مصر لاستعادة زخم «عيد وفاء النيل» بالحضارة القديمة

عبر عدد من الفعاليات الفنية والثقافية

ممشى «أهل مصر» بكورنيش النيل بالقاهرة (الشرق الأوسط)
ممشى «أهل مصر» بكورنيش النيل بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر لاستعادة زخم «عيد وفاء النيل» بالحضارة القديمة

ممشى «أهل مصر» بكورنيش النيل بالقاهرة (الشرق الأوسط)
ممشى «أهل مصر» بكورنيش النيل بالقاهرة (الشرق الأوسط)

ارتبط «عيد وفاء النيل» بأسطورة «عروس النيل» بحسب ما صممها خيال صانعي الفيلم الشهير تحت هذا الاسم، ولعبت بطولته لبنى عبد العزيز ورشدي أباظة عام 1963، ويتذكر كثير من المصريين هذا النداء: «عودي يا هاميس»، يتداخل مع مشهد ملحمي يتم خلاله إلقاء قربان في النهر عبارة عن فتاة جميلة ترتدي ثياباً فاخرة.

وبعيداً عن هذه الأسطورة، تسعى مصر لاستعادة زخم «عيد وفاء النيل»، بتنظيم احتفالية تتضمن فعاليات عدة، احتفاءً بنهر النيل، بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية وعدد من الوزارات ومؤسسات الدولة، تحت شعار: «النيل... عنده كتير».

نهر النيل بالأقصر (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الاستعدادات بالتزامن مع «عيد وفاء النيل» في شهر أغسطس (آب) المقبل، وهو أحد أقدم الطقوس الاحتفالية في التاريخ المصري؛ إذ اعتاد المصريون الاحتفال به في النصف الثاني من أغسطس، مع وصول الفيضان الذي يحمل الطمي والمياه إلى مصر.

وتمزج الفعاليات المقرر أن تقيمها وزارة الثقافة بين التراث والحداثة، وإبراز النيل كمصدر إلهام للإبداع في مختلف العصور، بما في ذلك العصران الإسلامي والحديث، والتأكيد على مكانته في تشكيل وجدان المصريين عبر الفنون والآداب والمعتقدات الشعبية، وفق بيان للوزارة، السبت.

وعدّ وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هنو، أن «النيل ليس مجرد نهر، بل مدرسة للفنون والإبداع، وشاهد على حضارة صنعها المصريون على ضفافه»، موضحاً أن الاهتمام به يأتي ضمن جهود الوزارة لتعزيز مفهوم الهوية المصرية لدى الأجيال الصاعدة.

ووفق علماء آثار، فإن «إحياء (عيد وفاء النيل) بهذا الشكل لا يُعدّ فقط احتفالاً بالماضي، بل هو استثمار في المستقبل، يؤسس لحضور جديد للنيل في ضمير الأمة، كمصدر للعزة والجمال وتعزيز الهوية».

فعاليات متنوعة للاحتفال بـ«وفاء النيل» (الشرق الأوسط)

وتاريخياً، كان «وفاء النيل» مناسبة سنوية كبرى عند قدماء المصريين، ارتبطت بطقوس دينية وشعبية تُبرز الامتنان للنهر، وتُعبّر عن العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة، ولم يكن من ضمن هذه الطقوس إلقاء عروس في النيل، وفق آثاريين.

ويعدّ النيل مصدراً ورافداً مهماً للإبداع في مصر؛ فعلى اسمه انطلقت الأغاني والأفلام والروايات والقصص، ومن أهم الأفلام التي حملت اسم النيل: «ابن النيل»، من إخراج يوسف شاهين عام 1951، ومن قبله عام 1929 أُنتج فيلم «بنت النيل»، من بطولة عزيزة أمير وعباس فارس، وإخراج عمر وصفي. وهناك أيضاً فيلم «صراع في النيل»، من إخراج عاطف سالم عام 1959، وفيلم «ثرثرة فوق النيل»، إنتاج عام 1971، من إخراج حسين كمال عن قصة نجيب محفوظ.

فعاليات فنية تحتفي بالنيل في مصر (الشرق الأوسط)

وأكد عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، الدكتور عبد الرحيم ريحان، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن «نهر النيل جزء لا يتجزأ من الشخصية المصرية منذ فجر التاريخ، وأن الوثائق التاريخية تؤكد حقيقة الدور المصري لاستكشاف منابع النيل منذ عصر مصر القديمة».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك نصوصاً كثيرة تشير إلى تقديس النيل في الحضارة المصرية القديمة»، وأشار إلى نص قديم مفاده أن «من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة»، وهناك اعترافات للمصري القديم في العالم الآخر بما يفيد عدم منعه جريان الماء درءاً للخير، كما ورد في الفصل (125) من نص «الخروج إلى النهار» (كتاب الموتى): «لم أمنع الماء في موسمه. لم أقم عائقاً (سداً) أمام الماء المتدفق»، كما توجد ترنيمة، وفق ريحان، دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل: «فليحيا الإله الكامل الذي في الأمواه. إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها. إنه يسمح لكل امرئ أن يحيا الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه. وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر».

النيل في أسوان (الشرق الأوسط)

وتغنى كبار المطربين بنهر النيل الذي يعد أطول أنهار العالم (6650 كيلومتراً)، في أعمال ظلت راسخة بالوجدان الجمعي، من بينها: «يا شباب النيل» التي غنتها أم كلثوم من كلمات أحمد رامي، و«النهر الخالد» التي تغنى بها محمد عبد الوهاب من كلمات محمود حسن إسماعيل، و«يا حلو يا اسمر» التي تغنى بها عبد الحليم حافظ من كلمات سمير محبوب.

