«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

معرض مصري للفنان هاني مجلي يضم 35 عملاً

الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
TT

«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)

النظر إلى إحدى القطع الفنية الخشبية، والتجول حولها، يعني رؤية الفن نفسه، والشعور به والتأثر به، من دون الحاجة إلى لمسه أو محاولة الوصول إلى الأفكار التي تقف وراءه.

وربما ما يُفسّر ذلك أن هذه القطع تعكس تجارب إبداعية تستند إلى خامة طبيعية، لها خصوصيتها التي تخاطب الأرواح قبل أن تجتذب الحواس البصرية.

وعلى الرغم من العنوان الذي يبدو طويلاً و«معقّداً» لمعرضه «أثر مكتشف متهالك شديد القِدم»، فإن التشكيلي المصري، المولع بالخشب، هاني مجلي الفقي قدّم أعمالاً تتمتع بالبساطة المفرطة، طارحاً قضايا فلسفية وتراثية وحضارية بلغة فنية تخلو من التعقيد.

وعن ذلك، يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «ترتبط عناوين معارضي بكونها قائمة فكرياً على التجريب، فهي تحمل تجربة حقيقية، وليست مجرد عنوان فلسفي أو تخيّلاً لشيء ما».

ويتابع: «هذا العنوان ناتج عن تجربة عملية، استغرقت سنوات قضيتها ما بين الخامات المستدامة والبيئية والتقليدية، ولحظات وثيقة الصلة بالفن والإنسان والأرض، وذلك ما أفعله دوماً في معارضي، وليس في هذا المعرض فقط».

ويضيف: «ومن هنا، تكون العناوين مستلهمة من مواقف وعناصر إنسانية تأثّرت بها، وذات علاقة قوية بفكرة السكن والصمود والدفء».

صاحب المعرض ينظر إلى الخشب ككائن حي يشبه الإنسان (الشرق الأوسط)

ويُعدّ الفنان معرضه المقام في متحف «أحمد شوقي» بالقاهرة حتى 21 يونيو (حزيران) الحالي ذا علاقة قوية بالحياة والإنسان، لأن محتوياته مصنوعة من الخشب.

يقول مجلي: «أنظر إلى الخشب ككائن حيّ، يشبه الإنسان؛ كلٌّ منهما يتقدّم في العمر، ويمرّ بمراحل حياتية مختلفة، كما أن كلاً منهما يتعرّض لأزمات وأحداث سعيدة ومؤلمة على السواء، بل إنهما يشتركان في كونهما يتعرّضان لمواقف خذلان واستغناء في بعض الحالات؛ ولذلك جمعت بين الخشب والبورتريه في معظم أعمالي».

يزيل الفوارق بين المسميات الفنية (الشرق الأوسط)

ويتابع: «قد تكون نظرتي إليه فلسفية، لكنها حقيقة. على سبيل المثال، على المستوى الشخصي، كنت عند النظر إلى كرسي اعتادت والدتي الجلوس عليه ألاحظ علامات يديها عليه، في حين أنه لو لم يكن من الخشب، ما كان ذلك ليحدث».

أيضاً استعان الفقي في خلفية إحدى لوحاته، وهي «على حافة النهر»، بأجزاء من مجموعة كراسي خشبية كانت واسعة الانتشار في البيوت المصرية في القرن الماضي، وتُعرف باسم «كرسي القهوة».

وكانت هذه الكراسي تزدان بطباعة أيقونات مصرية مثل الأهرامات، أو زهرة اللوتس، أو الملكة نفرتيتي على أجزاء منها، فاستعان بتلك الأجزاء ليطعّم بها لوحته؛ فجاءت محمّلة بأبعاد حضارية واجتماعية وثقافية.

أعمال الفقي تعكس حالة من التنقيب عن الأثر الإنساني (الشرق الأوسط)

يقول: «هذه الكراسي لها دلالات عميقة، وتعبّر عن الفكر التشاركي عند المصريين؛ فلم يخلُ منها منزل مصري في السابق، وكانت حاضرة في الأفراح والمآتم، ويتشاركها الجيران عند الحاجة».

ويواصل: «بعضها تعرَّض في هذا القرن للخذلان، حين استغنى الجيل الجديد من بعض الأسر عنها بدلاً من إصلاحها، وبعضها تمسّك بها أصحابها، تماماً مثل الإنسان الذي يتعرّض لمثل هذه المواقف!».

إذن، يستكشف الفنان، كما يشير عنوان معرضه، الأثر بشكل عام داخله وحوله: «تأخذ أعمالي الجمهور في رحلة من الاكتشاف، سواء لي أو لخاماتي أو التقنيات الجديدة التي استطعت الوصول إليها».

ويتابع: «لكن قبل ذلك، هي تمثّل حالة من التنقيب عن الأثر الإنساني في كل مكان أصل إليه؛ فأبحث عن أي أشياء من صنع الإنسان، ومن حياته، أو أشياء تغيّرت وتكوّنت عليها طبقات بفعل الزمن».

