قصة منزل على البحر في بيروت تفوز في «ترينالي ميلانو»

عبر الجناح اللبناني «وقُبَل للبحر والبيوت» للقيمة ألى تنير

في البيت القديم
في البيت القديم
TT

قصة منزل على البحر في بيروت تفوز في «ترينالي ميلانو»

في البيت القديم
في البيت القديم

«وقُبَل للبحر والبيوت» أغنية وقصة حب وعنوان لمعرض الجناح اللبناني في «ترينالي ميلانو» الذي فاز بجائزة النحلة لأفضل مشاركة دولية.

يجمع المعرض، الذي نظمته ألى تنير، بين الفن المعاصر والحفاظ على العمارة لاستكشاف العلاقة المعقدة بين تراث بيروت المعماري ومشهدها الحضري المتغير بسرعة.

يستمر المعرض في ميلانو حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، حيث ستتاح للزوار فرصة الاطلاع على قصة ترميم أحد المنازل القليلة المتبقية من أواخر عشرينيات القرن الماضي، التي صمدت في وجه مختلف أشكال العنف وضغوط التطوير العقاري، ولا تزال قائمةً على شاطئ بيروت حتى اليوم.

بدلاً من الاعتماد على الأساليب التقليدية في الحفاظ على العمارة وتمثيلها، يجمع المشروع بين أساليب فنية وتجريبية تُعيد إنتاج المنزل جزئياً، التي تم من خلالها ترميمه مؤخراً.

قصة البيت المطل على البحر

استطاعت ألى تنير جمع كل هذه العناصر عبر تقديمها لقصة ترميم منزل عائلتها في بيروت. الجناح يضم عدداً من الأعمال الفنية التي تروي قصة البيت الواقع في منطقة عين المريسة ببيروت. يشير بيان العرض إلى البيت بصيغة فيها الحب والفخر والحزن «يقف منزلنا، متواضعاً عند زاوية للبحر شاهد وضحية لأمواج العنف التي فرضت على أرضنا، هذا البيت العادي بناه أناس عاديون منيرة تنير ومحمود عميش والدا جدتي. منذ بضع سنوات مزق الانفجار الهائل في المرفأ النسيج الحضري لبيروت، ولم يستثن منه منزلنا».

يصبح تأمل العرض والأعمال الموجودة به مثل الدخول في حكاية بدأت أحداثها في عشرينيات القرن الماضي، وما زالت تتطور اليوم.

في البيت القديم

تحكي لنا ألى تنير عن مشروعها القائم حالياً في بيروت، وهو لترميم المنزل الذي طاله الدمار جراء انفجار المرفأ في عام 2020. تقول: «يعود تاريخ بناء البيت المطل على البحر لعام 1925 وبقي شاهداً على تاريخ طويل حتى بعد تهدم مبانٍ مشابهة.

في 2021 زرت البيت، وكنت أنوي عمل بعض الإصلاحات، ولكن عندما رأيته أدركت أهميته، فهو من طراز معماري لا نرى منه الكثير اليوم. بدأت بعملية الترميم، ولم أرد أن تكون عملية عادية، كنت أريد تسجيل كل تفاصيل البيت، وأصبح عندي هوس بتسجيله من كل النواحي».

أصبح البيت مشروعاً متعدد الجوانب لدى ألى تنير، فإلى جانب ترميم الأجزاء المتضررة منه أرادت أن يكون راوياً لتاريخ بيروت وعلاقتها الحميمة بالبحر. «قررت أن أتعاون مع فنانين ومصممين وحرفيين لعمل مداخلات فنية داخل البيت توثق لإعادة إعماره».

مداخلات فنية

في عملية الترميم التي انعكست في الجناح بميلانو استعانت تنير بخمسة فنانين لعمل مداخلات فنية تستكشف البيت وتاريخه وتراثه: «المعرض في ميلانو كان أول خطوة لترميم البيت حتى تكون عندنا هذه المساحة التي يمكن استغلالها كمنصة ثقافية وفنية».

