«صوت مصر» يستلهم حضور أم كلثوم الطاغي رغم الغياب

معرض يضم لوحات ومنحوتات مُستوحاة من مسيرتها

تمثال لأم كلثوم يتوسط لوحات عنها بمعرض «صوت مصر» (وزارة الثقافة المصرية)
تمثال لأم كلثوم يتوسط لوحات عنها بمعرض «صوت مصر» (وزارة الثقافة المصرية)
TT

«صوت مصر» يستلهم حضور أم كلثوم الطاغي رغم الغياب

تمثال لأم كلثوم يتوسط لوحات عنها بمعرض «صوت مصر» (وزارة الثقافة المصرية)
تمثال لأم كلثوم يتوسط لوحات عنها بمعرض «صوت مصر» (وزارة الثقافة المصرية)

عادت أم كلثوم مجدداً لتتصدر المشهد الفني المصري في حضور استثنائي، رغم مرور 50 عاماً على رحيلها؛ حيث شهدت القاهرة انطلاق المعرض الفني الكبير «صوت مصر... الصوت الذي ألهم الصورة» في «مجمع الفنون» بالزمالك، في إطار احتفاء مصر بـ«عام كوكب الشرق».

المعرض افتتحه الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة المصري، الذي أكد أن «المعرض يُجسد عبقرية كوكب الشرق بوصفها رمزاً استثنائياً للهوية المصرية، ويمثل مساحة ملهمة تتلاقى فيها الفنون التشكيلية مع الذاكرة الغنائية والمقتنيات النادرة، ليقدم صورة متكاملة عن أم كلثوم بوصفها قيمة خالدة في الضمير الوطني والعربي».

أم كلثوم في لقطة مع أبو الهول (الشرق الأوسط)

واعتبر أن «أم كلثوم كانت صوت أمة كاملة؛ غنّت لمصر وللعروبة، فحملت في نبراتها قوة الشخصية المصرية وعمق حضارتها. لقد مثلت صوت الضمير الجمعي، ورفعت الفن إلى مصاف الرسالة الإنسانية والوطنية، وسيظل صوتها جزءاً أصيلاً من وجدان المصريين والعرب».

وفي الافتتاح استشعر الضيوف الحضور الطاغي لكوكب الشرق ووقوفها شامخة بمنديلها الشهير وأدائها وإطلالتها وسكناتها، بينما كان صوتها يصدح بين أرجاء قصر «عائشة فهمي» - مقر المجمع - المطل على ضفاف النيل؛ حيث تناغمت الألوان مع الموسيقى، والفنون مع التاريخ، والأرشيف الصحافي مع الفن التشكيلي، والذاكرة الغنائية مع خصوصية المكان وعراقته.

أم كلثوم في الصحف المصرية القديمة (وزارة الثقافة المصرية)

وبينما زيّنت لوحات ومنحوتات أم كلثوم الصالات التشكيلية مراراً، فإن هذا المعرض يُعد أول تجربة بصرية توثيقية متكاملة لمسيرة أيقونة غنائية وسمت بصوتها وأغانيها عصراً عربياً بكامله.

ويضم المعرض المقام بتنظيم وإشراف قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية، أعمال 29 فناناً من أجيال واتجاهات مختلفة، تنوعت بين التصوير والنحت، بما يعكس حجم الإلهام الذي جسدته «كوكب الشرق» للأجيال المتعاقبة؛ فكانت كما يشير شعار الحدث «صوت ألهم الصورة».

لوحة لكوكب الشرق بريشة الفنانة كاريل حمصي (الشرق الأوسط)

كما يسرد الحدث الذي يجمع مسارين أساسيين هما الفن والتاريخ مسيرة أم كلثوم من خلال توثيقها في الصحافة المصرية على مدى قرن كامل.

ويتيح المعرض كذلك لزواره فرصة التعرف على جوانب مهمة من الحياة الخاصة لها من خلال إصدار كتاب توثيقي مصور يحمل العنوان نفسه «صوت مصر»، ويتضمن رصداً لبدايات أم كلثوم وأعمالها ومحطات رئيسية في مشوارها، وصولاً إلى يوم رحيلها وجنازتها، وما كتب عنها من قصائد وكلمات في حبها ورثائها.

ويعقد على هامش المعرض مجموعة من الندوات والفعاليات الثقافية والفنية على مدى نحو 3 أشهر، حيث يستمر حتى منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

لوحة للفنان عمر عبد الظاهر تبرز ولع الأسرة المصرية بأغاني «كوكب الشرق» (الشرق الأوسط)

الفنان علي سعيد، مدير عام مراكز الفنون ومنسق المعرض، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يضيء الحدث على قصة فنانة تتجاوز كونها مطربة ذات أثر لا يُمحى في نفوس مستمعيها وعشاقها؛ لتمثل شخصية قومية تلعب أدواراً في مجالات عدة، وتشارك في أحداث كبرى».

