مخطوطات ثائر كوري جنوبي تُباع بآلاف الدولارات بعد قرن على إعدامه

بينما ينتظر حبل المشنقة حوَّل سجنه إلى مرسم فنان

حوَّل السجن إلى مرسم (غيتي)
حوَّل السجن إلى مرسم (غيتي)
TT

مخطوطات ثائر كوري جنوبي تُباع بآلاف الدولارات بعد قرن على إعدامه

حوَّل السجن إلى مرسم (غيتي)
حوَّل السجن إلى مرسم (غيتي)

في زنزانة باردة تردَّدت فيها أنفاس الموت، أمسك آن جونغ غُن، الذي كان ينتظر حبل المشنقة، بفرشاة ليحوّل سجنه إلى مرسم فنان. لم يكن يدري أنَّ تلك اللفائف الحريرية التي خطَّها بإحساس الثائر ستتحوَّل، بعد قرن، إلى كنوز يتنافس عليها أصحاب الملايين في قاعات مزادات سيول.

ووفق «سي بي إس نيوز»، يُعدّ آن جونغ غُن بطلاً قومياً في كوريا الجنوبية بفضل جهوده في الدفاع عن البلاد ضدّ الاستعمار الياباني، حيث اغتال رئيس وزراء اليابان الأول، إيتو هيروبومي، بطريقة درامية عام 1909 في محطة قطار بمدينة هاربين. وذكرت «رابطة الدراسات الآسيوية» في آن آربور بميشيغان، أنَّ آن صاح قائلاً: «عاشت كوريا!» لدى اعتقاله.

أعدمت السلطات اليابانية الثائر الكوري شنقاً عام 1910، قبل أشهر من ضمّ طوكيو الرسمي شبه الجزيرة الكورية، مما مهَّد لفترة احتلال وحشي استمرّت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

اليوم، بعد أكثر من قرن على مقتله، تحظى المخطوطة التي أنجزها آن في زنزانته خلال أيامه الأخيرة -وغالباً بطلب من مسؤولين يابانيين- باهتمام متجدَّد في مشهد الفنّ الراقي بمدينة سيول.

لطالما ألهمت حياة آن الفنانين الكوريين عبر الأجيال (إ.ب.أ)

لطالما ألهمت حياة آن الفنانين الكوريين عبر الأجيال. فقد احتُجز في زنزانة بسجن صينيّ لـ40 يوماً تقريباً قبل إعدامه، وشغل نفسه بكتابة سيرته الذاتية وصنع مئات الأعمال الخطّية، من بينها واحدة بطلب من حارس سجنه.

كتب آن، في مذكراته: «قال مسؤولو المحكمة والسجن إنهم يريدون الاحتفاظ بخطّي تذكاراً، فجلبوا لي مئات من أوراق الحرير والورق، وطلبوا مني الكتابة لهم. انتهى بي الأمر بقضاء ساعات يومياً في ممارسة فنّ الخطّ، رغم أنني لم أكن ماهراً فيه بدرجة كبيرة».

ورغم أنه اغتال أعلى مسؤول لديهم، فإنّ اليابانيين الذين حصلوا على أعماله الخطّية احتفظوا بها، وتبرَّع بعض أحفادهم بها لاحقاً إلى الحكومة الكورية الجنوبية، التي صنّفتها كنوزاً وطنية.

وتظهر مزيد من هذه الأعمال اليوم في السوق الفنّية الخاصة، إذ بيعت إحداها الشهر الماضي في سيول مقابل 940 مليون وون (674.098 دولار)، أي أكثر من 3 أضعاف السعر الافتتاحي.

وتحمل هذه القطعة، بعنوان «الخيزران الأخضر»، الرمز التقليدي للنزاهة، توقيع آن، وكانت مملوكة لشخص ياباني لم يرغب في كشف هويته، احتفظ بها بعناية فائقة، وفق المتخصّصة بتقييم الفنون في دار مزادات سيول، كيم جون سون.

وتابعت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لم تكن حتى مؤطَّرة، وكانت لا تزال ملفوفة، لكن عندما فتحنا العلبة، كان عبق الحبر لا يزال عالقاً في الهواء».

يُعدّ آن جونغ غُن بطلاً قومياً في كوريا الجنوبية (إ.ب.أ)

وصفت اليابان آن بأنه مجرم وإرهابي ورفضت تسليم رفاته، ولم يُعثر على جثته قط. وأدَّت محاولات تكريمه من سيول وبكين إلى توتر في العلاقات مع طوكيو، وتسبَّبت في أزمة دبلوماسية قصيرة عام 2013. وعام 2014، انتقدت اليابان نصباً تذكارياً بُني في الصين لتكريم آن، وفق «بي بي سي».