انطلقت تنير في عملية الترميم من مشربية البيت ذات التصميم المميز التي تضررت بفعل الانفجار، ولكن بدلاً من إعادتها لشكلها القديم قررت الاستفادة من الفرصة لعمل مداخلة فنية: «بدلاً من إعادة المشربية للشكل الأصلي قررت عمل مداخلة فقط في الفجوة التي تسبب فيها الانفجار، تعاونت مع المصممة والفنانة جنى طرابلسي وطلبت منها التفكير فيما يمكن عمله. استخدمت جنى القطع المتكسرة المتبقية وركبتها مرة أخرى لتكون صورة للبحر المطل عليه البيت».

مشربية البيت تحولت لعمل فني للفنانَين جنى طرابلسي وألى تنير.

المعرض في ميلانو

بالنسبة إلى تفاصيل العرض في «ترينالي ميلانو» تشير إلى أن المشربية التي نفذتها الفنانة جنى الطرابلسي كانت العمل الأول الذي فكرت في تقديمه في المعرض. كذلك قدم العرض فيلماً وثائقياً من إخراج بانوس أبراهاميان مع فيكين أفاكيان، يوثق حوارات مع أقدم سكان البيت. الفيلم وثق البيت كمبنى من جهة، وأيضاً وثَّق أحاديث وذكريات «خالو عزيز»، وهو خال والد ألى تنير: «هو المسن الوحيد على قيد الحياة من عائلة أبي، وهو ولد بهذا البيت في 1928 (97 عاماً)، ويعيش في الطابق العلوي. يحكي لي في الفيلم عن تاريخ البيت والعائلة، وأيضاً عن تاريخ المنطقة حول البيت. وعبر الأحاديث نفهم كيف تغيرت علاقة المدينة بالبحر».

جانب من العرض يظهر فيه عرض لفيلم وثائقي حول البيت (ألى تنير)

تشير إلى قصة رواها الخال عزيز وهي عن جدتها وجدها «هي قصة حميمية عن جدتي التي عانت من موت أطفالها وبعد فقدان طفلها السابع لجأت وزوجها إلى شيخ في الشام الذي أعطاهم «حجاباً» طلب منهم رميه في البحر. وقام الخال عزيز برمي الحجاب في البحر، وبحسب روايته أنجبت جدتها عدداً من الأطفال منهم والدها». تشير إلى أنها أرادت تقديم إيماءة من خلال القصة لعلاقة العائلة بالبحر. اتخذت من القصة مدخلاً لتنفيذ عمل فني داخل البيت «قررت العمل مع المعماري ومؤرخ الفن الإسلامي خالد ملص وهو من الشام، وكلفته بعمل تصميم لفتحات التكييف كمكان لمداخلة فنية أخرى تحكي عن هذه القصة. استخدم ملص أطول ثلاث كلمات في القرآن كان تستخدم للتعوذ والدعاء بالحماية، وكتب كلاً منها على غطاء لفتحات التكييف في البيت، واستخدم الحديد المعروف بقوته وحبات اللؤلؤ لوضع النقاط على الأحرف. "بهذه الطريقة عندما ينفث المكيف هواءً بارداً فكأنه يحمل معه نفحات تحمي وتحافظ».

من الأعمال الأخرى التي يجمعها الجناح كانت إحاطة إطارات جدارية تم الكشف عنها أسفل الطلاء في غرف المنزل بشرائط من كاسيت قديم. «تواصلت مع خيام اللامي، وهو فنان وموسيقي عراقي بريطاني لعمل تمثيل صوتي للبيت، وبالفعل اخترع تركيباً صوتياً متعدد القنوات باستخدام القياسات المعمارية والخصائص الصوتية للمنزل باستخدام العود، وسجل النغمات على كاسيت، وقررنا أن يلف الشريط حول الإطارات على الحائط، وكأنها حماية شعرية للأشكال المكشوف عنها».