ويتابع: «كما يعيد تقديم أم كلثوم بلغة بصرية إبداعية، وذلك من خلال العديد من التجليات الفنية، سواء كانت لأجيال مختلفة مثل أعمال سيف وانلي، جمال السجيني، بيكار، بهجوري، التوني، عبد الوهاب عبد المحسن، خالد سرور، أحمد عبد العزيز، أحمد عبد الكريم، طاهر عبد العظيم، عماد إبراهيم، أحمد رجب صقر، وكاريل حمصي، وياسر جعيصة». مضيفاً: «يُعد الزخم الفني المستلهم من صوتها وأحاسيسها وأدائها أمراً لم يحدث من قبل مع أي فنان آخر في مصر، وربما في العالم».

لوحة للفنان جورج بهجوري (وزارة الثقافة المصرية)

وعبر اللوحات والمنحوتات التي جاءت بأساليب وتقنيات مختلفة ينتقل الزائر بين حالات طربية عدة، فبينما تركز بعضها على وجهها أو شد عنقها للأعلى، وحركة ذراعيها المرتفعتين عالياً؛ في إشارة إلى شموخها ومكانتها، ووصولها إلى مرحلة عليا من الطرب، فإن بعضها الآخر تقدم مشاهد درامية ومسرحية تضم أعضاء فرقتها، أو شغف البيوت المصرية بالاستماع إليها، مجسدة مكابدات الشوق والوجد كما جسدتها «الست».

أم كلثوم تتأمل لوحة رسمها لها الفنان صلاح طاهر (وزارة الثقافة المصرية)

من جهة أخرى، يأخذ المشاهد إلى العالم الخاص لـ«صوت مصر» من خلال بعض مقتنياتها الخاصة التي تمت استعارتها من متحفها في «المنيل» مثل فستانها ومنديلها وحذائها وحقيبتها ونظارتها ووشاحها، وقفازها، وقلمها، والغرامافون والراديو الخاصين بها، ومقاطع فيديو لها، وصورها الشخصية، والرسائل والقصائد المكتوبة بخط الشعراء لها، فضلاً عن جانب من مذكراتها التي صاغها لها الصحافي علي أمين، ورسمها الفنان بيكار، ونشرت في إحدى الصحف.

لوحة الفنان خالد سرور المشاركة بالمعرض (الشرق الأوسط)

ويمكن للزائر كذلك مشاهدة مقتنيات نادرة أخرى رحب أصحابها بتقديمها للمعرض طوال فترة إقامته، ومنها صورة للفنانة أم كلثوم وهي تتأمل لوحة رسمها لها الفنان صلاح طاهر، واللوحة نفسها التي كان يقتنيها أحد كبار رجال الأعمال الراحلين، ومجموعة كتب قديمة عنها، فضلاً عن مجموعات من الصحف النادرة جداً، على مدى عشرات السنين.

ويرى الدكتور إسلام عاصم، المشرف على شق التوثيق التاريخي للمعرض، أن «جانباً كبيراً من أهمية هذا الحدث الاستثنائي أنه يعكس إرادة الدولة ووعيها بمقاييس ومعايير القوة الناعمة المصرية، كما أنها لا تزال حاضرة بقوة في الداخل والخارج».

لوحة لـ«كوكب الشرق» وفرقتها في المعرض (وزارة الثقافة المصرية)

«ومن أهم رسائل المعرض أنه يبرز قوة المرأة المصرية عن جدارة؛ من خلال هذا الاستعراض الفني والتاريخي لمسيرتها وقوة إلهامها لمبدعين آخرين»؛ وفق تعبير عاصم.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «ومن يطلع على الكتاب المواكب للمعرض، على سبيل المثال، يستوقفه عبر ما يسرده عن حياتها منذ أن جاءت طفلة من قرية (طماي الزهايرة)، وصولاً إلى مكانتها في الغناء العربي، وحجم المصاعب والتحديات التي واجهتها، وقوة شخصيتها التي تصدت لها؛ لذلك هي ملهمة أيضاً للمرأة في كل مكان، ومن هنا تطورت فكرة المعرض أثناء التحضير له من تناول الجانب التشكيلي إلى الشق التاريخي؛ فقد استشعرنا أهمية اكتمال الرؤية والاحتفاء بالعمق التاريخي؛ كما أننا رأينا أن ذلك من شأنه أن يساهم في تعريف الأجيال الجديدة بها».


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز) play-circle

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق أيقونة الهيب هوب كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي (تصوير: إيمان الخطاف)

كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي وتستعيد رحلتها الفنّية في «البحر الأحمر»

منذ اللحظة الأولى، تعاملت كوين لطيفة مع المسرح والجمهور بحميمية أثارت إعجاب الحاضرين...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق شعار مسابقة الأغنية الأوروبية 2025 يظهر على لافتة (د.ب.أ)

مع التصويت على مشاركة إسرائيل... مسابقة «يوروفيجن» تواجه اختباراً كبيراً

تواجه مسابقة الأغنية الأوروبية «لحظة فاصلة» يوم الخميس عندما يصوت أعضاء الهيئة المنظمة للمسابقة على ما إذا كان بإمكان إسرائيل المنافسة في نسخة العام المقبل.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (جنيف)
«ذا فويس 6» والمدرّبون ناصيف زيتون وأحمد سعد ورحمة رياض (إنستغرام)

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

كانت لـ«الشرق الأوسط» لقاءات مع المدرّبين الثلاثة خلال تسجيل إحدى حلقات الموسم السادس، فأبدوا رأيهم في التجربة التي يخوضونها...

فيفيان حداد (بيروت)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.