بدوره، قال أستاذ التاريخ في جامعة نيفادا، رينو، يوجين واي بارك، إن حقيقة احتفاظ آسريه اليابانيين بأعماله الخطّية «تعكس التناقضات الثقافية والسياسية في شرق آسيا أوائل القرن الـ20».

وفي محاكمته، عرّف آن عن نفسه أنه جندي كوري، وعدَّ اغتيال إيتو عملية عسكرية، وتخيَّل شرق آسيا موحَّدة -تضمّ كوريا والصين واليابان- على غرار الاتحاد الأوروبي الحالي.

علَّق بارك: «قد يرى بعض اليابانيين فيه شخصاً مثالياً مضلَّلاً، لكنه صاحب مبادئ». وأضاف أنَّ خطّه، الذي ركّز على قيم مثل السلام والأخلاق، «لاقى صدى ثقافياً، حتى لو كان مُعارضاً سياسياً لهم».

وعام 2023، اشترت مجموعة «ساي-إيه» الكورية الجنوبية، وهي تكتل صناعي، أحد أعمال آن الخطية مقابل 1.95 مليار وون (نحو 1.4 مليون دولار)، وهو ما عُدَّ رقماً قياسياً.

أما قطعة «الخيزران الأخضر» التي بيعت الشهر الماضي، فقد اشتراها أفراد من عائلة مجموعة «إل إس» الكورية الجنوبية.

وقال جونغ تي هي من دار مزادات سيول: «عبَّرنا عن رغبتنا في إعادة القطعة إلى كوريا ومشاركتها مع العامة»، مضيفاً أنَّ مالكها الياباني وافق على البيع بعد سماعه الاقتراح.

وقال لي سانغ هيون، من عائلة مجموعة «إل إس غروب»، إنّ والدته «تأمل أن يتمكن مواطنون عدّة من رؤية هذه القطعة وأن تُدرَس أيضاً»، وهم يفكرون في التبرّع بها لمؤسّسة وطنية.


مقالات ذات صلة

«كنوز ديانا» في المزاد: أكبر عرض عالمي لمقتنيات الأميرة الراحلة (صور)

يوميات الشرق أميرة القلوب تعود إلى الأضواء في مزاد تاريخي (رويترز)

«كنوز ديانا» في المزاد: أكبر عرض عالمي لمقتنيات الأميرة الراحلة (صور)

يُقام المزاد المباشر وعبر الإنترنت بعنوان «أسلوب الأميرة ديانا... مجموعة ملكية» في 26 يونيو في «بينينسولا بيفرلي هيلز» بولاية كاليفورنيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «العاصفة القادمة» تُبعث من النسيان (سوذبيز)

«العاصفة القادمة» تعود بعد 150 عاماً من الغياب

من المقرر عرض أول لوحة زيتية شارك بها الرسام الإنجليزي جوزيف تيرنر، المعروف في عصره بويليام تيرنر، في معرض قبل طرحها في مزاد، وذلك بعدما فُقدت لأكثر من قرن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق النُّدرَة (د.ب.أ)

خاتم بـ15 جنيهاً يكشف سرّاً ملكياً عمره قرنان

من المقرَّر أن يُعرَض خاتم حداد نادر في مزاد علني، بعدما بِيع مقابل 15 جنيهاً إسترلينياً فقط في متجر خيري بمدينة ليستر البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «الختم» لعبد الناصر الغارم (كريستيز)

«السعودية الآن» أعمال 12 فناناً من المملكة في مزاد كريستيز للفن المعاصر

تجلس نور كيلاني، المديرة العامة لفرع دار كريستيز بالسعودية، على مكتبها وخلفها صورة فوتوغرافية من عمل الفنان السعودي أحمد ماطر «مغناطيسية».

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق صفحة من مصحف بالخط الكوفي يعود تاريخه إلى دمشق في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين (كريستيز)

سجاد القصر المحرم نجم مزاد كريستيز لفنون العالم الإسلامي والهندي في لندن

المزاد يضم مجموعة متميزة من القطع من بينها شمعدان مملوكي، وحليٌّ ذهبية من العصر الفاطمي، وسجاد من قصور الصين، ونسخة نادرة من كتاب «الشاهنامة».

عبير مشخص (لندن)

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
TT

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)

استعان مهرجان «موازين»، في دورته الـ 20 والتي تقام فعالياتها حالياً في العاصمة المغربية الرباط، بشخص شبيه للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، ليجسد صورته «الهولوغرامية»، مع الاستعانة بصوته الأصلي لتقديم عدد من أغنياته، التي تعود ملكيتها للمنتج محسن جابر، وذلك لتجاوز الأزمة التي نشبت قبل الحفل بين ورثة العندليب وإدارة المهرجان.

