهرة تتحكّم في النشاط البركاني والحراري.
واعتمد الباحثون، في دراستهم، على بيانات من مسبار «إنسايت»، التابع لوكالة الفضاء الأميركية، الذي التقط اهتزازات ناجمة عن 8 هزات مريخية واضحة، بينها اثنتان سببهما اصطدام نيزكين خلّفا فوهات بعرض نحو 150 متراً. وأظهرت الموجات الزلزالية أنّ الترددات العالية تأخرت وتشوهَّت خلال مرورها بالوشاح، ما يدل على أن داخله ليس سلساً، بل مليء بالكتل والشظايا.
وقال الباحثون إنّ «هذه الكتل هي بقايا من تلك الاصطدامات العملاقة. فقد تجمّدت في باطن المريخ منذ أول 100 مليون سنة من عمره، وما زلنا قادرين على رصدها بعد 4.5 مليار عام، وهو دليل على بطء حركة باطن المريخ مقارنة بالأرض».
وعلى عكس الأرض، حيث تعيد الصفائح التكتونية تدوير القشرة والوشاح باستمرار، احتفظ المريخ بوشاحه شبه ثابت. وقد وجد العلماء أنّ الكتل موزَّعة بنمط متكرّر يُشبه تحطّم الزجاج؛ بعض القطع كبيرة يصل عرضها إلى 4 كيلومترات، محاطة بعدد هائل من الشظايا الصغيرة.
ويؤكد الباحثون أنّ احتفاظ المريخ ببصمات تلك الاصطدامات المبكرة يجعله سِجلاً ثميناً لتاريخ تشكّل الكواكب الصخرية. ومن خلاله يمكن فهم كيف تكوَّنت الأرض والزهرة وعطارد، في وقت يصعب فيه الحصول على معلومات مماثلة من كوكبنا بسبب إعادة التدوير الصفائحي المستمرّة.


