تمكّن علماء من ابتكار ترانزستور فوتوني يعمل بسرعة بيتاهيرتز (PHz)، وهو أسرع ترانزستور ضوئي تم إنشاؤه على الإطلاق؛ مما يبشر بتحطيم حدود السرعة في الإلكترونيات، والتي ستساعد في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويمكن استخدامها في تخزين الطاقة، وتطوير الأدوية.
أعدّ دراسة باحثون من جامعة أريزونا، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) في الولايات المتحدة، وجامعة لودفيغ-ماكسيميليان في ميونيخ، بقيادة عالم الأتوثانية المصري محمد ثروت حسن، وبيّنوا فيها آلية تبديل تيار بالأتوثانية (as) في ترانزستور ضوئي يعتمد على الجرافين؛ مما يمثل قفزة كبيرة نحو الإلكترونيات الضوئية فائقة السرعة، ومستقبل إلكترونيات موجات الضوء.
وباستخدام نبضات ليزر فائق السرعة، قام الفريق بتحفيز تيارات نفقية كمية في ترانزستور مصمم خصيصاً من نوع (جرافين - سيليكون -جرافين (Gr-Si-Gr أتاح ذلك تبديل تيار بين ON/OFF بسرعة تبلغ فقط 630 أتوثانية، أي ما يوازي (1.6 بيتاهيرتز)، مما يجعله أسرع ترانزستور تم إثباته حتى الآن.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز»، يمثل هذا الإنجاز تحولاً نحو الإلكترونيات التي يقودها الضوء، حيث تُحدد سرعات التبديل بواسطة نبضات الليزر بدلاً من قيود أشباه الموصلات التقليدية. وتمهد هذه الدراسة الطريق للحوسبة من الجيل التالي، ومعالجة الإشارات بسرعة بيتاهيرتز، ونقل البيانات البصرية عالي السرعة، مما يقربنا من تحقيق الحواسيب الكمومية الضوئية.
محمد ثروت حسن، الذي يعمل أستاذاً للفيزياء والضوء بجامعة أريزونا، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الليزر يقوم باستثارة الإلكترونات لتوليد تيار كهربي في الجرافين، ثم تنتقل الإشارة الكهربية من خلال النفق الكمي من الجانب الأيمن للجانب الأيسر من الجرافين من خلال مادة السيليكون، وبالتالي يمكن قياس التيار الكهربي والذي يتبع الشكل الموجي لليزر، وينتج تياراً كهربياً في لحظة من الزمن وبعدها بـ630 أتوثانية يكون التيار الناتج صفراً، أي يقوم بعملية التحويل من تيار، وهي الحالة الممثلة بـ1 في الإلكترونيات الرقمية للحالة صفر».
وتشير الدراسة إلى أن واحداً من أكثر الجوانب المذهلة في هذا الإنجاز هي أن الترانزستور يعمل في ظروف بيئية عادية. فعلى عكس العديد من التطورات السابقة في الإلكترونيات فائقة السرعة التي تتطلب درجات حرارة شديدة الانخفاض، أو بيئات مفرغة من الهواء، يعمل هذا الترانزستور الضوئي في درجة حرارة الغرفة، وتحت الضغط الجوي العادي، وهذه القابلية للتطبيق في العالم الحقيقي تجعله مرشحاً للدمج في الأنظمة الإلكترونية والضوئية فائقة السرعة في المستقبل.
وعلاوة على سرعته القياسية، أثبت الترانزستور أيضاً قدرته على تنفيذ عمليات بوابات منطقية رقمية متعددة، مما يدل على قابليته ليكون مكوناً عملياً للحوسبة عالية السرعة في المستقبل، حيث إن القدرة على التحكم في تدفق التيار من خلال نبضات ليزرية بالأتوثانية تقدم نموذجاً جديداً في إلكترونيات موجات الضوء، ويمكن أن تعيد معالجة المنطق بسرعة بيتاهيرتز تعريف حدود الحوسبة، ومعالجة البيانات.
ويوضح حسن أن: «هذا الإنجاز يفتح المجال أمام إلكترونيات البيتاهيرتز التي تقاس بألف تريليون مرة في الثانية، حيث تُحدد سرعات التبديل بواسطة الضوء نفسه بدلاً من الإلكترونيات التقليدية الغيغاهيرتز التي تقاس بمليار مرة فقط في الثانية. نحن ندخل عصراً يمكن فيه لأجهزة الحاسوب معالجة البيانات بسرعة تقترب من سرعة الضوء».
ويحمل هذا الاكتشاف وعداً هائلاً لتطوير ترانزستورات ضوئية فائقة السرعة، وحوسبة بيتاهيرتز، وإلكترونيات كمومية من الجيل التالي، ومع هذه النقلة النوعية، أصبح حلم الحوسبة الكمومية المعتمدة على الضوء أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى، وفق نتائج الدراسة.
الباحث الأول في تلك الدراسة المصري محمد يحيى، طالب دكتوراه في الفيزياء بجامعة أريزونا، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «أهمية اختراع هذا الترانزستور تتمثل في إنتاج أول تيار كهربي يتغير اعتماداً على زمن النبضة الضوئية، ونتوقع في المستقبل تطوير ترانزستورات أسرع، وبناء معالجات ضوئية تعتمد في الأساس على هذا الترانزستور، وفي هذه الحالة ستكون أجهزة التكنولوجيا (مثل الحواسيب، والهواتف، وغيرها) أسرع بمليون مرة من الأجهزة الحالية»، موضحاً: «كانت الفكرة موجودة بعد نشر آخر بحث عن الترانزستور الضوئي، وقد استغرقت التجارب المعملية حتى نشر الدراسة الحالية 3 سنوات».
بينما يؤكد محمد ثروت حسن أن «هذا العمل هو الخطوة الأخيرة لتطوير شرائح إلكترونية فائقة السرعة، وستساعد في تطوير كل الأجهزة الإلكترونية، والأهم أنها ستساعد في تطوير الحسابات العلمية المعقدة القائمة على استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير تركيبات جديدة للأدوية، وتطوير مواد جديدة لتخزين الطاقة المستدامة، وهذا هو حجر الأساس لإلكترونيات المستقبل المعتمدة على استخدام الليزر فائق السرعة».