تصاعد الجدل حول أزمة صناع المحتوى على «تيك توك» في مصر، عقب ضبط عدد منهم، خلال الأيام الماضية، بتهم متعددة من بينها نشر أخبار كاذبة وتهديد السلم العام، ونشر فيديوهات تحمل إيحاءات وألفاظاً خادشة للحياء، تتنافى مع القيم المصرية.
وتوالت ردود الفعل من المؤثرين والشخصيات العامة والمؤسسات الرسمية، من بينها شركة «تيك توك» التي أصدرت تقريراً حول «إنفاذ إرشادات المجتمع» أكدت خلاله أنها أوقفت بشكل استباقي 1.5 مليون بث مباشر في كل من مصر والإمارات والعراق ولبنان والمغرب، وحظر أكثر من 849 ألفاً من مضيفي البث المباشر بهذه الدول خلال الربع الأول من العام الحالي.
وعلى أثر الحملة الموسعة التي طالت صانعي محتوى على «التيك توك»، أعلنت إحدى «المؤثرات» التي كان قد تم التحقيق معها من قبل، والحكم عليها بالحبس سنة وكفالة 5 آلاف جنيه وغرامة 100 ألف جنيه، ومن المنتظر عقد جلسة للنظر في تظلمها على الحكم في سبتمبر (أيلول) المقبل، أنها ستسافر إلى الخارج، وفق فيديو نشرته على حساباتها متضمناً مقطعاً غنائياً وتعليقات بهذا المعنى.
وأوقفت وزارة الداخلية المصرية خلال الأيام الماضية عدداً من صانعي المحتوى، وذكرت في بيان، أن هذا التوقيف جاء على خلفية بلاغات قُدمت ضدهم، موضحةً أن مقدمي البلاغات عدّوا مقاطع البث التي يقدمها هؤلاء الأشخاص «تسيء إلى قيم الأسرة المصرية».
وتصدَّر بعض صناع المحتوى «التريند» على «غوغل» و«إكس» في مصر، الثلاثاء، بينما ظهرت حملات على «السوشيال ميديا» تُبرز أقول أحد الموقوفين ويُدعى شاكر، يؤكد أن الفيديوهات التي على صفحاته تخصه، بينما «المخدرات» لا تخصه، وكانت أجهزة الأمن قد أعلنت عن ضبط مخدرات مع صانع المحتوى خلال القبض عليه.

ولكن عدداً من مستخدمي «إكس» نشروا مقاطع فيديو لصانع المحتوى وهو يؤدي أعمالاً خيرية للمرضى والمساكين والأطفال، ويحقق أحلام البعض في السفر للعمرة، مطالبين بالإفراج عنه، بدعوى أن المحتوى الذي يقدمه ليس خارجاً، وفق رأيهم.
ويرى الخبير في الإعلام الرقمي و«السوشيال ميديا»، خالد البرماوي، أن «ظاهرة الهجوم على صناع المحتوى التافه أو الخادش للحياء ليست جديدة، لكن في هذه المرة الوضع مختلف لأن لدينا عدداً كبيراً من القضايا»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قضايا مرفقة مع توقيف صناع المحتوى أخيراً مثل حمل السلاح أو حيازة المخدرات، والاتهامات التي لها علاقة بالسب والقذف، فهذه جرائم صريحة لا تدخل في الجدل حول طبيعة المنصة».
وتابع: «الإشكالية أن بعض الناس يهاجمون محتويات يرون أنها لا تناسب ذوقهم أو عاداتهم وتقاليدهم، بالإضافة إلى أن السبب الرئيسي في هذه الأزمة هي العشوائيات التي تنخر في عظام الديموغرافيا المصرية، فالناس في هذه العشوائيات بدأوا يصنعون إعلاماً ومحتوى خاصاً بهم»، وتابع أنه «لا مشكلة أن يتربّح هؤلاء الناس لكن في إطار قانوني به ضرائب وتقنين ورقابة وحوكمة».
كان رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب المصري (البرلمان) قد أعلن في تصريحات متلفزة أن العقوبات على الجرائم الإلكترونية رادعة، وأن هناك تواصل بين اللجنة والجهات التنفيذية مثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والمجلس القومي لتنظيم الإعلام، ليكون هناك ممثل قانوني لكل منصة موجودة في مصر، وكانت اللجنة قد أشارت سابقاً إلى أنها أعطت مسؤولي «تيك توك» مهلة 3 أشهر لضبط المحتوى وتنقيته، والتعامل مع المخالفات الموجودة به.
من جانبه لفت الأستاذ في معهد البحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور فتحي قناوي، إلى أن «المطالبات بإغلاق هذه التطبيقات موجودة منذ فترة طويلة»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنصات تبث محتوى مدمراً للمجتمع، ومَن يقدمون هذا المحتوى يحصون على أموال طائلة لا نعرف مصدرها، كأنها غسيل أموال، والمشكلة الحقيقة تكمن في غياب الرقابة أو الآليات الرادعة لهذه المخالفات»، وأشار قناوي إلى أن «جهود الداخلية وجهات التحقيق مشكورة، ولكنها ليست كافية، فالقبض على 10 أو 15 شخصاً لن يغيّر في الأمر شيئاً، والحل في رأيي أن يتم إغلاق هذه المنصات التي لا نستطيع التحكم فيها أو مراقبتها بشكل صارم، وهي بالفعل منصات ترفض العديد من الدول السماح لها بالعمل داخلها».
وحول الجدل المثار لكون بعض مستخدمي المحتوى لا يقدمون تجاوزات بل هناك شخصيات تقدم محتوى هادفاً، قال قناوي: «هؤلاء الأشخاص لا نعرف مدى تأهيلهم لتقديم هذه المعلومات، ومن المؤكد أن هناك قنوات أخرى شرعية ومحكمة لهذا المحتوى بدلاً من المنصات التي تروج لإفساد القيم، كأنهم يضعون السم في العسل، والأوْلى أن تكون هناك إرادة اجتماعية وتوعية بخطورة هذه المنصات وما يمكن أن تؤدي إليه من تخريب في المجتمع».
فيما يرى معتز نادي، المتخصص في الإعلام الرقمي أن «هذه القصة ستظل على رادار التريندات مع تطور الأحداث الخاصة بها ولهذا سيظل الجدل محيطاً بتفاصيلها من حيث الأمور القانونية واختلاف الآراء حول المحتوى المتداول ومدى الاتفاق والاختلاف معه».
مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكن قصة البث المباشر ستبقى في صدارة الجدل بسبب ما يتعلق بأرباحها، فمثلاً منصة (تيك توك) تولي أهمية كبرى لصناعة البث المباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتتوقع وصولها إلى 17.8 مليار دولار بحلول عام 2030، وذلك وفقاً لتقرير (مستقبل الترفيه) الذي أصدرته أخيراً بالتعاون مع شركة الاستشارات العالمية (كيرني)».
وتابع نادي: «مع وصول قيمة سوق البث المباشر في المنطقة إلى 8.1 مليار دولار في عام 2024، فإن هذا النمط من البث المباشر سرعان ما سيصبح أساس الاقتصاد الرقمي، وفق رؤية منصة (تيك توك) عبر ما توفره من بيانات».
وأكد أن «ما يحدث يحتاج إلى مناقشة مجتمعية تعالج السبب وتضع حداً فاصلاً بين الحرية الرقمية الهادفة والوصاية الأخلاقية غير واضحة المعالم، وصولاً إلى طريقة للتعامل دون مخالفة ضوابط المجتمع وقوانينه السارية على الجميع».



