كيف أثر «جنون» الذهب على «شبكة العروس» في مصر؟

أسعاره شهدت قفزات قياسية في الآونة الأخيرة

الذهب ذو العيارات الأقل والوزن الخفيف فرض نفسه على شبكة العروس (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)
الذهب ذو العيارات الأقل والوزن الخفيف فرض نفسه على شبكة العروس (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)
TT

كيف أثر «جنون» الذهب على «شبكة العروس» في مصر؟

الذهب ذو العيارات الأقل والوزن الخفيف فرض نفسه على شبكة العروس (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)
الذهب ذو العيارات الأقل والوزن الخفيف فرض نفسه على شبكة العروس (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

تحت ضغط ارتفاع أسعار الذهب في مصر، اقتصر ما قدمه الشاب المصري، محمود حسني، إلى خطيبته من حُلي ذهبية على «دبلة وخاتم ومحبس»، عيار 18، قيمتها 40 ألف جنيه (نحو 800 دولار)، وهو ما ارتضت به أسرة العروس، أمام الارتفاعات القياسية لأسعار الذهب في البلاد.

وقال محمود، الذي يقطن بمدينة المحلة الكبرى (دلتا مصر)، لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 3 سنوات قمت بخطبة لم تكتمل، وقتها أحضرت بنفس قيمة الأربعين ألف جنيه إلى جانب الدبلة والخاتم والمحبس، سلسلة ذهبية وأسورة وقرطاً، جميعاً عيار 21، وهو ما يعكس التحول الكبير في أسعار شبكة العروس».

تعد «الشبكة» جزءاً أصيلاً من مراسم الزواج في مصر، لكن في الآونة الأخيرة، بات هذا العرف يواجه تحدياً غير مسبوق مع الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب، وعلى رأسه الذهب عيار 21، الأكثر شيوعاً في هذه المناسبات.

وشهدت أسعار الذهب في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية قفزات جنونية، فبينما سجل سعر غرام الذهب عيار 21 في أول أيام 2022 قيمة (799 جنيهاً)، ارتفعت القيمة لتسجل مع أول أيام 2025 قيمة (3740 جنيها)، فيما وصل الأسبوع الجاري لـ(4655 جنيهاً).

قائمة بأسعار الذهب الأربعاء في مصر (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

ويضيف محمود، الشاب الثلاثيني: «لم يعد شراء الشبكة أمراً يسيراً مقارنة بالماضي، فمع كل ارتفاع في أسعارها، يجد المقبلون على الزواج أنفسهم أمام معادلة صعبة، فإما تقليل الغرامات والعيارات، أو تأجيل الخطوة لحين تحسن أوضاعهم الاقتصادية».

ولم يعد من المستغرب سماع قصص عديدة عن تنازل أسر مصرية عن عدد الغرامات، أو التخلي عن قطع ذهبية بعينها، والاكتفاء بخاتم، أو دبلة ذهبية على أنها رمز للارتباط.

وفي ظل هذا الواقع، بدأ الذهب ذو العيارات الأقل والوزن الخفيف يفرض نفسه بديلاً عملياً، ولم يعد غريباً تقديم سلسلة رقيقة، أو أقراط صغيرة، بل أصبح هذا الخيار هو ما تتسابق محال الذهب لتقديمه في تصميمات وتشكيلات متنوعة تناسب مختلف الميزانيات، كما لجأت المحال إلى تقديم «علب جاهزة» لشبكة العروس، على أنها عروض اقتصادية للمقبلين على الزواج، تحتوي على قطعتين، أو ثلاث قطع فقط.

كذلك، ظهرت الفضة بديلاً عن الذهب أحياناً، والتي فرضت نفسها بتصميمات أنيقة ومُطعمة بالأحجار الكريمة، ما جعلها خياراً آخر جاذباً للبعض.

تغيرات لافتة

وتغير ملامح «الشبكة» يوضحها أمير رزق، وهو خبير مصري في مجال المصوغات والمشغولات الذهبية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «متوسط الذهب المقدم في الشبكة شهد تراجعاً كبيراً على مر السنوات، ففي الماضي، كانت الشبكة تتراوح بين 70 و100 غرام، ثم انخفض متوسطها إلى 50 غراماً لفترة طويلة، ثم إلى 30 غراماً. واليوم، لا يتجاوز المتوسط 10 غرامات، أو ما يزيد قليلاً، حيث تقتصر غالباً على خاتم ودبلة فقط».

بدوره، يؤكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، فايز الخولي، لـ«الشرق الأوسط»، أن متوسط غرامات الشبكة يشهد حالياً انخفاضاً ملحوظاً يتراوح بين 10 إلى 20 غراماً فقط، ويخضع هذا وفق الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الزوجان، والتقاليد الموروثة في بيئة الزواج، موضحاً أن التمسك بشراء كميات كبيرة من الذهب (تصل إلى 200 أو 300 غرام) لا يزال قائماً في بعض المناطق، وفي المقابل هناك قطاع متزايد بدأ في التنازل عن الكميات، وإعطاء الأولوية لتأمين مسكن آمن ومستقر للزوجين.