يحتفي الفنان هاني مجلي الفقي بالبورتريه (الشرق الأوسط)

«في هذا السياق، تستوقفك في أعماله أجزاء مأخوذة من أشياء قديمة مرّت عليها عشرات السنين، ومنها أبواب عتيقة شاهدة على ذكريات وأحداث ولحظات عاطفية احتضنتها البيوت، وكانت زاخرة بالحياة. يُعيد الفنان معالجتها وتصليحها وتوظيفها في لوحاته: «أقوم بما يُعرف بإعادة التدوير لأثر الإنسان، لكن ليس بوصفه عملية صناعية بحتة، إنما بمعنى منحها حياة أخرى؛ لتبقى سنوات كثيرة مقبلة، وتشهد ما تشهده من مواقف جديدة، فتصبح أثراً جديداً في الحياة».

أحد الأعمال بالمعرض (الشرق الأوسط)

من هنا، يُعِدُّ النحات المصري أي عمل يقدمه أنه «ماستر بيس» أو قطعة واحدة لا تقبل التكرار؛ يقول: «عندما تُنتج عملاً فنياً من الخشب، فإنه من المستحيل أن تستنسخه؛ لأنك لن تجد نفس القطعة بالآثار نفسها التي تحملها، سواء ما كان عليها تهشير أو تكسير أو تجازيع، أو آثار من الألوان، أو أحاسيس شعرت بها حين تحملها بين يديك».

ويتابع: «لذلك أشعر بأن (البالتة الخشبية) الخاصة بي واحدة ولن تتكرر مرة أخرى، وحين أنتهي من عمل ما أبحث عن أثر آخر حتى أشكّل به عملاً جديداً لا أعرف كيف سيكون حين أنتهي منه، وهذه هي متعة العملية الإبداعية باستخدام الخشب؛ فأنت لا تعرف أبداً إلى أين قد ينتهي بك الأمر».

أمام أعماله المتنوعة التي تبلغ 35 عملاً ما بين المسطحة والمركبة والمجسمة، الغائرة والبارزة، المطعمة بأخشاب وخامات أخرى، أو الخالية من أي عناصر إضافية، قد تُصيبك الحيرة في المسمى الفني الدقيق لها وله!

توثق لوحاته النحتية لحظات إنسانية مؤثرة (الشرق الأوسط)

فهل تُعدُّ لوحات نحتية أم قطعاً نحتية أم «بورتريهات» أم تماثيل في بعض الأحيان؟ وأيضاً، هل نحن أمام نحَّات أم مصوِّر؟ لكن حين تتحدث مع الفقي عن ذلك، تكتشف أنه لا تشغله هذه المسميات وغيرها من الأصل.

يقول: «ما يعنيني هو انتماء أعمالي لفنون الخشب، وأن أعمل على إزالة الفواصل بين المسميات؛ فالعمل يكتسب أهميته من قيمته الفنية لا اسمه»، مشيراً إلى أن «الاتجاهات المعاصرة وفنون ما بعد الحداثة تُعزز جمع الفنان بين فنون عدّة حتى في العمل الواحد».

في أعماله أجزاء خشبية عتيقة (الشرق الأوسط)

لا يتوقف جهد هاني مجلي الفقي، المدرس في كلية التربية النوعية جامعة سوهاج، بمجال الأخشاب على العمل الأكاديمي وتعليم تقنياته، كما لا يقتصر على تقديم أعمال فنية من هذه الخامة، إنما يُجري أبحاثاً علمية تُنشر في مجلات علمية محلية ودولية حولها.

يقول: «يدخل الخشب في مجالات تطبيقية كثيرة إلى جانب الفنون، وهو ما يقتضي عمل دراسات وأبحاث مستمرة لتطويره الاستدامة وتحقيقها، وهو ما أعكف عليه بجانب أعمالي الفنية».


مقالات ذات صلة

«الصيرورة» موضوع «آرت بازل قطر» في نسخته الافتتاحية

يوميات الشرق «الصيرورة» موضوع «آرت بازل قطر» في نسخته الافتتاحية

«الصيرورة» موضوع «آرت بازل قطر» في نسخته الافتتاحية

في نسخته الافتتاحية، سيبتعد «آرت بازل قطر» عن نموذج المقصورة التقليدية ليقدم شكلاً جديداً للمعرض يرتكز على الرؤية الفنية والدقة المفاهيمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بوابة الفتوح في القاهرة التاريخية (محافظة القاهرة)

معرض فوتوغرافي يحتفي بمرور 1056 عاماً على تأسيس مدينة القاهرة

تحتفل مصر بمرور 1056 عاما على إنشاء مدينة القاهرة، العاصمة المصرية التي يعود إنشاؤها للعصر الفاطمي.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق عرائس «ماتريوشكا» في المعرض (الشرق الأوسط)

«حكاوي ماتريوشكا»... معرض قاهري يحمل رسالة سلام بالدمى الروسية

قدّمت الفنانة الدُمية في معرضها بطابع مصري؛ فتشعر كأنها وصلت إلى قاعة العرض للتوّ من حي «الأنفوشي» في الإسكندرية مرتدية «الملاية اللف» المزينة بالترتر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق «انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)

«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

تُبحر الفنانة لارا زنكول بعدستها في أعماق الحلم فترسم بالضوء ملامح أنوثة تسبح بين السكون والماء.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تتألق الأصالة وتتجلّى الثقافة السعودية بكل تنوعها (إكسبو السعودية)

‏85 يوماً لرحلة الثقافة السعودية في «إكسبو أوساكا»

عبَرت رحلة الثقافة السعودية المشاركة في «إكسبو أوساكا»، ثاني أكبر جناح بعد الدولة المستضيفة، يومها الخامس والثمانين وقدمت لأكثر من مليون زائر الثقافة السعودية.