ويوضح ريحان أن «نهر النيل كان له مكانة كبرى في العصور المختلفة، وورد في صلوات وطقوس متنوعة، وفي العصر الإسلامي اهتم به حكام مصر للحفاظ على جريانه وضبطه بما يكفل لهم حياة آمنة؛ فأقاموا السدود والجسور عندما كان يطغى ويزيد على الحد الذي يكفل لهم حياة وزراعة آمنة، وأنشأوا مقاييس للنيل، أشهرها مقياس النيل بالروضة، واحتفلوا بمواسم فيضانه».


مقالات ذات صلة

احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

يوميات الشرق منطقة «أبو مينا» الأثرية بالإسكندرية (الشرق الأوسط)

احتفاء مصري برفع «أبو مينا» من قائمة التراث المُعرّض للخطر

احتفى آثاريون مصريون بقرار رفع موقع دير «أبو مينا» الأثري بمدينة برج العرب بالإسكندرية من قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر

عبد الفتاح فرج (القاهرة )
يوميات الشرق القاهرة التاريخية ضمن التراث العالمي بـ«اليونيسكو» (وزارة السياحة والآثار)

مصر تفتتح قبتين أثريتين بعد ترميمهما في القاهرة التاريخية

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن افتتاح قبتين أثريتين في القاهرة التاريخية

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الاكتشاف الأثري تضمن وجوهاً من المقابر القديمة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف مقابر منحوتة بجبال أسوان

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن اكتشاف مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخر بأسوان (جنوب مصر).

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق سبائك منسيّة تخرج من الأعماق (غيتي)

سبائك الغرقى تجرُّ كاتبة ثمانينية إلى محاكمة في فرنسا

تُواجه روائية أميركية تبلغ 80 عاماً، وزوجها، من بين أشخاص آخرين، مُحاكمة مُحتملة في فرنسا بتهمة البيع غير القانوني لسبائك ذهبية نُهبت من حطام سفينة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأرض تحفظ آثارهم (مؤسّسة فيندولاندا)

«أحذية عمالقة» عمرها 2000 عام تُحيّر العلماء في بريطانيا

أصيب علماء الآثار بالحيرة بعد اكتشاف أحذية رومانية «كبيرة بشكل غير عادي» عمرها 2000 عام في نورثمبرلاند.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أكوام من الأرز تُجسّد البشر... والناس يضحكون ويبكون

البشر... حبَّات أُرز (فيسبوك)
البشر... حبَّات أُرز (فيسبوك)
TT

أكوام من الأرز تُجسّد البشر... والناس يضحكون ويبكون

البشر... حبَّات أُرز (فيسبوك)
البشر... حبَّات أُرز (فيسبوك)

يواصل معرض يتخيَّل إحصاءات السكان البشريين في أكوام من الأرز بأحجام مختلفة، رحلته العالمية بتوقّفه في مقاطعة سوري بجنوب شرقي إنجلترا.

وتجوَّل معرض «من الناس كافة في جميع أنحاء العالم» في أستراليا، والبرازيل، والولايات المتحدة الأميركية؛ وهو يتكيّف مع كل موقع وجمهور.

في هذا السياق، نقلت «بي بي سي» عن المدير الفنّي لفرقة «ستانز كافيه»، جيمس ياركر، قوله: «نستكشف العالم من خلال الإحصاءات».

وأُقيم المعرض للمرّة الأولى عام 2003، ومنذ ذلك الحين، يتنقّل مرات عدّة في كلّ عام.

يمكن أن تشمل الإحصاءات الموضَّحة في أكوام الأرز الموسومة عدد سكان البلدات والمدن، وعدد الأطباء، وعدد الأشخاص الذين يُولدون كل يوم، وغير ذلك.

وأضاف ياركر: «الأمر المُذهل هو أنّ الاستجابة متشابهة تقريباً في كلّ مكان. هناك لمحة إنسانية حقيقية وأصيلة وراء العرض، وهو ينجح لأنّ الناس يتعاطفون بعضهم مع البعض الآخر؛ لذا ترى قصص البشر الآخرين في العرض».

وتابع: «قد يبدو الأمر سخيفاً، لكنك ترى الناس يضحكون ويبكون بمجرّد النظر إلى حبّات الأرز».

افتُتح المعرض، الجمعة، بالقاعة الكبرى، في «فارنهام مالتينغز»، ويستمر حتى الثلاثاء.

بدورها، قالت الفنانة ليكسي ووكر، خلال إعداد المعرض في فارنهام، إنه بالنسبة إلى السكان الأكثر عدداً، يُوزن الأرزّ، بحيث يمثّل نحو 60 شخصاً في غرام واحد منه.

وأضافت: «يمكن أن يكون الأمر صعباً جداً. إذا كان عدد السكان قليلاً، فقد أُضطر إلى عدّهم جميعاً يدوياً. أفضل شيء هو مدى تأثّر الجميع عندما يأتون لرؤية هذا المعرض».

أما الرئيس التنفيذي لـ«فارنهام مالتينغز»، بيتر غلانفيل، فقال: «لقد جابت هذه التركيبات الفنّية أنحاء العالم. وبالإضافة إلى الإحصاءات العالمية، فهي محلّية جداً، لذا نأمل أن تكون هناك بعض الإحصاءات المثيرة للاهتمام حول بعض الأماكن في مقاطعة سوري أيضاً».