جانب من الجناح اللبناني وتظهر اعمال ألى تنير ولارا تابت وجنى طرابلسي

أما القطعة الخامسة فكانت للفنانة والطبيبة لارا تابت التي استخدمت مياه البحر ومياه من البيت لتكوين أشكال بكتيرية استخدمت لعمل أوراق حائط لإحدى الغرف، وأيضاً لتكوين الزجاج الملون الموجود على فتحة جدارية بالغرفة.

كما ضم الجناح مخططات ضوئية كيميائية كاملة الحجم لواجهاته تميزت بخطوطها الزرقاء.

ألى تنير أثناء العمل (ألى تنير)

بالنسبة إلى ألى تنير، يمثل هذا العمل التجريبي في مجال الحفاظ المعماري الخطوة الأولى في تحويل المنزل في بيروت إلى «يُموم»، وهو مساحة ثقافية جديدة للفنون والبحث ودراسة المناظر الطبيعية للبحر الأبيض المتوسط - وخاصةً جغرافيته الشرقية والجنوبية.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق الفنان حسين فهمي ووزير الثقافة المصري خلال جلسة حوارية (وزارة الثقافة المصرية)

حسين فهمي لـ«الشرق الأوسط»: السينما تأثرت كثيراً بالفن التشكيلي

 أكد الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، على إقامة معرض يجمع بين الفن التشكيلي والسينما سيكون أحد الملامح المهمة للدورة 46 لمهرجان القاهرة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من الأعمال المعروضة في بهو قصر الفنون (الشرق الأوسط)

مصر: «المعرض العام» يتحرر من الكلاسيكية

تتقاطع الفنون التشكيلية بمختلف مفاهيمها وخاماتها وأساليبها الفنية هذه الأيام في «قصر الفنون» بمصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق الكاميرا لا تلتقط... إنها تشهد (الجهة المنظّمة)

معرض «ما بين السماء والبحر»... الوجع الفلسطيني إلى أميركا

بين الجمال والخوف، يُصوّر المعرض كيف يمكن أن يمنح البحر والسماء لحظة هدوء، حتى حين يكونان شاهدَين صامتَين على المأساة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
سيدة تنظر للوحة «العشيقة والخادمة» في مدينة نيويورك (أ.ف.ب)

«رسائل حب» من فيرمير محور معرض يقتصر على 3 لوحات

يتحدى متحف «مجموعة فريك» في نيويورك التقليد المتعارف عليه عبر تقديم معرض يقتصر على ثلاث لوحات تحمل توقيع يوهانس فيرمير تتمحور حول رسائل حب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
TT

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)

استعان مهرجان «موازين»، في دورته الـ 20 والتي تقام فعالياتها حالياً في العاصمة المغربية الرباط، بشخص شبيه للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، ليجسد صورته «الهولوغرامية»، مع الاستعانة بصوته الأصلي لتقديم عدد من أغنياته، التي تعود ملكيتها للمنتج محسن جابر، وذلك لتجاوز الأزمة التي نشبت قبل الحفل بين ورثة العندليب وإدارة المهرجان.

وخرج الحفل «الهولوغرامي»، الذي أقيم على خشبة «المسرح الوطني... محمد الخامس» للنور، ورفع شعار «كامل العدد»، حسب إدارة المهرجان، بعد أزمة كبيرة دارت خلال الأيام الماضية بين ورثة العندليب، وإدارة مهرجان «موازين»، التي استعانت بشركة أخرى غير التي تتعاون مع الورثة، نظراً لأنها ليست شركة مغربية خالصة، وفق بيان للمهرجان.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

الحفل الذي رفع شعار «كامل العدد»، حضره نخبة من الشخصيات الرسمية، وفق بيان المهرجان، الذي أكد أن كل ما نشر عن إلغائه أو منعه لا يمت للحقيقة بصلة، وكان الغرض منه إثارة الجدل فقط، وأنه أُقيم بشكل قانوني، بعد حصولهم والشركة المنظمة على جميع التصريحات الرسمية من المنتج محسن جابر، صاحب الحقوق الحصرية لأرشيف عبد الحليم.

