يُطل الملحن المصري الراحل بليغ حمدي (1931-1993) في كتاب جديد يمثل سيرة روائية لحياته بعنوان «المزيكاتي» للكاتبة والسيناريست المصرية وسام سليمان، وهو من إصدار دار «المرايا» للنشر بالقاهرة، والعنوان مُستوحى من سؤال الأب المُحبب لابنه بليغ منذ طفولته عما يريد أن يصبح عندما يكبر فيجيب: «مزيكاتي»، وهو الصوت الذي يستدعيه بليغ على مدار رحلة صعوده التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي في عالم التلحين والطرب.
تعتمد السيرة الروائية على التنقل بين أزمنة ومحطات مصيرية في حياة بليغ حمدي، تبدأ من تلك المرحلة الأكثر مأساوية في حياته، التي واكبت القضية الجدلية التي اقترنت باسمه في الثمانينيات، بعد سقوط المطربة المغربية سميرة مليان من شرفة منزله، وتعرض بسببها للكثير من الملاحقة والتشهير.
ويبدأ الفصل الأول من الرواية بجرس تليفون يلتقطه بليغ ليخبره سكرتيره الخاص: «للأسف يا أستاذ... الحكم لن يكون في صالحك» لتبدأ الرواية في تتبع هذا «الكابوس» الذي يجثم على صدر بليغ وتشارك في مواساته شقيقته صفية، التي تفيض الرواية في الكشف عن علاقتهما الاستثنائية الخاصة في دعمه ومساندته.

تبدو الحياة الدرامية للملحن المصري الراحل في ذاتها مادة إلهام خصبة، وظلّت حياته مثار اهتمام السيناريست وسام سليمان، التي ارتبط اسمها بأفلام سينمائية بارزة منها: «أحلى الأوقات»، و«في شقة مصر الجديدة»، و«فتاة المصنع»، لتقدم للمرة الأولى سيرة روائية مطبوعة في وسيط جديد مغاير عن الفن السينمائي.
تقول وسام لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت القصة عندما عُرض على أحد المخرجين كتابة سيناريو رومانسي عن علاقة الحب بين بليغ ووردة، وكنت بالطبع أعرف بليغ الملحن العظيم وكنت أسمع عن شخصيته كلاماً متناقضاً، ولكن لا أدرى بالضبط ما الذي جذبني بقوة للغرق في شخصيته، وكان لا بد أن أقرأ وأشاهد وأسمع الكثير من المرويات عنه، وتمنيت لو أستحضر روحه لأسألها، وتحوّل بسرعة إلى شغف لم يوقفه توقف مشروع الفيلم أو المسلسل، وفي النهاية لم يكن لدي خيار إلا الكتابة عنه عبر وسيط الأدب» كما تقول لـ«الشرق الأوسط».
ومن اللافت في الرواية تقمص صوت بليغ حمدي، لا سيما في اندفاعات الحب، وانفراده وهو «يدندن» نغمة جديدة، ولحظات توتره وحساسيته، منها تلك اللحظة التي يعلم فيها أن أم كلثوم ستغني أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» لأستاذه زكريا أحمد، بعد خصام طويل بينهما وصل إلى المحاكم، في الحفل نفسه الذي سيغني فيه أغنية «حب إيه» لأول مرة أمام الجمهور.

تتنقل السيرة الروائية التي يبرز فيها الحوار بين الشخصيات بما يُقارب أسلوب كتابة السيناريو السينمائي، وتبرز فيه محطات لافتة في تاريخ بليغ حمدي؛ منها الصدفة التي جمعته بـ«كوكب الشرق» أم كلثوم وقادته لتلحين «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»، مروراً بالمشاهد التي رسمتها الرواية وتجمع بين أم كلثوم بهيبتها، وبساطتها في تبنيها للشاب بليغ حمدي آنذاك، وكذلك قصة الحب التي جمعت بينه وبين «وردة الجزائرية» واتخذت تعرجات مختلفة من العشق والزواج وحتى الفراق.
وتضيف وسام: «اكتشفت أنني لا أستوعب المعاني المجردة إلا إذا تخيلت حكاية، وأنا في محاولتي لمعرفة بليغ حمدي كنت أبحث عن الحكايات وأقرأها وأعيد لنفسي حكايتها، ورد فعل بليغ والشخصيات حوله وأرضية الزمن التي يتحركون فيها؛ لأنها ببساطة الطريقة الوحيدة التي أعرفها».
وتؤكد أنها حاولت «قراءة علاقة بليغ بأم كلثوم من خلال 11 أغنية كانت تتألق فيها أم كلثوم بوهج خاص، وهو وهج حب بليغ الذي لا ينطفئ، ومع بليغ ظهر في أم كلثوم جانب الإنسانة الفلاحة الذكية وبنت البلد والمرأة التي تفيض بالأمومة، أو كما قال عنها بليغ (فلاحة وبنت بلد في الحياة وإمبراطورة على المسرح)».

تراوحت كتابة الرواية بين البحث الوثائقي والكتابة التخيلية التي استدعت بها أصوات أبطالها روائياً، أما المصادر التي استندت إليها المؤلفة فقد تراوحت بين الكتب والأحاديث التليفزيونية والإذاعية لبليغ، والأرشيف الصحافي، والأغاني والألحان التي قام بتلحينها، وكذلك الأشخاص المقربون له، وأبرزهم الفنان أحمد صفاء الذي قدمت له شكراً خاصاً لأنه «أكثر من كشف لي عن الجانب الإنساني لبليغ حمدي»، كما تقول. وتعتبر وسام سليمان أن بليغ حمدي كان حالة خاصة جداً بالنسبة لها، ولا تعلم إذا كان من الممكن أن تتكرر تجربة كتابة سيرة روائية لشخصيات فنية أخرى غيره.