متوسط غرامات الذهب المقدم في «شبكة العروس» شهد تراجعاً (رويترز)

اقتصادياً، يؤكد رئيس مركز «المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية»، عادل عامر، لـ«الشرق الأوسط» أن التلاقي بين صعود أسعار الذهب ومعدلات التضخم المتزايدة وضعف الأجور أحدث تحولاً ملحوظاً في عادات الزواج، وأعاد تشكيل تقاليد «شبكة العروس»، لا سيما بالبحث عن بدائل أكثر اقتصادية، أبرزها الذهب عيار 14، والذهب الصيني، والفضة.

تخفيف الأوزان

ويشير إلى أن الأثر الاقتصادي لهذا التحول امتد إلى تقويض القدرة على توفير الحد الأدنى من «الشبكة»، مما نتج عنه انخفاض سنوي في حالات الزواج. ومن جانب آخر، تأثرت سوق الذهب نفسها بتراجع عمليات البيع والشراء فيها بشكل كبير مع تراجع القدرة الشرائية.

ووفق خبير المشغولات الذهبية، اضطر الصاغة والصناع إلى تبني استراتيجية جديدة في مواجهة انخفاض الطلب، بالاتجاه إلى تخفيف أوزان مشغولاتهم. فعلى سبيل المثال، الأساور التي كانت تتراوح بين 7 و10 غرامات قلت لـ3 فقط، أما السلاسل التي كانت تزن 4 غرامات فتراجع وزنها إلى غرام واحد، بهدف توفير خيارات أكثر اقتصادية للمستهلكين.

محال الذهب في مصر تقدم تشكيلات وعروضاً اقتصادية للمقبلين على الزواج (رويترز)

ويعود أستاذ علم الاجتماع للحديث، مؤكداً قدرة المجتمع المصري على التكيف مع التكاليف المتزايدة للزواج، مشيراً إلى دور الحملات الإلكترونية والاجتماعية التي ظهرت خلال السنوات الماضية وطالبت بالاستغناء عن الشبكة الذهبية، أو البحث عن بدائل، مؤكداً أنها «عملت على الوعي، وغيرت من نظرة المجتمع لشبكة العروس».

إلى ذلك، يحذر الخولي من أن ارتفاع قيمة «الشبكة» لدى الفئات الميسورة قد يزيد من «التفاوت الطبقي» بين الطبقات الاجتماعية، فبينما تتجه بعضها إلى طلب شبكة ألماس باعتبار أنها نوع من التقليد ومؤشر على الثراء، يقتصر طلب غالبية الفئات والشرائح على دبلة وخاتم بسيط. منوهاً إلى التأثير السلبي لبعض محتويات «السوشيال ميديا» والدراما التي تركز على أنماط استهلاكية «مبالغ فيها وغريبة»، والتي قد تشكل وعي الشباب عند الاختيار، وتؤدي إلى ارتفاع التوقعات غير الواقعية.

ويُجمع الخبراء أيضاً على أن ارتفاع أسعار الذهب أثر على ثقافة تقديم الهدايا الذهبية في المناسبات المختلفة، والتي كانت جزءاً من العرف الاجتماعي، حيث استبدل بها المصريون هدايا أخرى تناسب ميزانياتهم.


مقالات ذات صلة

الذهب يستقر قبيل بيانات أميركية حاسمة

الاقتصاد سبائك ذهبية في متجر بلندن (رويترز)

الذهب يستقر قبيل بيانات أميركية حاسمة

استقرت أسعار الذهب يوم الجمعة، إذ عوّض ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية تأثير تراجع الدولار، بينما يترقب المستثمرون بيانات تضخم محورية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إنتاج سبائك الذهب في مصنع معالجة في منجم فارفارينسكوي للذهب في كازاخستان (رويترز)

تراجع الذهب مع توخّي المستثمرين الحذر قبل اجتماع «الفيدرالي»

انخفض سعر الذهب يوم الخميس مع إقبال المستثمرين على جني الأرباح، وتوخّيهم الحذر قبل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أساور وقلادات ذهبية معروضة للبيع في محل ذهب في البازار الكبير في إسطنبول (أ.ف.ب)

الذهب مستقر بانتظار بيانات أميركية حاسمة بحثاً عن إشارات خفض الفائدة

استقرت أسعار الذهب، يوم الأربعاء، حيث أبقى انتعاش أسواق الأسهم وثبات عوائد سندات الخزانة الضغط على المعدن الأصفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق واجهة «بارتريدج جويلرز»... (موقع المتجر)

توجيه تهمة السرقة إلى رجل «ابتلع» قلادة في متجر للمجوهرات بنيوزيلندا

وُجّهت إلى رجل في نيوزيلندا تهمة السرقة بعد أن زُعم أنه ابتلع قلادة من نوع «فابرجيه جيمس بوند أوكتوبوسي» تقدَّر قيمتها بأكثر من 19200 دولار أميركي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار البنك المركزي التركي عند مدخل مقره في أنقرة (رويترز)

«المركزي التركي» يعلن تسهيل لوائح متطلبات الاحتياطي الأجنبي

أعلن البنك المركزي التركي، الثلاثاء، عن قراره باتخاذ خطوات لتسهيل لوائح متطلبات الاحتياطي ومراجعة نسب المتطلبات المتعلقة بالنقد الأجنبي.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.