وتعليقاً على الحضور اللافت للحفل، «الهولوغرامي»، من جميع المراحل العمرية، حسب البيان، وبعيداً عن أزمة «الملكية الفكرية»، يرى نقاد أن الحنين للكلمة واللحن، وحضور أحد نجوم «الزمن الجميل»، مجدداً هو أساس جماهيرية هذه الحفلات.

الناقد الموسيقي المصري محمد شميس يرى أن هذا النوع من الحفلات الغنائية ينعش الحنين لمطرب تابعه جمهوره، وارتبطوا بأعماله وأغنياته على الشاشة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رؤيته مجدداً على المسرح عن طريق هذه التقنية والتفاعل معه، أمر رائع وشعور جيد، لذلك تحظى هذه الحفلات غالباً بحضور، خصوصاً إذا كانت لمطرب له جماهيرية طاغية.

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان بـ فيسبوك)

وافتتح الحفل، بأغنية «الماء والخضرة والوجه الحسن»، التي قدمها عبد الحليم خصيصاً للمملكة المغربية، كما استمع الجمهور خلال الحفل لباقة من أغنيات «العندليب» الشهيرة من بينها، «أول مرة تحب يا قلبي»، و«بلاش عتاب»، و«أسمر يا أسمراني»، و«جبار»، و«بتلوموني ليه»، و«جانا الهوا»، و«حبك نار»، و«سواح».

ورغم شعار «كامل العدد»، الذي رفعه الحفل، وفق إدارة المهرجان، لكن حساب «عبد الحليم»، بـ«فيسبوك»، وصفه بأنه «مهزلة وفضيحة كبري، ومثير للاشمئزاز»، حيث ظهر حليم بشكل كارتوني مضحك، حسبما كتبت الصفحة، واستكمل الحساب الذي يدار بمعرفة «ورثة» العندليب، بأن «الحفل سيكون سقطة في حق المهرجان».

وبدأت أزمة الحفل التي أثيرت خلال الأيام الماضية، عقب إعلان صفحات المهرجان «السوشيالية»، عن إقامته، الأمر الذي أثار حفيظة أسرة العندليب، والتي أعلنت عبر بيان صحافي، أنها ستقوم بمقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، لعدم التواصل أو الاتفاق معهم بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

ويقول الناقد الموسيقي المصري أمجد مصطفى: «إن هذا النوع من الحفلات يحظى بحضور كبير، نظراً للحنين الجارف لهؤلاء النجوم، وأعمالهم التي أثرت الساحة الفنية»، وأوضح مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن إقامة هذه الحفلات في إطار منظم وعدم الإساءة لاسم النجم وشكله، أمر رائع ومتاح لتوثيق حضورهم مجدداً، كي تتعرف عليهم الأجيال الحالية.

وأكد مصطفى أن من حق «ورثة»، عبد الحليم، الاعتراض على إقامة الحفل إذا كان يسيء له، لكن خلاف ذلك فوجود اسمه، وغيره من النجوم بأعمالهم في حفلات وأعمال درامية أيضاً، أمر مهم للتوثيق الفني.

لم يكن حفل «العندليب»، الهولوغرامي، الأول من نوعه خلال مهرجان «موازين»، فقد تم استخدام التقنية نفسها، العام الماضي، في حفلين سابقين لـ«أم كلثوم»، وفق إدارة المهرجان.

الناقد الفني المصري محمد شوقي أكد أن نجاح هذه الحفلات يعود لكون الأغنيات التي تقدم بها تحمل مشاعر وأحاسيس ومعاني افتقدناها بشكل كبير في الإنتاجات الفنية الحالية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحفلات تعد فرصة جيدة للتحليق في سماء الفن، وظاهرة صحية نتيجة الظروف القاسية التي نعيشها».

وقدم عبد الحليم حافظ عدداً كبيراً من الأفلام العربية، التي اتسمت بالطابع الغنائي من بينها، «لحن الوفاء»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد غرام»، و«دليلة»، و«الوسادة الخالية»، و«شارع الحب»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، «أبي فوق الشجرة»... وغيرها.