عمر البدوي (الرياض)

عمّا تحدث ترمب وأوباما في جنازة جيمي كارتر؟ كتاب يكشف

دونالد ترمب (وسط) يجلس إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في جنازة جيمي كارتر (أ.ب)
دونالد ترمب (وسط) يجلس إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في جنازة جيمي كارتر (أ.ب)
TT

عمّا تحدث ترمب وأوباما في جنازة جيمي كارتر؟ كتاب يكشف

دونالد ترمب (وسط) يجلس إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في جنازة جيمي كارتر (أ.ب)
دونالد ترمب (وسط) يجلس إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في جنازة جيمي كارتر (أ.ب)

دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس الأسبق باراك أوباما للعب جولة غولف في أحد ملاعبه العديدة خلال اللقطات التي انتشرت على نطاق واسع، وأظهرت الرجلين في جنازة الرئيس السابق جيمي كارتر في يناير (كانون الثاني)، وفقاً لكتاب جديد.

طلب الرئيس المنتخب آنذاك من سلفه الانضمام إليه في لعبة الغولف، حيث فاجأ الخصمان السياسيان العالم بمجاملاتهما خلال جنازة كارتر الرسمية داخل كاتدرائية واشنطن الوطنية في 9 يناير 2025، بحسب صحيفة «نيويورك بوست».

ووفقاً لمقطع من كتاب «2024: كيف استعاد ترمب البيت الأبيض وخسر الديمقراطيون أميركا»، وبحسب موقع «أكسيوس»، «جلس ترمب بجانب باراك أوباما ودعاه للعب الغولف».

يُسلّط الكتاب الضوء على عودة ترمب إلى البيت الأبيض عام 2024، وحملتي الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس. وقد كتبه الصحافيون السياسيون جوش داوسي، وتايلر بيجر، وإسحاق أرنسدورفن، الذين عملوا في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الحملة الرئاسية لعام 2024.

ولم يكن معروفاً متى تمت دعوة أوباما إلى أحد الملاعب الـ17 المملوكة لترمب أثناء الجنازة، أو ما إذا كان الديمقراطي قد قبل الدعوة.

التُقطت صورٌ للرجلين وهما يبتسمان ويضحكان قبل بدء مراسم جنازة كارتر.

يُعتقد أن الرجلين استخدما تعابير وجهيهما المرحة لإخفاء محادثة أكثر جدية عن أعين المتطفلين.

في إحدى اللحظات، أخبر ترمب أوباما أن عليهما «البحث عن مكان هادئ» في وقت لاحق من اليوم لمناقشة «مسألة مهمة»، وفقاً لقارئ الشفاه جيريمي فريمان.

لاحقاً، انحنى ترمب نحو أوباما، قائلاً لنظيره: «لقد انسحبتُ من ذلك. إنها الشروط. هل يمكنك تخيّل ذلك؟».

وانسحب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه أوباما عام 2015 واتفاقية باريس للمناخ عام 2016 في ولايته الأولى، مع أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقيات هي ما كان يُناقش.

وقال ترمب: «لا أستطيع التحدث، علينا إيجاد مكان هادئ في وقت ما. هذه مسألة بالغة الأهمية، وعلينا القيام بذلك في الخارج حتى نتمكن من التعامل معها، بالتأكيد، اليوم».

وأفاد لاحقاً بأنه «لم يُدرك مدى ود» أوباما حتى تبادلا أطراف الحديث.

وصرّح لشبكة «إن بي سي نيوز» من ناديه مارالاغو في فلوريدا عقب الجنازة: «قلتُ: يا إلهي، يبدو أنهما شخصان يُعجبان ببعضهما بعضاً. وربما نُعجب ببعضنا بعضاً».

جلس ترمب بجانب أوباما في الصف الثاني من الكاتدرائية الوطنية لأن السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما كانت في هاواي ولم تحضر الجنازة بسبب «تضارب في المواعيد».

رفضت السيدة البالغة من العمر 61 عاماً حضور حفل تنصيب ترمب لولاية ثانية داخل مبنى الكابيتول في 20 يناير (كانون الثاني). وحضر الرئيس أوباما الحفل بمفرده.

كان أوباما صريحاً في انتقاد سياسات ترمب، لكنه أدلى بتصريحات علنية نادرة، بما في ذلك بعد إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).