وخرج الحفل «الهولوغرامي»، الذي أقيم على خشبة «المسرح الوطني... محمد الخامس» للنور، ورفع شعار «كامل العدد»، حسب إدارة المهرجان، بعد أزمة كبيرة دارت خلال الأيام الماضية بين ورثة العندليب، وإدارة مهرجان «موازين»، التي استعانت بشركة أخرى غير التي تتعاون مع الورثة، نظراً لأنها ليست شركة مغربية خالصة، وفق بيان للمهرجان.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

الحفل الذي رفع شعار «كامل العدد»، حضره نخبة من الشخصيات الرسمية، وفق بيان المهرجان، الذي أكد أن كل ما نشر عن إلغائه أو منعه لا يمت للحقيقة بصلة، وكان الغرض منه إثارة الجدل فقط، وأنه أُقيم بشكل قانوني، بعد حصولهم والشركة المنظمة على جميع التصريحات الرسمية من المنتج محسن جابر، صاحب الحقوق الحصرية لأرشيف عبد الحليم.

وتعليقاً على الحضور اللافت للحفل، «الهولوغرامي»، من جميع المراحل العمرية، حسب البيان، وبعيداً عن أزمة «الملكية الفكرية»، يرى نقاد أن الحنين للكلمة واللحن، وحضور أحد نجوم «الزمن الجميل»، مجدداً هو أساس جماهيرية هذه الحفلات.

الناقد الموسيقي المصري محمد شميس يرى أن هذا النوع من الحفلات الغنائية ينعش الحنين لمطرب تابعه جمهوره، وارتبطوا بأعماله وأغنياته على الشاشة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رؤيته مجدداً على المسرح عن طريق هذه التقنية والتفاعل معه، أمر رائع وشعور جيد، لذلك تحظى هذه الحفلات غالباً بحضور، خصوصاً إذا كانت لمطرب له جماهيرية طاغية.

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان بـ فيسبوك)

وافتتح الحفل، بأغنية «الماء والخضرة والوجه الحسن»، التي قدمها عبد الحليم خصيصاً للمملكة المغربية، كما استمع الجمهور خلال الحفل لباقة من أغنيات «العندليب» الشهيرة من بينها، «أول مرة تحب يا قلبي»، و«بلاش عتاب»، و«أسمر يا أسمراني»، و«جبار»، و«بتلوموني ليه»، و«جانا الهوا»، و«حبك نار»، و«سواح».

ورغم شعار «كامل العدد»، الذي رفعه الحفل، وفق إدارة المهرجان، لكن حساب «عبد الحليم»، بـ«فيسبوك»، وصفه بأنه «مهزلة وفضيحة كبري، ومثير للاشمئزاز»، حيث ظهر حليم بشكل كارتوني مضحك، حسبما كتبت الصفحة، واستكمل الحساب الذي يدار بمعرفة «ورثة» العندليب، بأن «الحفل سيكون سقطة في حق المهرجان».

وبدأت أزمة الحفل التي أثيرت خلال الأيام الماضية، عقب إعلان صفحات المهرجان «السوشيالية»، عن إقامته، الأمر الذي أثار حفيظة أسرة العندليب، والتي أعلنت عبر بيان صحافي، أنها ستقوم بمقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، لعدم التواصل أو الاتفاق معهم بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

ويقول الناقد الموسيقي المصري أمجد مصطفى: «إن هذا النوع من الحفلات يحظى بحضور كبير، نظراً للحنين الجارف لهؤلاء النجوم، وأعمالهم التي أثرت الساحة الفنية»، وأوضح مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن إقامة هذه الحفلات في إطار منظم وعدم الإساءة لاسم النجم وشكله، أمر رائع ومتاح لتوثيق حضورهم مجدداً، كي تتعرف عليهم الأجيال الحالية.

وأكد مصطفى أن من حق «ورثة»، عبد الحليم، الاعتراض على إقامة الحفل إذا كان يسيء له، لكن خلاف ذلك فوجود اسمه، وغيره من النجوم بأعمالهم في حفلات وأعمال درامية أيضاً، أمر مهم للتوثيق الفني.

لم يكن حفل «العندليب»، الهولوغرامي، الأول من نوعه خلال مهرجان «موازين»، فقد تم استخدام التقنية نفسها، العام الماضي، في حفلين سابقين لـ«أم كلثوم»، وفق إدارة المهرجان.

الناقد الفني المصري محمد شوقي أكد أن نجاح هذه الحفلات يعود لكون الأغنيات التي تقدم بها تحمل مشاعر وأحاسيس ومعاني افتقدناها بشكل كبير في الإنتاجات الفنية الحالية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحفلات تعد فرصة جيدة للتحليق في سماء الفن، وظاهرة صحية نتيجة الظروف القاسية التي نعيشها».

وقدم عبد الحليم حافظ عدداً كبيراً من الأفلام العربية، التي اتسمت بالطابع الغنائي من بينها، «لحن الوفاء»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد غرام»، و«دليلة»، و«الوسادة الخالية»، و«شارع الحب»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، «أبي فوق الشجرة»... وغيرها.