تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية، عبر معالجة فنية تجمع بين الأصالة والحداثة، ما يتيح فرصة للجمهور المصري والعربي لاستكشاف أحد أشهر الأعمال الإبداعية برؤية مبتكرة.
وعلى مدار 3 أشهر يحتضن مسرح الطليعة بالقاهرة، عرض «كارمن»، الذي لفت أنظار الجمهور وأثار إعجاب النقاد، وأبدى وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، سعادته لرؤية العرض، الأحد، لما شهده من معالجة مسرحية حديثة وجريئة للرواية العالمية بأسلوب مختلف يُجسّد حيوية المسرح المصري.
قصة العرض الشهيرة تدور حول فتاة غجرية تسعى لإيقاع الرجال في حبها، ومنهم الضابط خوسيه نافارو، الذي وقع فعلاً في حبها، فتحول من شرطي إلى مجرم خارج على القانون، ثم إلى قاتل، وينتهي به الأمر إلى قتلها.
«وتعيد هذه التجارب المسرحية الطموحة المسرح إلى دائرة الضوء، وتُسهم في تطوير الذائقة العامة، وتعزيز الحضور الثقافي في المجتمع»، وذلك وفقاً لوزير الثقافة المصري، الذي أشار في بيان، الاثنين، إلى أن المسرح يظل من أبرز أدوات تشكيل الوعي والوجدان، وأن هذه الأعمال تمثل أفقاً مفتوحاً للتجريب والتجديد، وتعكس روحاً جديدة تسعى للتواصل مع الجمهور بلغة الفن الصادق، كما أشاد في الوقت نفسه بالرؤية الإخراجية المعاصرة للعرض التي تجمع بين الأصالة والحداثة.
وشهدت المسارح المصرية على مدار عقود تقديم نسخ متعددة من عرض «كارمن»، أبدعها محترفون وهواة بمعالجات مختلفة. فيما يقدم العرض حالياً ضمن عروض البيت الفني للمسرح من إنتاج فرقة مسرح الطليعة التابعة للبيت الفني للمسرح، برؤية من المخرج ناصر عبد المنعم، ومعالجة مسرحية للكاتب محمد علي إبراهيم، ويشارك في بطولته مجموعة من الفنانين الشباب.
ويؤكد المخرج ناصر عبد المنعم أن «مسرحية (كارمن) تُعد من الأعمال الخالدة التي عبرت الأزمنة والأمكنة وظلت تجد طريقها إلى المسرح والسينما والأوبرا، رغم كتابتها منذ منتصف القرن الـ19»، مبيناً أن الأمر يستوجب إعادة تقديمها بشكل دوري، ليتمكن الجمهور الجديد من التعرف عليها، مشيراً إلى أهمية تقديم الأعمال الكلاسيكية العالمية برؤية تتناسب مع الجمهور المعاصر دون المساس بجوهرها الأصلي.
وفيما يخص معالجته لـ«كارمن»، قال عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من العروض السابقة ابتعدت عن جوهر الرواية الأصلية، وهو ما دفعني إلى تقديم رؤية إخراجية تستند إلى الرواية الأصلية، مع مزجها بتقنيات حديثة في السرد المسرحي»، موضحاً أن «العرض يعتمد على التقنيات السينمائية في الانتقال بين المشاهد والأزمنة، مما يسهل تقديم الرواية المسرحية رغم التنقلات الكثيرة بين المواقع الزمنية والجغرافية»، كما أكد أن «توظيف العناصر المسرحية مثل الديكور والموسيقى لعب دوراً محورياً في تعزيز الرؤية البصرية للعمل».
وعن مستقبل العرض، أشار المخرج إلى أن عرض «كارمن» يدخل الآن شهره الثالث، ومن المتوقع أن يستمر تقديمه مع الإقبال الجماهيري، مشيراً إلى إمكانية مشاركته في مهرجانات مسرحية محلية وعربية ودولية خلال الفترة المقبلة.
من جانبه، عَدّ الناقد المسرحي المصري، محمد أحمد بهجت، «تقديم الكلاسيكيات بأسلوب يليق بها أمراً بالغ الأهمية لإثراء المشهد الفني»، مشيداً بالرؤية الإخراجية للعرض التي تعكس حرص المخرج ناصر عبد المنعم على تقديم أعمال أدبية ذات قيمة، بعد أن أثبت تميزه في أعمال سابقة حصد بها جوائز دولية في مهرجانات عدة.
وأوضح بهجت لـ«الشرق الأوسط» أن «مخرج العرض استغرق وقتاً كافياً لصياغة عرض يليق بتاريخ المسرح المصري، مع اختيار دقيق لفريق العمل الذي نجح في تقديم أداء متكامل، وعلى رأسهم النجمة ريم أحمد، إلى جانب تألق ميدو عبد القادر ومحمد حسيب؛ مما جعل العرض نموذجاً يحتذى به في المزج بين الإبداع والأداء الفني الراقي».
كما لفت إلى أن «الاهتمام بالتفاصيل كان واضحاً، بدءاً من الديكور والملابس، التي عكست الطبيعة الإسبانية، وصولاً إلى مستوى التنفيذ الذي حافظ على الطابع الفني للعرض، مما جعله أحد أهم العروض المسرحية هذا العام».
وفيما يتعلق بتقديم المسرحيات العالمية على الساحة المصرية، شدد بهجت على ضرورة دمج هذه العروض ضمن المسرح المحلي إلى جانب روائع الأدب العربي، لما لها من تأثير كبير في منح الفرصة للأجيال الشابة للانفتاح على المسرح العالمي، وخلص إلى أن المسارح العالمية لا تزال تقدم أعمالاً لشكسبير وموليير، مما يؤكد أن استمرار تقديم هذه الروائع هو جزء لا يتجزأ من نمو الحركة المسرحية وتطورها.