تمضي سارة حسن، معظم ساعات إجازتها الصيفية في النوم، منذ انتهاء امتحانات «الثانوية العامة» بمصر قبل نحو ثلاثة أسابيع، على عكس عاداتها النشطة والمرحة، حتى إنها رفضت عرضاً من أسرتها بالسفر لقضاء إجازة المصيف، مؤجلة الأمر لحين «الاطمئنان على النتيجة».
مثل سارة، يعيش أكثر من نصف مليون طالب، القلق مع اقتراب صدور نتيجة الثانوية العامة، وإن اختلفت طرق إدارتهم له؛ فبينما يحاول البعض أن يشغل نفسه بالألعاب الإلكترونية، أو التنزه، يصاب فريق آخر بنوبات من القلق والتوتر حتى الإعلان عن النتيجة.
يفسر حسن عوض، والد سارة، الذي يعمل مشرفاً بإحدى دور النشر ويسكن منطقة النزهة (شرق القاهرة)، الحالة التي يعيشها مع أسرته بـ «الخوف من النتيجة، الذي قد يصل لمرحلة الاكتئاب»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ابنته «بدت مختلفة في الفترة الأخيرة، فقد باتت أكثر عصبية، وتميل للنوم والصمت خصوصاً بعد صدمة الامتحانات في اللغة العربية والفيزياء».

وفيما يحاول عوض التخفيف عن ابنته، بالتحدث معها للقبول بأي نتيجة حتى لو ابتعدت بها عن حلمها في كلية الطب، وحضها على البحث عن حلم آخر، لكنه لا يُخفي هو الآخر توتره وترقبه للنتيجة، في ظل أجواء مشحونة تغطي البيت كله.
ويعد يوم نتيجة الثانوية العامة التي يفصلنا عنها ساعات قليلة موسماً تقليدياً للقلق الجماعي داخل الأسر، حتى إن قلق الآباء يتجاوز أحياناً أبناءهم. رصدت «الشرق الأوسط» تواتر الأسئلة من أولياء الأمور على إحدى مجموعات واتساب، عن النتيجة، والامتعاض من تأخرها، وكذلك غموض موعدها.

وخضع أكثر من 785 ألف طالب وطالبة لامتحانات الثانوية العامة هذا العام، وسط توتر صبغته «أجواء التفتيش داخل اللجان، مع استمرار ظاهرة الغش»، وفق نهى شلبي، وهي ولي أمر لتوأمين، ولد وبنت، في علمي علوم ورياضة. تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «التوتر الذي تتزايد حدته كلما اقتربت النتيجة، لا نعيشه من اليوم، هو رحلة نخوضها منذ بداية العام، تصاعدت حدتها خلال الامتحانات مع حدوث وقائع غش، سواء عبر السوشيال ميديا أو أمام بعض اللجان، مع إصرار الوزارة على النفي والتعتيم».

هذه ليست أول مرة تخوض فيها شلبي تجربة الثانوية العامة، فلديها ابن وابنة سبقا التوأمين، لكنها تعد «رحلتها الأخيرة هي الأسوأ»، قائلة: «في السابق كنا نعلم بشكل يومي التطورات بخصوص الامتحانات والتصحيح في بيانات رسمية تخرج من الوزارة، لكن الآن، لا يوجد شيء معلن أو واضح».
ويفسر استشاري الأمراض النفسية والعصبية مدحت جاد الرب، حالة التوتر التي يعيشها الطلاب والأهالي قبل صدور النتيجة بـ«الطبيعية»، وعادة ما تزول عقب صدورها لو كانت جيدة أو تتحول لحالة من «رد الفعل الحزين» لو خرجت مخيبة للآمال.
ويضيف جاد لـ«الشرق الأوسط» أن ما يترك أثراً سلبياً أعمق في نفوس المراهقين في هذه المرحلة، تجربة الاختبارات والتقييم نفسها، خصوصاً لو جاءت نتيجتها سلبية، هنا قد ترسخ مشاعر القلق من خوض أي تجربة شبيهة في فكرة الاختبار، حتى لو مختلفة في السياق، مثل «مقابلة عمل»، فيستحضر الشخص فيها تجربته السابقة ويعيد محاكاة أجوائها.
ونبه استشاري الطب النفسي على أن التوتر الزائد من الأهل، وعدم قدرتهم على إدارة مرحلة الثانوية العامة من بدايتها بعدّها تقييماً لأداء الطالب فيها وليس تقييماً لجوهره أو ماهيته، من شأنهما أن يفقدا الشخص ثقته في ذاته. وأضاف أن «الأسوأ إلقاء اللوم على الأبناء بعدّهم مصدراً أساسياً في جلب الحزن والشقاء للأسرة، ما يعمق داخلهم شعوراً بعدم الاستحقاق لأي نجاح، والذي قد يتطور لعلل نفسية أخرى».

وعادة ما تتحمل الأسر أعباءً مادية كبيرة خلال مرحلة الثانوية العامة، ما يجعل الإخفاق فيها أو الخروج بنتيجة غير متوقعة أمراً مزلزلاً للأسرة ككل، ولا تستطيع بعض الأسر تخطيه.
تحاول شيرين إبراهيم، تقطن في مدينة المنصورة (دلتا النيل)، أن تخفف أجواء التوتر عن نجلتها عبير الطالبة في الصف الثالث الثانوي (علمي علوم) التي تطمح للالتحاق بكلية «العلاج الطبيعي». تقول إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، «بمجرد انتهاء الامتحانات سافرنا لقضاء الإجازة الصيفية وذلك ساعد ابنتي على تقليل الشعور بالتوتر».

